بعد قمة أوكرانيا في ألاسكا - بماذا يمكن أن تساهم ألمانيا؟
٢١ أغسطس ٢٠٢٥اتفق جميع المشاركين على أنَّ هذا اللقاء جرى في أجواء جيدة. فقد دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ممثلين رفيعي المستوى من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن، للمشاركة في قمة من أجل السلام في أوكرانيا.
وتم الإعلان عن نتيجة محددة: دونالد ترامب يسعى إلى عقد لقاء ثنائي بين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبعد ذلك سيتم عقد قمة ثلاثية يشارك فيها هو أيضًا، كما كتب ترامب على منصته الإلكترونية "تروث سوشيال".
وكذلك أعرب المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن رضاه عن القمة بشكل عام. وقال في واشنطن بعد المشاورات: "كان من الممكن أن تسير الأمور بشكل مختلف. لم تحقق القمة توقعاتي فحسب، بل تجاوزتها".
ومع ذلك أوضح المستشار أنَّ اللقاء بين زيلينسكي وبوتين يجب التحضير بشكل جيد. وأضاف: "لا نعرف إن كان الرئيس الروسي يملك الشجاعة لحضور مثل هذه القمة. ولهذا السبب يجب علينا إقناعه". ويبدو أنَّ هذا اللقاء سيتم عقده خلال الأسبوعين القادمين. وحتى الآن لا توجد أية إشارات واضحة من موسكو في هذا الصدد.
ومن جانبه أعلن الرئيس الأوكراني استعداده لمثل هذا اللقاء مع بوتين "من دون شروط"، أي حتى من دون وقف مسبق لإطلاق النار.
وفي حوار مع DW، توصل الخبير الأمني رافائيل لوس من مركز إبحاث "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" (ECFR) إلى نتيجة إيجابية. وقد أثنى بشكل خاص على الوحدة الأوروبية قائلًا: "لا بد من تقييمنا بشكل إيجابي جدًا طريقة حديث الأوروبيين بتوافق والجهود المسبقة المكثفة لتنسيق نقاط الحوار بحيث يفهمها ويقبلها ترامب".
أيهما يجب أن يسبق الآخر: الهدنة أم المفاوضات؟
وعلى الرغم من أنَّ قمة أوكرانيا أظهرت بعض التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، ولكن لقد اتضح أيضًا أنَّ لدى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تصورات مختلفة عن طريق تحقيق السلام. الرئيس ترامب كان يسعى منذ البداية إلى اتفاق سلام شامل، ويعتبر وقف إطلاق النار السابق للمفاوضات غير ضروري. ولكن بحسب رأيه "يمكن العمل على صفقة نسعى من خلالها إلى اتفاق سلام".
بينما يرى الأوروبيونالعكس تماماً. فقد كان المستشار فريدريش ميرتس بشكل خاص واضحاً في حديثه العلني مع دونالد ترامب. ودعا بشدة إلى وقف إطلاق النار كنقطة انطلاق للمفاوضات. وقال: "بصراحة، جميعنا نريد أن نرى وقف إطلاق النار". وأضاف أنَّه "لا يستطيع تصوّر انعقاد الاجتماع التالي من دون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. وأنَّ مصداقية المفاوضات القادمة تعتمد على هذا السؤال".
وفي حديثه مع DW، أوضح الخبير الأمني رافائيل لوس أنَّ اختلاف نهجي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قد يظل نقطة خلاف: "من الواضح أنَّ هناك توقعات متباينة للغاية حول كيفية التعامل مع المحادثات. فدونالد ترامب أقرب بكثير في هذه المسألة إلى فلاديمير بوتين عندما يقول إنَّنا يجب أولًا أن نحل الأسئلة الكبرى".
ما شكل الضمانات الأمنية لأوكرانيا؟
تخشى أوكرانيا من أن تواصل روسيا هجماتها حتى بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو إلى اتفاق سلام. ومن جانبه ظل الرئيس الأمريكي غامضاً فيما يتعلق بالضمانات الأمنية. وقال ترامب إنَّ الأوروبيين يقفون "على خط الدفاع الأول"، ولكن واشنطن ستقوم بدورها أيضاً.
وتشمل المحادثات تقديم ضمانات لأوكرانيا بحسب المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، والتي يتعهد فيها أعضاء هذا الحلف الدفاعي بدعم بعضهم في حالة التعرّض لهجوم بشكل يجعل "أي هجوم مسلح ضد عضو أو أكثر منهم في أوروبا أو أمريكا الشمالية يعتبر هجوماً على جميع الأعضاء".
وقدّمت هذه الفكرة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي تربطها علاقة ثقة وثيقة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وأكد في واشنطن الأمين العام لحلف الناتو مارك روته أنَّ هذا لا يتعلق بعضوية كاملة لأوكرانيا في الحلف، ولكن ما تزال مطروحة على الطاولة ضمانات تشبه المادة الخامسة من ميثاق الحلف.
