بعد أقل من شهر على بداية الرئيس دونالد ترامب لولايته الجديدة، بدأت تلوح مؤشرات عديدة على تبدّل في مزاج الناخبين الأمريكيين من أصول عربية الذين كان لأصواتهم دور مؤثر في ترجيح كفته على حساب منافسته الديمقراطية كمالا هاريس.
بشارة بحبح الذي ترأس منظمة "أمريكيون من أجل ترامب" وكان لها دور قيادي في توجيه قطاع مهم من الناخبين العرب وخصوصا في بعض الولايات المتأرجحة والمؤثرة لصالح الجمهوري ترامب، لا يخفي الآن خيبة أمله من خطة "الريفيرا في الشرق الأوسط" التي طرحها الرئيس ترامب بشأن ملف "إعادة توطين" فلسطينيي غزة في دول عربية، والتي أثارت ردود فعل رافضة على نطاق واسع واعتبرتها الأمم المتحدة "غير قانونية من وجهة نظر القانون الدولي" محذرة بأن "الحركة القسرية لسكان مناطق محتلة هي جريمة دولية". ولذلك قررت المنظمة الأمريكية تغيير اسمها ليصبح "أمريكيون من أجل السلام".
ولا توجد في ألمانيا هيئات كبيرة منظمة لنشاط الناخبين من أصول عربية أو مسلمة على غرار المنظمات الأمريكية العريقة في هذا المجال، لكن المتابعين لأجواءالحملة الإنتخابية في ألمانيا يرصدون بعض الملامح الدالة على تذمر داخل أوساط الناخبين من أصول عربية ومسلمة على خلفية مواقف الحكومة الألمانية خلال حرب غزة بالخصوص. فهل يصل الأمر إلى مستوى سلوك انتخابي مشابه لما قام به عرب أمريكا؟ وإذا حدث ذلك كيف يمكن أن يؤثر على فرص المتنافسين من الأحزاب أو المرشحين لمنصب المستشار؟
أولا: تشابه في الدوافع
تفيد معظم الدراسات التي صدرت عن مؤسسات بحثية متخصصة في سلوك الناخبين من ذوي الأصول المهاجرة بشكل عام، وضمنهم المنحدرين من أصول عربية ومسلمة، بأنه مشهد غير منسجم في توجهاته ونوايا التصويت. وتتفاوت مواقف الهيئات النشيطة في أوساط الجاليات العربية والمسلمة بألمانيا، بين الاكتفاء بالدعوة للمشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح الأحزاب المؤيدة لقضايا الهجرة وحق اللجوء مثل الدعوات التي يصدرها عادة المجلس المركزي للمسلمين الذي ينضوي في إطاره مسلمون من دول عربية، أو "الإتحاد الإسلامي التركي" (ديتيب) الذي يُنظر له في ألمانيا على أنه يسير وفق أجندة حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
وهو وضع مشابه لمشهد الناخبين الأمريكيين من أصول عربية ومسلمة، الذي كان ينقسم تقليديا بين الحزبين الكبيرين (الجمهوري والديمقراطي) الذين يستقطبان الخارطة الإنتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى في الانتخابات الأخيرة لم يكن هنالك توافق على اتجاه معين للتصويت، إذ إرتأت اللجنة العربية الأميريكية للعمل السياسي (آباك) AAPAC بولاية مشيغان المؤثرة بعدم الإختيار بين المرشحين هاريس وترامب. وفيما أيدت منظمة "أمريكيون من أجل ترامب" المرشح الجمهوري، كانت منظمة "إمغيج باك" Emgage PAC إحدى كبريات لجان نشاط المسلمين، مؤيدة للمرشحة الديمقراطية هاريس.
لكن ارتفاع حدة التوتر في الشرق الأوسط وإنخراط إدارة الرئيس السابق جو بايدن في الاستراتيجية العسكرية لإسرائيل وارتفاع عدد الضحايا الذين سقطوا في صفوف المدنيين في قطاع غزة، ساهم في حشد انتخابي مكثف لصالح ترامب الذي تعهد بتحقيق نهاية سريعة للحرب في غزة وفي لبنان منتقدا عجز إدارة بايدن.
