تركيا - هل هي شريك لأوروبا أم خطر لا يمكن التنبؤ به؟
٢٥ مارس ٢٠٢٥
نظرًا إلى تزايد الشكوك في دور الولايات المتحدة الأمريكية كشريك موثوق به، باتت الدول الأوروبية تتساءل وبشكل متزايد كيف يمكنها الدفاع عن نفسها. ويبحث الأوروبيون في مؤتمرات وقمم كثيرة عن إجابات مشتركة.
ويقوم الاتحاد الأوروبي حتى بتخفيف قواعده المالية الصارمة وإنشاء صندوق تسليح أوروبي لتمويل مشاريع مشتركة، وذلك من أجل إتاحة المجال أمام الاستثمارات الضرورية في مجال الدفاع. وذلك لأنَّ أوروبا تمر بمرحلة تحوّل وتريد تطوير قدراتها العسكرية إلى حد كبير.
وبحسب وكالة الأنباء الألمانية فقد قرر رؤساء الدول والحكومات الأوروبية في قمتهم الربيعية الأخيرة بذل قصارى جهدهم من أجل تعزيز جاهزية أوروبا الدفاعية بشكل حاسم خلال الخمسة أعوام القادمة.
وضمن هذا السياق، تسعى تركيا إلى تعزيز موقفها. وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرًا على طموحات بلاده أثناء زيارة رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك إلى أنقرة. وبحسب تعبيره فإنَّ تركيا ما تزال تسعى إلى الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.
وكذلك قال إردوغان إنَّه مقنع بأنَّ الاتحاد الأوروبي لا يمكنه منع "خسارته الحالية للسلطة" في أوقات التحديات الأمنية العالمية إلا من خلال تعاونه الوثيق مع تركيا.
أما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان فقد كان أكثر وضوحًا، وقال: لا يمكن تصور بنية أمنية أوروبية جديدة من دون تركيا. وهاكان فيدان المعروف بعلاقاته الوثيقة مع أردوغان، يجري حاليًا محادثات دبلوماسية مكثفة. وقد استقبل خلال أسابيع قليلة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في أنقرة وشارك في قمة أوكرانيا في لندن.
وقبل ذلك، أجرى دبلوماسيون روس وأمريكيون محادثات في إسطنبول من أجل تطبيع علاقاتهم.
تركيا: قوة عسكرية بين أوروبا وآسيا
تقع تركيا في موقع استراتيجي بين أوروبا وآسيا ولديها قوة عسكرية كبيرة. ويحتل جيشها بحسب أحدث تقرير صادر عن منصة "غلوبال فاير باور" المركز التاسع في تصنيف أقوى جيوش العالم، ويتقدم بذلك على دول مثل إيطاليا وألمانيا وإسرائيل.
وتضم القوات المسلحة التركية بحسب هذا التقرير نحو 884 ألف جندي، منهم 355.200 جندي نشط. ويضاف إليهم 380 ألف جندي احتياطي. ويوجد لدى سلاح الجو التركي أكثر من 940 طائرة عسكرية، منها نحو 200 طائرة مقاتلة.
كما توجد لدى تركيا أكثر من 2230 دبابة قتالية وهي تملك ثاني أكبر أسطول دبابات داخل حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية، التي تملك 4640 دبابة. وقواتها البحرية أيضًا في وضع جيد ولديها 13 غواصة.
لقد سعت تركيا خلال العقود الأخيرة بحزم وإصرار إلى هدف استقلال صناعتها الدفاعية عن الدول الأجنبية. وكان ذلك بسبب العقوبات المتكررة المفروضة عليها من قبل الدول الغربية، والتي كثيرًا ما كانت تؤدي إلى نقص في الإمدادات للقوات المسلحة التركية. وكانت النتيجة تأخيرات في التحديث والصيانة وإنتاج تركيا أنظمة أسلحتها الخاصة.
والآن استفادت تركيا من الاستثمارات الطويلة الأجل في البحث والتطوير وكذلك من توسيع الصناعة الدفاعية. وفي هذا الصدد أعلن مؤخرًا الأستاذ خلوق غورغون، وهو رئيس شركة الصناعات الدفاعية التركية (أسيلسان)، أنَّ "حصة المنتجات التركية كانت تبلغ 20 بالمائة في عام 2002، وفي العام الماضي وصلنا إلى 80 بالمائة".
وبحسب تعبيره فقد بلغ عدد شركات الصناعات الدفاعية العام الماضي أكثر من 2400 شركة مع نحو 100 ألف موظف. لقد صدرت تركيا مسيّرات ودبابات قتالية وأنظمة أسلحة وسفن وغيرها من المعدات العسكرية إلى 180 دولة، بحجم صادرات تجاوز توقعاتها وبلغ 7.1 مليار دولار أمريكي.