ويبدو أنَّ المسألة الحساسة المتمثلة في تنازل أوكرانيا عن مناطق لصالح روسيا لم يتم التفاوض عليها في واشنطن، لأنَّ هذا يمكن لأوكرانيا وحدها أن تقرره، كما جاء في القمة، مع العلم أنَّ روسيا تطالب بأجزاء كبيرة من أوكرانيا كأراضي روسية.
هل تشارك ألمانيا في قوات حفظ السلام في أوكرانيا؟
والضمانات الأمنية قد تعني أيضاً دعم القوات الأوكرانية بجنود من الاتحاد الأوروبي أو الناتو، أو ضمان اتفاق سلام محتمل. وضمن هذا السياق تتم مناقشة إن كان بإمكان الجيش الألماني المساهمة في حفظ السلام. وتدرس فرنسا وبريطانيا منذ فترة طويلة المشاركة في قوة حفظ سلام أوروبية.
ومن غير الواضح حالياً إن كانت ألمانيا ستشارك في هذه القوة. وتعليقاً على ذلك قال المستشار إنَّ "الوقت ما يزال مبكراً لتقديم إجابة نهائية على ذلك". وإنَّه سيناقش الأمر ضمن ائتلافه الحاكم في برلين. وهذا يتعلق أيضًا بالسؤال إن كان يجب على البرلمان (بوندستاغ) اتخاذ "قرارات ربما تتطلب تفويضاً". والبرلمان الألماني هو السلطة الأساسية لاتخاذ قرار مشاركة قوات الجيش الألماني في الخارج.
وفي الاتحاد الأوروبي تمت دراسة مختلف نماذج عمليات حفظ الأمن، كما أوضح الخبير الأمني رافائيل لوس. وقال ربما يكون من الواقعي تدريب الكوادر العسكرية مباشرة في أوكرانيا، بدعم لوجستي من البحرية أو سلاح الجو. ولكنه أضاف: "إرسال قوات برية سيكون في الواقع شيئاً منطقياً، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنَّ ألمانيا هي أكبر دولة في أوروبا. وهنا تقع مسؤولية على عاتق ألمانيا. وبرأيي من الخطأ استبعاد ذلك منذ البداية".
وكذلك أعرب سياسي الشؤون الخارجية في الحزب الديمقراطي الاشتراكي المشارك في الحكم، أديس أحمدوفيتش، عن انفتاحه على خيار مشاركة الجيش الألماني في مهمة حفظ سلام مستقبلية في أوكرانيا. وذلك على العكس من زعيمة حزب البديل من أجل ألمانيا والسياسية المعارضة أليس فايدل. وقد حذّرت على منصة إكس من أنَّ ألمانيا نفسها قد تصبح هدفاً في حين تنسحب الولايات المتحدة الأمريكية، وطالبت بأنَّ: "ألمانيا تحتاج إلى مصالحة مع روسيا بدل المواجهة الدائمة".
ومن جهته، تحدّث زعيم حزب اليسار، يان فان آكين عن ضمان أمني لأوكرانيا من خلال قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة تتألف من 30 إلى 40 ألف جندي.
جهود برلين في الدفاع عن أوكرانيا؟
لقد أوضح المستشار الألماني فريدريش ميرتس في بداية ولايته بداية أيار/مايو أنَّ ملف أوكرانيا يحظى لديه بأولوية قصوى. وكان هو الذي نظّم في الأسبوع الماضي لقاء تحضيرياً قبل لقاء ألاسكا بين ترامب وبوتين. وبعد فترة قصيرة من انتخابه مستشاراً، سافر مع سياسيين أوروبيين آخرين إلى كييف بشكل مثير لاهتمام وسائل الإعلام من أجل التعبير عن تضامنه مع أوكرانيا.
وكذلك كان لقاؤه الأول مع الرئيس الأمريكي في بداية حزيران/يونيو ناجحاً بالنسبة لفريدريش ميرتس، الذي تمكن على ما يبدو من تطوير علاقة جيدة مع ترامب. وحتى من أوساط المعارضة، حصل ميرتس على الكثير من الثناء والإشادة بعمله في سبيل تحقيق سياسة خارجية ألمانية حازمة، افتقدها الكثيرون في عهد سلفه أولاف شولتتس .
ويُقيّم خبير الأمن رافائيل لوس إجراءات ميرتس السياسية فيما يتعلق بجهود السلام من أجل أوكرانيا بأنها إيجابية. ويقول: "من المؤكد أنَّ لديه طريقة خاصة للتواصل مع دونالد ترامب، كما رأينا في الأشهر الأخيرة. ولكنه يرى نفسه في تنسيق وثيق مع زملائه الأوروبيين، الذين يتعاون معهم في صياغة خط أوروبي مشترك".
أعده للعربية: رائد الباش