وثمة مؤشرات عديدة من خلال ما ينشر على مواقع التواصل الإجتماعي وبيانات عدد من النشطاء ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في أوساط الجاليات العربية والمسلمة والمظاهرات الحاشدة التي شهدتها المدن الألمانية على إمتداد الأشهر الماضية، تفيد بتذمر وغضب ملحوظين لدى قطاعات من الناخبين من أصول عربية ومسلمة، من حكومة المستشار شولتس على خلفية تأييدها لإسرائيل على المستوى الديبلوماسي وأمام محكمة العدل الدولية إضافة لدعمها بالذخائر والأسلحة لإسرائيل، إضافة للإجراءات والقوانين التي اتخذتها السلطات ضد مظاهر وأنشطة يقوم بها المؤيدون للفلسطينيين.
واللافت أن الانتقادات التي يوجهها قطاع من الناخبين من أصول عربية ومسلمة للحكومة وخصوصا لحزب المستشار أولاف شولتس، الاشتراكي الديمقراطي و"الخضر" حزب وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك، (الحزبان الرئيسيان في الإئتلاف الحاكم الذي تعرض للإنهيار في ديسمبر كانون أول 2024)، تتم فيما يبدو على حساب مواقف الحزبين التقليدية المؤيدة لقضايا الهجرة واللجوء. وهو سلوك يتشابه فيه الناخبون من أصول عربية ومسلمة في ألمانيا والولايات المتحدة حيث تم أيضا تجاهل خطط ترامب المناوئة للمهاجرين واللاجئين.
ويرى محللون بأن تغليب اعتبارات السياسة الشرق أوسطية على حساب قضايا الهجرة واللجوء مرده إلى أن هذه الفئة من الناخبين هي تتكون من أجيال متعاقبة منهم الذين ولدوا في ألمانيا أو جاؤوا إليها منذ عقود، ولا يواجهون - باعتبارهم يحملون الجنسية الألمانية - مشكلات على مستوى أوضاعهم القانونية، بل تفيد بعض الدراسات بأن بعض الفئات منهم يؤيدون أحزابا مناوئة للهجرة سواء من اليمين أو من اليسار. بينما تفيد بعض الدراسات بأن قضايا الاقتصاد والأمن تلعب دورا متزايدا في الاعتبارات التي تؤثر على سلوك الناخبين من أصول مهاجرة، خصوصا ما يتعلق بالمخاوف من الصعوبات الاجتماعية المرتبطة بمشاكل التقاعد أو السكن، بخلاف الناخبين الآخرين.
كما تؤثر المخاوف الأمنية من الإرهاب والتطرف على سلوك الناخبين من أصول مهاجرة بشكل مختلف عن الناخبين الآخرين، لكن يبدو أنها تصب في مجملها لصالح مرشحي اليمين الشعبوي، الذين يخاطبون ناخبيهم بطريقة مزدوجة، فهم يقودون حملات كراهية للأجانب وللإسلام ويستقطبون بها شرائح المجتمع الألماني المتخوفة من الإعتداءات الإرهابية وأنشطة المتطرفين الإسلاميين، وفي نفس الوقت يستغلون خوف بعض المهاجرين من أن يصبحوا ضحايا جرائم عنصرية لكسب ودّهم. وفي حوار لـ DW تقول فريدريكه رومر الباحثة في المركز الألماني لأبحاث الهجرة والاندماج، إن حزب البديل "بارع جدا في مخاطبة فئة محددة من ذوي الأصول المهاجرة وكسب تأييدهم لسياسته. فهو يتوجه للمهاجرين الذين يعيشون منذ فترة طويلة في ألمانيا، وخاصة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو تركيا، بخطاب مفاده: أنتم لستم المشكلة، وإنما المهاجرون الجدد هم المشكلة. وهذا ينطبق بشكل خاص على وسائل التواصل الاجتماعي".
ثانيا: لمن يصوت الناخبون من أصول مهاجرة تقليديا؟
يشكل المؤهلون للتصويت في الإنتخابات البرلمانية بألمانيا، الذين لديهم أصول مهاجرة نسبة 12 في المائة. وتشير الإحصاءات بأن أكثر من نصف البالغين من ذوي الأصول المهاجرة في ألمانيا لا يستطيعون التصويت لاختيار أعضاء البرلمان الإتحادي (بوندستاغ). مقابل نسبة 17 في المائة يحق لهم المشاركة في الإنتخابات الأوروبية و29 في المائة يحق لهم المشاركة في الإنتخابات البلدية.
