السعودية أم تركيا .. أين يلتقي زيلينسكي ببوتين؟
٢١ أغسطس ٢٠٢٥التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة الماضية بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في ولاية ألاسكا، في أول قمة روسية أمريكية منذ أكثر من أربع سنوات.
وتلا ذلك استضافة ترامب للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيين بارزين في البيت الأبيض. يأتي ذلك وسط مساعي ترامب لتوجيه بوتين وزيلينسكي نحو تسوية بعد أكثر من ثلاث سنوات من غزو روسيا لجارتها.
وقال زيلينسكي إنه يمكن أن يلتقي بوتين، لكن فقط بعد حصوله على ضمانات أمنية. وتحدثت تقارير عن احتمالية إجراء لقاء ثلاثي يجمع رؤساء روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة.
تركيا.. بوتين يشكر أردوغان
تتكهن وسائل الإعلام التركية أيضا بإمكانية أن تستضيف تركيا لقاء زيلينسكي وبوتين، بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا.
وقالت الخارجية الروسية إن بوتين شكر أردوغان على "جهوده لتسهيل المحادثات الروسية الأوكرانية في إسطنبول".
واستضافت تركيا بالفعل جولات محادثات مباشرة بين كييف وموسكو هذا العام، شهدت إبرام اتفاقيات لتبادل الأسرى.
وتقع تركيا جغرافيا في القارتين الأوروبية والآسيوية، وتطل على البحر الأسود مثل روسيا وأوكرانيا. وتركيا هي الدولة المسلمة الوحيدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنها ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي وليست من الدول الموقعة على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية المعروفة باسم "نظام روما".
زودت أوكرانيا بالأسلحة منذ غزو روسيا، لكنها حافظت أيضا على علاقات ودية مع موسكو.
الخليج.. هل سيفوز بالقمة؟
تتنافس السعودية وقطر على إمكانية أن يكون الخليج نقطة التقاء بين بوتين وزيلينسكي.
وتحتفي الرياض والدوحة بسجل كبير في استضافة مفاوضات دولية؛ إذ كانت السعودية محطة أول زيارة خارجية رسمية للرئيس الأمريكي بعد عودته إلى البيت الأبيض.
أجرى مسؤولون من أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا محادثات منفصلة في مدينة جدة في وقت سابق من هذا العام. وأسفرت المحادثات عن استئناف المساعدات الأمريكية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا.
وفيما يتعلق بقطر، فقد توسطت الدوحة في محادثات نجحت في لم شمل دفعة جديدة من الأطفال في أوكرانيا وروسيا مع عائلاتهم. يشار إلى أن السعودية وقطر ليستا من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية.
وفي السابق، حث الاتحاد الأوروبي دول الخليج على اتخاذ إجراءات صارمة ضد التهرب من العقوبات الغربية على روسيا، وتقديم المزيد من الدعم لأوكرانيا.
ماذا عن أوروبا؟
ولا يتوقف الأمر على إمكانية استضافة تركيا أو الخليج قمة بوتين وزيلينسكي؛ إذ تنضم دول أوروبية أخرى. ففي مقابلة مع DW، قال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول إن هناك "العديد من الأماكن الجيدة في أوروبا" لتكون مقر القمة. وأضاف أن برلين لا تطمح لاستضافة المحادثات، مشيرا إلى أن سويسرا "لطالما كانت وجهة جيدة".
لكن إيجاد أرضية مشتركة حقيقية بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا، وربما الدول الأوروبية، لن يكون بالأمر السهل. ويقول خبراء إن الأمر يعد معقدا من الناحية القانونية، فقد صدرت مذكرة توقيف ضد الرئيس الروسي من قبل المحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك نقل أطفال بشكل غير قانوني من المناطق التي يحتلها الجيش الروسي في أوكرانيا إلى روسيا. وتنفي موسكو مثل هذه الاتهامات.
ويمثل ذلك عقبة رئيسية أمام استضافة الرئيس الروسي، حيث من الناحية الفنية، تعد دول الاتحاد الأوروبي ملتزمة باعتقال أي شخص أصدرت المحكمة الجنائية بحقه مذكرة توقيف بمجرد دخوله أراضيها.
ولا تعترف روسيا ولا الولايات المتحدة باختصاص المحكمة. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إن بلاده فرضت عقوبات جديدة على قاضيين ومدعين اثنين في المحكمة الجنائية الدولية.
سويسرا.. خيار فرنسا وألمانيا المفضل
ولم تكن ألمانيا البلد الأوروبي الوحيد الذي أشاد بإمكانية استضافة سويسرا قمة بوتين وزيلينسكي؛ إذ قالت باريس إن جنيف قد تكون الموقع المثالي لمثل هذه المفاوضات.
