بمكر وهدوء ـ كيف خدعت الصين الغرب في السباق نحو الهيمنة!
٧ سبتمبر ٢٠٢٥"لا يمكن إيقاف الصين"، تحذير كان من أبرز ما قاله الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال عرض عسكري ضخم توسط خلاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، توّج أسبوعا من النشاط الدبلوماسي للرئيس شي وحلفائه في مواجهة الغرب. الرسالة كانت واضحة وضوح الشمس في النهار واستعراض للقوة يتحدى الهيمنة الأمريكية في وقت حساس تجتازه العلاقات الدولية. ففي صورة مثيرة، توسط الرئيس شي نظيريه من كوريا الشمالية كيم جونغ أون، والروسي فلاديمير بوتين أثناء العرض العسكري في بكين (الثالث من سبتمبر/ أيلول 2025).
وأظهرت مشاهد غير مسبوقة، لشي وهو يتحدث إلى ضيفيه أثناء المشي على السجادة الحمراء في ساحة تيان أنمين في بكين. المناسبة كانت إحياء ذكرى مرور ثمانين عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، استغلتها الصين لبعث رسالة لا يشوبها الغموض وهي نهاية هيمنة الأحادية القطبية للغرب على العالم، حيث حذر شي في مستهل خطابه، من أن العالم "يواجه خيارا بين السلم والحرب". مشاهد بالغة الرمزية تُسرع إعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية الكبرى في العالم. إنه تحالف جديد في طور التبلور، قد يطبع هذا العقد وربما يترك بصمته على القرن الحادي والعشرين برمته. فالأمر لم يكن مجرد استعراض للقوة، بل إعلانًا صريحًا عن تعاظم الروابط بين أنظمة تقف في مواجهة صريحة ضد الهيمنة الأمريكية.
صحيفة "سيدني مورنينغ الأسترالية (الثالث من سبتمبر) رأت في هذا المشهد "تجسيدًا حيًا لما بات يوصف بين المحللين بـ"محور الاستبداد"، حيث تجتمع قوى مُعاقبة ومنبوذة من الغرب في جبهة واحدة، محور يقوم على العداء المشترك للولايات المتحدة ونظامها الدولي الليبرالي. ولمن يجدون أنفسهم على هامش النظام العالمي الحالي، من دول وقادة وشعوب، تبدو الصين كقوة ملهمة، أو ربما كمرشد جديد لعالم تتعدد فيه الأقطاب وتتراجع فيه سطوة القوة الأمريكية التقليدية. صعود بكين لا يعِد فقط بنظام عالمي جديد، بل بمنظومة قِيَمية مختلفة، تتحدى النموذج الديمقراطي الغربي، وتطرح بديلاً قد يبدو أكثر جذبًا لبعض الدول التي تبحث عن الاعتراف والدعم خارج المظلة الأمريكية. ومع ذلك، لا تزال الأسئلة مطروحة بشأن مدى عمق هذا التحالف الجديد: هل كان العرض العسكري مجرد استعراض بصري للقوة، أم أنه يمثل نقطة تحوّل استراتيجية حقيقية؟ المستقبل وحده، تقول الصحيفة، هو من سيجيب على هذا السؤال".
كيف أصبحت الصين قوة عظمى؟
صعدت الصين بهدوء وصمت مثيرين إلى مصاف القوى العظمى العالمية، من خلال استراتيجية شاملة ومدروسة بعناية فائقة، بدأت أواخر سبعينيات القرن العشرين، حين شرعت في فتح اقتصادها تدريجياً على الاقتصاد الحر، وركّزت على التصدير وجذب رؤوس الأموال الأجنبية. هذه الخطوات لم تؤدِّ فقط إلى نمو اقتصادي مذهل، بل أرست أيضاً أسس قوة شاملة تتجاوز الاقتصاد إلى التأثير السياسي، الدبلوماسي والثقافي على الصعيد العالمي. فقد تمكنت الصين بسرعة فائقة من الاندماج في طرق التجارة العالمية، قبل الشروع في بناء شبكتها الخاصة من النفوذ عبر مشاريع بنى تحتية طموحة مثل مبادرة "الحزام والطريق".
مبادرة عززت مكانتها كقوة تجارية عالمية مع ضمان الوصول الاستراتيجي إلى الموارد الحيوية وأسواق الطاقة حول العالم. وبات الغرب يعتمد اليوم بشكل واسع النطاق على الصين في قطاعات حيوية مثل الاتصالات وأشباه الموصلات والمعادن النادرة والأدوية وعدد من القطاعات الأخرى، فتحولت خلال بضعة عقود من دولة نامية مُقلدة للمنتوجات الغربية إلى قوة عظمى. فالأمر لا يتعلق فقط بصعود اقتصادي وإنما أيضا بإعادة رسم هادئة لنظام النفوذ العالمي. مشاهد استعراض القوة الذي أظهرته الصين للعالم يتجاوز مجرد ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية. صواريخ فرط صوتية عابرة للقارة ومسيرات حربية وآلاف الطائرات المروحية برسالة واضحة تقول: "لا أحد بإمكانه إيقافنا".
أي وزن لأوروبا في المعادلة الجديدة؟
سارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى اتهام نظيره الصيني بـ"التآمر" ضد بلاده مع الرئيسين الروسي والكوري الشمالي. وكتب في منشور على منصته "تروث سوشال" "أتمنى للرئيس شي ولشعب الصين العظيم يوما رائعا من الاحتفالات (..) "أرجو منكم إبلاغ أطيب تحياتي لفلاديمير بوتين وكيم جونغ-أون بينما تتآمرون ضدّ الولايات المتّحدة".