ويعتبر البرلمان الألماني الحالي المنتخب سنة 2021 الأكثر تنوعا في تاريخ ألمانيا، إذ يضم 84 من أصل 736 من أعضائه من أصول مهاجرة أي بنسبة 11,4 في المائة وهي نسبة تفوق معدل تمثيلهم في برلمانات الولايات والذي يبلغ 7,3 في االمائة، بحسب أبحاث أجراها معهد "Mediendienst Integration". ويذكر أن البرلمان الجديد الذي سيُنتخب أعضاؤه الأحد 23 شباط فبراير سيضم 630 نائبا (بناء على تعديل في القانون).
ويتشكل المشهد الإنتخابي لذوي الأصول المهاجرة العربية والمسلمة بدرجة أكبر من المجموعة التركية وتليها مجموعة دول الشرق الأوسط وخصوصا السوريين الذين ارتفع عددهم بشكل ملحوظ بعد موجة اللجوء سنة 2014، إضافة إلى مجموعة دول شمال أفريقيا ودول غرب وشرق أفريقيا، وصولا إلى مسلمي آسيا والبلقان. وتتجاوز نسبة الناخبين من أصول عربية ومسلمة الخمسين في المائة من الناخبين ذوي الأصول المهاجرة الذين يناهز عددعم 7,5 ملاين ناخب. وهي نسبة أعلى مقارنة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يبدو تأثير الناخبين العرب والمسلمين في تنام ملحوظ في الفترة الأخيرة لاعتبارات تتعلق بمناطق تواجدهم وفي ولايات حسّاسة في النظام الإنتخابي الأمريكي، ولتركيزهم على قضايا مؤثرة في السياسة الأمريكية وعلى رأسها الصراع في الشرق الأوسط.
وبخلاف النظام الانتخابي الأمريكي الذي يقوم فيه التنافس بشكل محوري بين حزبين كبيرين، تتوزع أصوات الناخبين في النظام الألماني إلى سبعة أحزاب رئيسية وعشرات الأحزاب الصغيرة على مستوى الولايات دون أن تصل إلى العتبة القانونية (5 %) التي تخول لها أن تكون ممثلة في بوندستاغ، بيد أنها تستقطب نسبة من أصوات الناخبين من أصول مهاجرة.
وتحصل عدد من أحزاب اليسار ووسط اليسار تقليديا على النصيب الأكبر من أصوات الناخبين من أصول مهاجرة، وتتجسد نتائج هذا التصويت على مستوى تبني تلك الأحزاب لقضايا مثل الهجرة واللجوء، بالإضافة إلى تمثيلها لنسبة أعلى من نواب ذوي أصول مهاجرة. وبحسب بحث أنجزه معهد Mediendienst Integration حول تمثيل الناخبين من أصول مهاجرة في البرلمان المنتهية ولايته، يأتي حزب اليسار في صدارة الأحزاب بنسبة 28.2 بالمائة من نوابه ذوي أصول مهاجرة. وفي الرتبة الثانية الحزب الاشتراكي الديمقراطي بنسبة 17 في المائة، ويليه حزب الخضر وبدرجة أقل الحزب الديمقراطي الحر، ويأتي في المرتبة الأخيرة التحالف المسيحي (الحزب المسيحي الديمقراطي والمسيحي الإجتماعي) بنسبة 4.6 في المائة.
والظاهرة الجديدة في سلوك الناخبين من أصول مهاجرة هو وجود ميول ملحوظة للتصويت في اتجاهات متباينة بخلاف التصويت التقليدي لصالح أحزاب اليسار، إذ بات حزب البديل من أجل ألمانيا من أهم المستفيدين من أصوات ناخبين من أصول مهاجرة (ضمنهم نسبة كبيرة ذوي أصول أوروبية وروسية) وتقدرها بعض الأبحاث بنسبة 20 في المائة وهي مطابقة لنوايا التصويت العامة التي تمنحها إستطلاعات الرأي للحزب اليميني الشعبوي والمصنف من قبل السلطات في بعض الولايات كيمين متطرف.
