تخدير المرحَّلين.. ما حقيقة اتهامات موجهة للسلطات الإيطالية؟
٤ أبريل ٢٠٢٥ينتشر منذ ساعات فيديو من داخل مركز الاحتجاز في إيطاليا، مثيرا الكثير من الأسئلة حول تفاقم معاناة المهاجرين وطالبي اللجوء في إيطاليا.
هذا الفيديو الذي تقاسمه مجدي الكرباعي، النائب السابق والناشط في قضايا الهجرة واللاجئين مع متابعيه، معتبرا في تصريح لـ DW عربية أنه مقطع يوثق لـ "فضيحة دولة"، حسب تعبيره.
والغريب حسب ما سجلته DW أثناء الإعداد لهذا التقرير، أن وسائل الإعلام الإيطالية لم تتفاعل مع ما يوثقه الفيديو الذي بثته قناة ريتي كواترو الإيطالية من انتهاك، وهو ما يعزيه الكرباعي لكون الموضوع "صار محظورا، وأن الأجندات السياسية جعلت مسألة حقوق المهاجرين خارج حسابات الإعلام الإيطالي".
سياسة الهجرة الإيطالية في قلب الاتهامات!
زهير الواسيني إعلامي مغربي مقيم في إيطالي متابع لشؤون سياسة الهجرة الإيطالية، يرى أن الوضع الحالي في البلد "يعكس تحولا مقلقا في سياسات الهجرة، حيث أصبحت المقاربة الأمنية هي السائدة على حساب احترام حقوق الإنسان".
واعتبر المتحدث أن ما ورد حول "تخدير المهاجرين قبل ترحيلهم، يطرح تساؤلات خطيرة حول مدى احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والمعاهدات التي صادقت عليها إيطاليا".
كما أوضح المتحدث أن جهود المنظمات الحقوقية في إيطاليا، تبرز بمتابعتها هذه الانتهاكات ونشر تقارير، لكنها غالبا ما تصطدم بجدار سياسي وإعلامي يضعف من تأثير أصواتها. معتبرا أن "هناك تفاعل مع بعض الأحداث، لكنه غير كافٍ لإحداث تغيير حقيقي في السياسات المعتمدة حاليا".
التونسيون أكثر من يعاني داخل مراكز الاحتجاز!
في العادة، يمر المهاجرون غير النظاميين وكثير منهم من المغاربيين والأفارقة وخاصة التونسيين الذين يمثلون حصة الأسد بين أعداد المهاجرين إلى إيطاليا، قبل ترحيلهم إلى بلدانهم بفترة احتجاز في مراكز الحجز والترحيل لمدة أقصاها 90 يوما، كما يمكن تمديد هذه الفترة إلى 30 يوما أخرى في حالات معيّنة.
لكن ما أثر على موضوع الترحيل بالنسبة للتونسيين، هو مذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة التونسية في يوليو/تموز من عام 2023، مع الاتحاد الأوروبي حول "شراكة استراتيجية وشاملة تهم بالأساس بملف الهجرة غير النظامية". وقد طالت هذه المذكرة منذ البداية انتقادات كثيرة من قبل المنظمات الحقوقية.
يعتبر مجدي الكرباعي، أن اتفاقية الهجرة الموقعة بين إيطاليا وتونس "ظالمة"، موضحا الأمر بالقول إن "شخصا اشتغل في إيطاليا لسنوات وبعدها فقد عمله، يتم ترحيله بسهولة وحتى من دون منحه فرصة لاستئناف الحكم مثلا، (وهذا) ظلم كبير". مشيرا إلى أن "اعتبار تونس دولة آمنة، يمنع المهاجر التونسي من إجراءات تقديم اللجوء ويُسهل ترحيله".
هل يدفع التونسيون ثمن حماية الحدود الأوروبية؟
يرى الكرباعي، أن "المهاجرين سواء في إيطاليا أو في تونس يعانون الويلات، ويمارس عليهم عنف كبير لأن الاتفاقية تلزم تونس بحماية حدود أوروبا". واعتبر المتحدث أن الاتفاقية "هي وثيقة تصدير لحدود وأزمة الهجرة من إيطاليا نحو شمال إفريقيا".
من جهته، اعتبر زهير الواسيني، الاتفاقية الموقعة بين تونس وإيطاليا "جزء من نهج أوروبي أوسع" يعتمد على "تسليع" الهجرة، أي "استخدام التعاون مع بلدان الأصل كوسيلة لوقف تدفق المهاجرين بأي ثمن".
وقد انتشرت فيديوهات كثيرة، في الآونة الأخيرة، لشباب تونسيين يحتجون على رئيس بلادهم من مدن إيطالية، مطالبين بعدم السماح بمعاملتهم بالشكل الحالي من طرف السلطات في كلا البلدين.
