تراجع التمويل الأمريكي في الشرق الأوسط: ما هي البدائل؟
٢١ يوليو ٢٠٢٥قال مدير مشروع في سوريا لـ DW حول تخفيضات التمويل الأمريكي: " لا أحد يملك تصورًا دقيقًا عما يحدث حاليًا. ورغم عدم توقف الدعم بالكامل حتى الآن، فإننا نستمر في الإنفاق على أمل ألا يتوقف التمويل كليًا.
وفي بغداد، قال مؤسس شبكة الصحفيين العراقيين: "ما زلنا لا نعرف إذا كنا سنحصل على التمويل الذي وُعدنا به هذا العام. قد لا نستطيع دفع رواتب بعض صحافيينا، ونعمل الآن على التواصل مع منظمات أخرى لتعويض النقص، وطلب المصدران عدم الكشف عن هويتيهما خشية الانتقادات من الجهات المانحة.
وليس هذا الوضع مقتصرًا على جهة واحدة، فمع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، شهد التمويل الأمريكي للمساعدات الإنمائية الرسمية (ODA) تراجعًا كبيرًا.وتعرّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، المعروفة بالمساعدات الخارجية.
وتعد هذه الأموال بأنها " مساعدات حكومية تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة في الدول النامية، مع التركيز على هذه الدول بشكل خاص". ويمكن أن تكون هذه المساعدات من دولة إلى أخرى مباشرة، أو متعددة الأطراف، حيث تجمع منظمات مثل الأمم المتحدة الأموال لتوزيعها. وقد ذكر الخبراء أن تخفيضات الميزانية في الولايات المتحدة وُصفت بـ«الفوضوية»، وكان تقليل حجم المساعدات الإنمائية الرسمية أمرًا مستمرًا حتى قبل ذلك.
ففي عام 2024، انخفضت هذه المساعدات عالميًا بأكثر من 7%، حيث قلصت دول أوروبية كبيرة والمملكة المتحدة أيضًا دعمها، ووجهت جزءًا أكبر من ميزانياتها إلى النفقات الدفاعية. وكان العام الماضي هو الأول منذ نحو 30 عامًا الذي شهدت فيه جهات مانحة رئيسية مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة تراجعًا واضحًا في حجم مساعداتها الإنمائية الرسمية.
تأثير خفض التمويل على الشرق الأوسط
في عام 2023، حصلت دول الشرق الأوسط على حوالي 7.8 مليار دولار (6.7 مليار يورو) من أصل 42.4 مليار دولار (36.3 مليار يورو) أنفقتها الولايات المتحدة في ذلك العام.
وبسبب هذا، كتب ليث العجلوني، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في البحرين، في مارس/آذار: "ستشعر دول الشرق الأوسط بشدة بتأثير خفض المساعدات الأمريكية، لأن شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين ما زالوا يعتمدون كثيرًا على هذه المساعدات لتلبية احتياجاتهم العسكرية والاقتصادية."
وأوضح الباحث ليث العجلوني أن الولايات المتحدة، خلال الفترة من 2014 إلى 2024، تعهدت بتقديم نحو 106.8 مليار دولار لدول المنطقة. حصلت إسرائيل على ما يقل قليلاً عن ثلث هذا المبلغ، على الرغم من أن معظم هذه الأموال خُصصت لأغراض عسكرية. أما بقية الدول، فكان الدعم الأميركي يشكل جزءًا كبيرًا من دخلها القومي.
يقول العجلوني إن تمويل الطوارئ الخاص بالغذاء والماء في السودان، والأدوية في اليمن، وتغذية الأطفال في لبنان، بالإضافة إلى مخيمات النازحين في سوريا، بما في ذلك العائلات التي يُزعم ارتباطها بتنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي، جميعها معرضة للخطر.
وشدد العجلوني على أن دولاً أخرى مثل الأردن ومصر تعتمد بشكل كبير على التمويل الأجنبي لتحقيق "التنمية الاقتصادية" وللمساعدة في دعم اقتصاداتها المتعثرة، فيما تظل حجم الخسائر المحتملة بسبب خفض المساعدات غير واضح، لكن باحثين في مركز التنمية العالمية في واشنطن قدروا التداعيات ورجحوا أن بعض الدول ستفقد مبالغ كبيرة من المساعدات بسبب اختلاف الجهات المانحة الرئيسية لها، فيما قد تفقد دول أخرى قدراً يسيراً فقط.