ثالثا: من يستفيد من أصوات الناخبين العرب والمسلمين؟
تفيد أحدث الأبحاث حول توجهات الناخبين من ذوي الأصول المهاجرة، بوجود تغير واضح في ميول التصويت. فبخلاف تصويتهم التقليدي لأحزاب اليسار، ثمة سمة جديدة تتمثل في تباين اتجاهات التصويت. وفي ظل مظاهر التذمر والانتقادات من مواقف الحزبين الإشتراكي الديمقراطي و"الخضر" العمود الفقري للإئتلاف الحاكم، خصوصا بسبب الحرب في غزة، من الممكن أن تستفيد ثلاثة أحزاب من أصوات الناخبين من أصول عربية ومسلمة، وهي "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وحزبي "اليسار" وحزب "تحالف ساره فاغنكنيشت" اليساري الشعبوي (حديث النشأة). ويتبنى الحزبان مواقف نقدية لإسرائيل وللدعم الذي تقدمه لها الحكومة الألمانية.
وعلى خلفية مواقفه في قضايا الاقتصاد والسياسة الخارجية والتسلح، يتعرض حزب الخضر إلى تصدعات داخلية وإعلان مجموعات من شباب الحزب عن إستقالات جماعية متتالية، وتفيد مؤشرات أن الحزب ربما يفقد جانبا من دعم الناخبين الشباب الذين صوتوا له في الإنتخابات السابقة، وبالمقابل يبدو الحزبان اليساريان (اليسار وتحالف ساره فاغنكنيشت) وحزب البديل اليميني من المستفيدين الرئيسين من أصوات الشباب في اقتراع يوم الأحد.
وفي مواجهة الانتقادات الموجهة لمواقف الحزبين "الإشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" من صراع الشرق الأوسط، بذل الحزبان جهودا باتجاه الناخبين من أصول عربية ومسلمة، سواء عبر محاولة توضيح مواقف الحكومة الألمانية بشأن الصراع في الشرق الأوسط، وتأكيد رؤيتها لتسويته على أساس "حل الدولتين" وتوجيه انتقادات من حين لآخر لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أو تأييد برلين للعقوبات التي يتخذها الاتحاد الأوروبي ضد المستوطنين اليهود المتطرفين بالضفة الغربية، وتقديم دعم مالي وإنساني للفلسطينيين، وصولا إلى الموقف الصريح الذي اتخذته الحكومة الألمانية ضد خطط الرئيس الأمريكي ترامب بما يطلق عليه "إعادة توطين" فلسطينيي غزة في دول عربية، وقد أعلن المستشار شولتس معارضته "التامة" لخطة ترامب واعتبر أن "إعادة توطين الفلسطينيين خارج قطاع غزة..أمر غير مقبول" وذهب إلى حد وصفه بـ"الفضيحة".
وتستبعد الأحزاب الكبرى، وخصوصا منها المسيحي الديمقراطي الذي يتصدر نوايا التصويت في استطلاعات الرأي، احتمال تحالفه مع أحد الأحزاب الثلاثة (حزبا اليسار و"البديل"). ومن غير المرجح أن يغير المسيحي الديمقراطي في حال قيادته للحكومة المقبلة من سياسة ألمانيا في صراع الشرق الأوسط ودعمها لإسرائيل القائم على قاعدة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وأمن إسرائيل مصلحة دولة لألمانيا". لكن مرشحه فريدريش ميرس تعهد بتشديد سياسة الهجرة.
وبخلاف أصوات عرب أمريكا التي استفاد منها ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، فإن أصوات الناخبين من أصول عربية ومسلمة تتسم ببعض الخصائص مثل، ضعف معدل المشاركة وتشتت في الأصوات كما توجد ضمنها نسبة مهمة من المترددين نتيجة الحيرة، وفي حال تأكدت التوقعات فإن أصوات المشاركين ستذهب لأحزاب معظمها مرشحة لتكون في موقع المعارضة.