وأعلن وزير الخارجية السويسري إينياسيو كاسيس أن بلاده ستمنح بوتين "حصانة" إذا ما حضر مؤتمرا بشأن السلام في أوكرانيا، على الرغم من مذكرة التوقيف الصادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية.
بيد أن ماتياس هولفوت، المحاضر في القانون الجنائي الدولي بجامعة أمستردام، يرى أن هذا الإجراء يعد ضعيفا من الناحية القانونية. وفي مقابلة مع DW، قال إن السلطات القضائية في الدول الديمقراطية تكون مستقلة، وهي المنوط بها إصدار قرارات التوقيف وليس الحكومات.
وأضاف "أتوقع أن يكون هناك اتفاق بين السلطتين التنفيذية والقضائية في سويسرا على عدم تنفيذ أوامر الاعتقال.. تجاهل قواعد المحكمة الجنائية الدولية لن يترتب عليه عواقب تذكر".
وتحظى سويسرا بتاريخ حافل من الحياد الدولي، واستضافت العديد من القمم واللقاءات التاريخية، فضلا عن أن المقر الأوروبي للأمم المتحدة يقع في جنيف. ولم تنضم سويسرا إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو حفاظا على حيادها، لكنها رغم ذلك حذت حذو الدول الغربية في فرض عقوبات على موسكو.
وتقول الحكومة السويسرية إنها شاركت في 30 عملية سلام، بما في ذلك محادثات بشأن أرمينيا وقبرص وموزمبيق والسودان. وفي عام 2021، استضافت جنيف محادثات بين بوتين والرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
النمسا.. خارج الناتو، لكن داخل الاتحاد الأوروبي
وعرضت النمسا أن تكون مكانا لاستضافة القمة. فرغم كونها عضوا في الاتحاد الأوروبي، إلا أن النمسا تلتزم بالحياد العسكري، خاصة وأنها ليست عضوا في حلف الناتو.
وأشاد المستشار النمساوي كريستيان شتوكر بـ"التقليد الطويل" في استضافة فيينا للعديد من المباحثات الدولية، فضلا عن أنها مقر للعديد من المنظمات الدولية مثل أوبك والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويرى راينهارد هاينيش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة سالزبورغ، أن النمسا ترى نفسها بمثابة الجسر بين الشرق والغرب.
وأضاف في مقابلة مع DW أن فيينا شهدت إبرام اتفاقيات دبلوماسية، بداية من المباحثات بين الولايات المتحدة وروسيا إبان الحرب الباردة، وحتى المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى.
وعلى غرار سويسرا، فإن النمسا، بصفتها عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، تواجه معضلة قانونية في استضافة بوتين على أراضيها.
بيد أن هاينيش قال إن النمسا شهدت في الماضي تقديم "تنازلات"، مضيفا أن "الكثير من الأمور متروكة للتأويل" في قوانينها. وألمح إلى إمكانية تأجيل إصدار مذكرة توقيف باتفاق في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنه يعتقد أن هذا خيار سياسي غير وارد.
المجر.. معضلة الذكريات السيئة
وفي سياق متصل، أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة ربما تنظر إلى المجر كمكان لعقد القمة بين الرئيسين الروسي والأوكراني. وأعلنت المجر انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية في أبريل/ نيسان الماضي، قبيل استقبال رئيس وزرائها فيكتور أوربان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
ويرى خبراء أن الانسحاب قد يعزز حظوظ استضافة المجر لقمة بوتين وزيلينسكي من منظور القانون الدولي، لكن أوربان يعد شخصية لا تستسيغها العديد من العواصم الأوروبية.
ففي تغريدة على منصة إكس، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إن أوكرانيا قد حصلت على ضمانات أمنية وصفها بـ"المشؤومة" في بودابست عام 1994. وكان المسؤول الأوروبي يشير إلى مذكرة بودابست لعام 1994، والتي شهدت تخلي أوكرانيا عن ترسانتها النووية مقابل ضمانات أمنية من المملكة المتحدة والولايات المتحدة و روسيا. وقال توسك في التغريدة "ربما أكون مؤمنا بالخرافات، لكن هذه المرة سأحاول إيجاد مكان آخر".
وتثير المجر الكثير من الجدل داخل الاتحاد الأوروبي بمساعيها إلى عرقلة أو تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا على نطاق دول التكتل. وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي هاينيش إن الكثيرين داخل الاتحاد الأوروبي ينظرون إلى أوربانباعتباره "حصان طروادة للمصالح الروسية، لكن أوروبا قد تواجه صعوبة في الوقوف أمام استضافة بودابستللقمة إذا حظي الأمر بقبول بوتين وترامب."
أعده للعربية: محمد فرحان