على سبيل المثال، من المتوقع أن تشهد اليمن انخفاضًا بنسبة 19% في مساعداتها الإنمائية الرسمية بين عامي 2023 و2026. وفي عام 2025، كانت أكبر ثلاث جهات مانحة لها عبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNOCHA) هي المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
من ناحية أخرى، قد يخسر الصومال ما يصل إلى 39% من مساعداته، وكانت الجهات المانحة الرئيسية عبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية هي المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
من يدفع المساعدات في الشرق الأوسط الان
قال فينتشنزو بوليتينو، مدير برنامج المجتمعات الصامدة في المبادرة الإنسانية بجامعة هارفارد في بوسطن، لـ DW: "من الواضح أن العجز في تمويل المساعدات لن يُسد على المدى القصير". وأضاف: "أما على المدى المتوسط والطويل، فمن المرجح أن يكون هناك مزيج متنوع من أشكال المساعدات".
ويتوقع بوليتينو أن يشمل ذلك عددًا أكبر من الدول "التي تقدم المساعدات والمساعدات الإنمائية بما يتناسب مع أهدافها السياسية". وقد أعلنت الوكالة الروسية الرئيسية للتعاون الدولي، ، مؤخرًا أنها ستعيد تنظيم نفسها لتصبح أشبه بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وستفتح فروعًا في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولكن، بميزانية سنوية لا تزيد عن 70 مليون دولار،و تُعد ميزانية صغيرة نسبيًا.
فيما يُطرح المال الصيني كبديل محتمل للتمويل الأمريكي والأوروبي، حذّر خبراء في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية – وهو مركز أبحاث أمريكي – في يوليو/تموز من أن الصين قد رسّخت مكانتها بالفعل كأكبر منافس للولايات المتحدة في مجال التنمية العالمية."
لكن يشير الخبراء إلى أن الصين ليست مهتمة كثيرًا بالشرق الأوسط، بل هي أكثر نشاطًا في جنوب شرق آسيا وأفريقيا. ويوضح بوليتينو: "لم تلعب روسيا ولا الصين دورًا هامًا تقليديًا في نظام المساعدات الإنسانية الدولي، ومن غير المتوقع أن يتغير ذلك في وقت قريب".
كيف أصبحت المساعدات ذات طابع سياسي أكثر؟
يقول ماركوس لوي، الأستاذ ومنسق أبحاث الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة (IDOS)، إنه من المرجح أن تكون دول الخليج الغنية هي الجهات المانحة الرئيسية في الشرق الأوسط.على مدار العقدين الماضيين، كانت أربع دول خليجية — المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والكويت ـ جهات مانحة دولية مهمة.
وقال لوي لـ DW: "على سبيل المثال، تقدم المملكة العربية السعودية دعمًا كبيرًا لسوريا، كما دعمت لبنان بشكل واسع، وهم مستعدون بالتأكيد لتحمل جزء كبير من تكاليف إعادة الإعمار في غزة، شرط وجود اتفاق مقبول لوقف إطلاق النار".
نادرًا ما تخصص أموال خليجية للصناديق التي تديرها الأمم المتحدة، إذ تكون معظم المساعدات ثنائية مباشرة بين دولة وأخرى، لأن دول الخليج تميل إلى استخدام مساعداتها الإنمائية الرسمية بشكل عملي أكثر، أي كأداة دبلوماسية ترتبط بأهداف السياسة الخارجية .
كتب خالد المزيني، الأستاذ في جامعة زايد بالإمارات العربية المتحدة، في تحليل حديث: "يميل متلقو المساعدات الذين يُعتبرون ذوي أهمية سياسية لدى المانحين الخليجيين إلى تلقي المزيد من المساعدات". فعلى سبيل المثال، رغم شنّ السعودية والإمارات حربًا على أجزاء من اليمن منذ عام 2015، إلا أنهما كانتا أكبر المانحين للبلاد.
لكن كما يشير بوليتينو، فإنالمساعدات الإنسانيةليست مخصصة لأغراض سياسية، وهذا يتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية للحياد والنزاهة.
ويضيف بوليتينو: المشكلة الأساسية في استخدام المساعدات كأداة تكمن في أنها قد تكون محفزًا للصراع والعنف بقدر ما تكون مصدرًا للسلام والأمن". ويشير إلى "مؤسسة غزة الإنسانية" كمثال، حيث أدى تقديم "المساعدات الإنسانية" للمدنيين الجائعين إلى مقتل مئات الفلسطينيين.