رابعا: تفهم خصوصية تاريخ ألمانيا
رغم أهمية التداعيات الظرفية لحرب غزة، على الإنتخابات الحالية وتأثيرها المحتمل على حظوظ عدد من الأحزاب السياسية وحول سلوك الناخبين من أصول عربية ومسلمة، إلا أن النقاشات السياسية والأخلاقية التي تثيرها، تطرح أسئلة حول مستقبل سياسة ألمانيا الشرق أوسطية ومدى تفهم الناخبين من أصول عربية ومسلمة لها.
وزير خارجية ألمانيا الأسبق يوشكا فيشر أحد أبرز الوجوه التاريخية لحزب الخضر كان من أبرز الأصوات التي حذرت من سياسة ألمانية "منحازة" في صراع الشرق الأوسط، واعتبر أن "إسرائيل خسرت بالفعل حرب الآراء" معربا عن تفهمه للمخاوف الإنسانية التي يشعر بها المتظاهرون الذين يؤيدون الفلسطينيين في ألمانيا. في حوار أدلى به فيشر في مايو أيار 2024 لصحيفة "تاغس شبيغل" البرلينية، اعتبر أن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الألمانية ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد باعتبارها مؤشرات سياسية. ورأى أن "إسرائيل خسرت بالفعل حرب الآراء حول حقها في الدفاع عن نفسها" في ظل ارتفاع التكلفة البشرية في صفوف المدنيين في عملياتها العسكرية.
ولكن فيشر حذر أيضا من أن أي شخص يتجاهل مجازر حماس في إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وبالتالي سبب الحرب سوف ينتهي به الأمر إلى "منزلق جدلي".
وأعقبت هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، موجة دعم كبيرة حصلت عليها إسرائيل من الحكومة والأحزاب الألمانية وشملت أيضا كبار المفكرين على غرار الفيلسوف يورغن هابرماس، كما اتخذت الحكومة الألمانية تدابير ضد مظاهر معاداة السامية وحظرت نشاط حركة حماس وكذلك حزب الله الشيعي اللبناني. ويشار في هذا السياق إلى أن حركة حماس، هي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. وتعتبر دول عديدة حزب الله اللبناني، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية. ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى. كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها في عام 2020 وصنفته كـ "منظمة إرهابية".
بيد أن المزاج السياسي والشعبي في ألمانيا شهد تغيّرا تحت تأثير تداعيات الحرب وفداحة الخسائر البشرية في صفوف المدنيين بقطاع غزة، حيث ساهمت في ارتفاع أصوات منتقدة لموقف الحكومة الألمانية الداعم لإسرائيل. وكانت تصريحات فيشر تحمل إشارة على عمق الخلافات داخل الرأي العام والساسة في ألمانيا حول مدى الدعم الذي يمكن أن تقدمة السياسة الألمانية لإسرائيل في إطار الاعتبارات الخاصة في العلاقات التاريخية بين الدولتين وقاعدة "أمن إسرائيل مصلحة وطنية لألمانيا"، وحول النطاق الذي يمكن التمييز فيه بين معاداة السامية وانتقاد سياسة الحكومة الإسرائيلية.
ورغم وجود جاليات عربية من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عقود في ألمانيا، يبدو أن قطاعات واسعة ترى علاقات ألمانيا مع إسرائيل بنظرة سلبية، إذ تظهر تقارير ودراسات عديدة مؤشرات على الانتقادات التي يوجهها هؤلاء لسياسة ألمانيا "غير المتوازنة". ورغم وجود تفهم للعرب الذين يعيشون في ألمانيا للعلاقات التاريخية الخاصة التي تربط ألمانيا بإسرائيل بسبب المحرقة والمسؤولية التاريخية لألمانيا، إلا أن نظرة الكثيرين منهم سلبية لدور ألمانيا وهي نظرة مطابقة لصورة ألمانيا في وسائل الإعلام والرأي العام في الدول العربية، كما يتم توظيفها من قبل المتطرفين وبعض الدول لمهاجمة ألمانيا وتهديد مصالحها في المنطقة.
ويبدو أن موضوع صورة ألمانيا القوة الناعمة وسياستها في الشرق الأوسط سيشكل محور اهتمام متزايد في المستقبل سواء من قبل مؤسسات الإندماج والتثيقف السياسي والإعلام أو من قبل النخب وهيئات المجتمع المدني النشيطة في أوساط الجاليات العربية والمسلمة في ألمانيا.