وقد علق الواسيني على انتشار فيديوهات احتجاجات التونسيين على الاتفاقية والترحيل القسري من إيطاليا إلى تونس، بالقول "كثير من التونسيين يرون في الاتفاقية خيانة من جانب سلطات بلدهم، لأنها تسهّل ترحيلهم دون ضمانات قانونية أو إنسانية".
انتحار لأجل الاحتجاج ورفضا للعودة!
من أكثر الفيديوهات المتداولة على الانترنيت حول هذا الموضوع، تلك التي توثق للحظات انتحار المهاجرين التونسيين وغيرهم، رفضا لقرار الترحيل واحتجاجا على الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز. لقطات اعتبرها الكرباعي "رسالة موجهة للعالم، يصرخ عبرها التونسيون خاصة، مفادها أنهم مستعدون للجحيم عوض العودة إلى بلدهم".
لكنه عاد ليؤكد على "ارتباطها بموضوع تناول الأدوية المخدرة غصبا، التي يدمن عليها المهاجرون، وتسبب إضافة للضغط الذي يسببه رجال الأمن حالة هستيرية، تجعل بعض المهاجرين يقدمون على إيذاء أنفسهم".
واسيني في حديثه مع DW، أوضح أن سياسة الهجرة في إيطاليا "لا تقوم على رؤية استراتيجية، بل على ردود فعل أمنية وإعلامية". فكل حكومة تتعامل حسب المتحدث "مع الهجرة كأزمة طارئة، لا كظاهرة ديمغرافية واجتماعية واقتصادية تحتاج لحلول متوازنة ومستدامة". هذه السياسة، حسب تحليل الإعلامي المغربي، "فضلاً عن كونها غير إنسانية، هي أيضاً غير فعّالة على المدى البعيد، لأنها لا توقف الهجرة بل تدفعها نحو طرق أكثر خطورة وتشوبها انتهاكات أشد".
تعتيم على موضوع ليس جديدا!
لا يوثق فيديو إجبار المهاجر على تناول حبة مخدرة، في الواقع لحادثة جديدة تنتهك حقوق المهاجرين في إيطاليا، بل هي مكررة في إيطاليا حسب ما تثبته الأخبار المتداولة في أكثر من بلد، وأيضا حسب ما أكده الكرباعي في حواره مع DW.
والملفت أن ربان طائرة مغربي سبق أن رفض منذ ما يزيد عن السنة، مغادرة مطار مالبينسا بميلانو في اتجاه مدينة الدار البيضاء، بعدما أصرت عناصر من الشرطة الإيطالية على وضع مهاجر مغربي في وضعية غير نظامية على متن الطائرة بهدف ترحيله قسرا نحو المغرب، معتبرا أن نقل شخص في حالة تخدير يشكل خطرا على حياته وعلى سلامة الرحلة، ويتنافى مع شروط حقوق وكرامة المسافر".
حسب مجدي الكرباعي، لم تعقب السلطات الإيطالية إلى غاية اللحظة على الفيديو المذكور، ومؤسسة DW وإلى غاية كتابة هذا المقال لم تتلق إجابة عن أئلة أرسلت بالإيميل من قبل السلطات المعنية.
مراكز الاحتجاز والترحيل.. معتقلات أسوء من السجون!
سبق لمنظمة أمنستي أن نشرت تقريرا حول مراكز احتجاز إيطالية زارتها، وأبلغت عبره عن مقابلة أشخاص "من خلفيات عرقية مختلفة ما كان ينبغي احتجازهم أصلا. أشخاص يعانون من مشاكل نفسية حادة، وآخرون يطلبون اللجوء بسبب ميولهم الجنسية أو نشاطهم السياسي، لكنهم قادمون من دول صنفتها الحكومة الإيطالية تعسفيا على أنها "آمنة".
هذه المراكز حسب ما يفسره الكرباعي، تقوم على تسييرها شركات خاصة، أي أن الهاجس فيها هو "الربح وليس احترام حقوق المهاجرين"، حسب الخبير.
أما عن الفيديوهات التي ينشرها التونسيون المهاجرون في إيطاليا، فيقول عنها المتحدث إنها "نداء خيبة أمل" يطلقه التونسيون بعد انخراط الرئيس قيس السعيد في ممارسة الضغط على التونسيين داخليا وخارجيا، وذلك في عملية مقايضة مادية مع أوروبا".
وأضاف المتحدث أن "المؤاخذات سابقا كانت على المنظومة، أما اليوم فالشخص الوحيد الذي جمع كل السلط بيده هو الرئيس، أي أنه صار في نظر المواطنين المسؤول الأول والأخير عن أوضاعهم".