وذهبت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس في نفس الاتجاه ووصفت المشهد بأنه "تحدٍ مباشر للنظام العالمي القائم على القواعد"، محذّرة من بناء "نظام عالمي بديل" معادٍ للغرب. وأضافت "أوروبا أمام تحدٍّ وجودي. علينا أن نبني قوتنا الجيوسياسية ونستخدمها. شئنا أم أبينا، نحن في معركة من أجل الحرية".
ومن نيودلهي، أكّد وزير الخارجية الألماني يوهان فاديبول تضامن بلاده مع الهند ودول أخرى "في ضرورة الدفاع عن النظام الدولي القائم – حتى لو استدعى الأمر مواجهات مع الصين".
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لا كروا" الفرنسية (الثالث من سبتمبر) متسائلة "هل ستصبح الصين محور نظام عالمي جديد يمكن أن يوحد الجنوب العالمي ضد الهيمنة الغربية؟ كان هذا هو الهدف المعلن لرئيس الدولة الصيني شي جينبينغ في عطلة نهاية الأسبوع خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون (..)في هذا الصراع الذي يذكّر بالحرب الباردة، والذي تتواجه فيه أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، الصين والولايات المتحدة، تظهر أوروبا بمظهر باهت. (فعلى سبيل المثال لا لحصر) فرغم كل الجهود لتأمين مكان لها على طاولة المفاوضات، تظل غير مسموعة الصوت في صراع أوكرانيا، وقد تم بالفعل كبح طموحها في فرض عقوبات على البرنامج النووي الإيراني".
"تحدي للنظام القيمي الغربي"
تيان أنمين، الساحة التي ارتبط اسمها عالمياً بقمع الاحتجاجات الطلابية في الصين عام 1989، تحوّلت إلى منصة لاستعراض تحالف عسكري- سياسي يتحدى الغرب بشكل واضح، فيما يشبه حربا باردة جديدة. كما أن قمة تيانجين، التي عُقدت خلال يومين بحضور نحو عشرين من رؤساء الدول وحكومات من أوراسيا، تأتي في إطار لعبة جيوسياسية شاملة، تُلوح بتعددية قطبية غير غربية، غير أنها تخفي أيضا مساع لأحادية صينية، تقوم اقتصاديا على مبادرة "الحزام والطريق". ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي لم يكن الاستقطاب العالمي بهذا الوضوح.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لي ديرنيير نوفيل دو لالزاس" الفرنسية (الثاني من سبتمبر) معلقة "كان من السهل على شي جينبينغ وفلاديمير بوتين مهاجمة الغرب مباشرة. فقد ندّد الرئيس الصيني بـ′عقلية الحرب الباردة′ و′محاولات التخويف′ من قبل واشنطن، بينما أعاد نظيره الروسي اتهام الغرب بأنه هو من أدى لاندلاع الصراع في أوكرانيا. وبما أن استعراض القوة لا معنى له دون وجود خصم، فإن الصين تسعى إلى الاستفادة من المشاعر المعادية للغرب، التي تنتشر في الجنوب العالمي والدول غير المنحازة. وهي تفعل ذلك (..) بهدف الإطاحة بالولايات المتحدة، وإعادة تشكيل التجارة الدولية، ومراجعة النظام القيمي الغربي لدى نصف سكان العالم".
"على ترامب أخذ رسالة الرئيس الصيني بجدية"
العرض العسكري الذي ترأسه الرئيس شي سبقته قمة منظمة شنغهاي للتعاون، كان عنوانها تكريس الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا من بين فصولها تأسيس تكتلات موازية للتحالفات الغربية على شاكلة حلف الناتو. وإلى جانب الرئيسين الروسي والكوري الشمالي، حضر العرض زعماء دول أخرى، بينهم رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو.
وزارة الخارجية الصينية أكدت أنها لا تستهدف أي طرف ثالث أثناء تطوير العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، ردا على تعليق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الصين وروسيا وكوريا الشمالية تتآمر ضد الولايات المتحدة.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية (الرابع من سبتمبر) معلقة "إن قرار بكين إظهار قوتها العسكرية في الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية أمر لافت للنظر. فمحور الخصوم يسعى إلى إعادة كتابة تاريخ العالم منذ عام 1945، والتقليل من الدور الفريد الذي لعبته الولايات المتحدة في إنهاء تلك الحرب وبناء النظام العالمي الذي تلاها. إن هذا التفسير التاريخي المُراجع هو جزء من هدف أوسع يتمثل في إعادة ترتيب ميزان القوى العالمي (..) لكن، ما هي استراتيجية ترامب؟ إنه يأمل، من خلال دبلوماسيته الشخصية مع مختلف الديكتاتوريين، في إبرام اتفاقات بشأن قضايا متعددة. غير أن خصوم الولايات المتحدة متفقون فيما بينهم، بينما يُغرق ترامب حلفاء أمريكا بسيل من الرسوم الجمركية (..) إذا لم يأخذ ترامب الأمر على محمل الجد، فإنه يضع الولايات المتحدة في موقف قد تخسر فيه صراعاً مسلحاً، يبدو أن هذا المحور من الخصوم مستعد له بشكل متزايد".
تحرير: خالد سلامة