وتشتري منتجاتها العسكرية دول كثيرة في أفريقيا ودول الخليج العربية وآسيا وأوروبا. ومنذ عام أصبحت أنقرة تركز على أمريكا اللاتينية أيضًا. وكذلك تصدر تركيا أسلحة إلى دول أنظمتها استبدادية ومناطق نزاعات.
إصلاحات واسعة النطاق في الصناعة الدفاعية
كان الدكتور ينس باستيان حتى نهاية عام 2024 باحثًا في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) في برلين يركّز على موضوعات من بينها سياسة التسلح التركية. وهو يلاحظ التغييرات التي شهدتها تركيا وخاصة في عهد حزب أردوغان الإسلامي المحافظ.
ويقول إنَّ تركيا قد أجرت إصلاحات عميقة في صناعة الأسلحة وجددت تنظيمها ماليًا وأنشأت نظامًا يربط الجامعات والشركات الناشئة ومراكز الأبحاث بالجيش.
ويذكر على سبيل المثال شركة بيكار التي يملكها سلجوق بيرقدار، وهو صهر أردوغان. ويقول إنَّ بيرقدار حقق نجاحًا عالميًا في مجال التصدير من خلال تطوير المسيَّرات العسكرية والمدنية. ويضيف أنَّ هذه المسيرات قد أثبتت قدرتها العملياتية العسكرية في أوكرانيا وليبيا وناغورني قره باغ ومؤخرًا في سوريا.
لقد وقعت شركة بايكار في بداية آذار/مارس عقدًا مع شركة الدفاع الإيطالية ليوناردو من أجل التعاون في تطوير المسيَّرات. ويضيف الخبير ينس باستيان أنَّ "إندونيسيا تخطط أيضًا للتعاون مع تركيا في إنتاج المسيَّرات. التي باتت تُنتج في أوكرانيا".
وكذلك أعلنت في الأسبوع الماضي شركة الصناعات الدفاعية التركية إس تي إم (STM) عن تحقيق نجاح: فقد حصلت على عقد من البحرية البرتغالية لبناء سفينتين للإمداد البحري والدعم اللوجستي. وهذا أول تصدير لسفن عسكرية تركية إلى دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
ولكن تركيا ما تزال لديها وعلى الرغم من نجاحاتها نقاط ضعف في الإنتاج التكنولوجي، وخاصة في إنتاج الرقائق الدقيقة وتكنولوجيا الكم، التي تضطر إلى استيرادها من شركائها في حلف الناتو، بحسب الخبير ينس باستيان.
دور هيئة الصناعات الدفاعية التركية
لعبت هيئة الصناعات الدفاعية التركية دورًا حاسمًا في صعود تركيا إلى قوة مصدِّرة في قطاع الأسلحة. وهذه المؤسسة الخاضعة مباشرة منذ عام 2018 للرئيس أردوغان، لديها صندوق ثروة خاص يمكنها من إجراء استثمارات واسعة النطاق في تحديث وتطوير تقنيات جديدة للقوات المسلحة. وقد أدى هذا أيضًا إلى نمو واضح في الصناعة الحربية المحلية.
ويرى الخبير الاقتصادي ينس باستيان في توسيع الصناعة الحربية التركية وسيلة سياسية خارجية واقتصادية تملكها أنقرة. ويقول إنَّ تركيا تحوّلت بفضل نجاحاتها في مجال التصدير العسكري إلى منافس يجب التعامل معه بجدية.
ويعتقد أنَّ تركيا ستشارك في تحديد شكل البنية الأمنية الأوروبية. ويقول نظرًا إلى مشاركتها في تشكيل سياسة الهجرة وخيارات التنمية الاقتصادية والسياسية في سوريا وكذلك إلى أهميتها السياسية الإقليمية في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، فقد تموضعت تركيا كقوة متوسطة، لا بد من مراعاتها في حسابات الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية وشركائه في حلف الناتو والصين.
ولا يزال حتى الآن من غير الواضح إن كانت تركيا ستلعب دورًا في بناء البنية الأمنية الأوروبية. إذ إنَّ الشركات التركية لا يمكنها بحسب أحدث الخطط الصادرة عن مفوضية الاتحاد الأوروبي أن تستفيد من صندوق التسلح الأوروبي البالغ 150 مليار يورو إلا عند توقيع تركيا شراكة أمنية ودفاعية مع الاتحاد الأوروبي.
كما أنه ليس من الواضح كيف ستكون العلاقات الأوروبية التركية بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو والاحتجاجات التي رافقت ذلك، إذ كشف متحدث باسم المفوضية الأوروبية أن التكتل لا يستبعد إلغاء محادثات مقررة مع تركيا.
كما حثّت المفوضية أنقرة على "احترام القيم الديموقراطية"، قائلة "نريد أن تبقى تركيا راسخة في أوروبا، ولكن هذا الأمر يتطلّب التزاما واضحا بالمعايير والممارسات الديموقراطية".
أعده للعربية: رائد الباش