بعد سنوات من التهديد.. ما سر تحرك نتنياهو الآن ضد إيران؟
١٣ يونيو ٢٠٢٥سخرت إيران ذات مرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب تحذيراته المستمرة بشأن برنامج طهران النووي، وتهديداته المتكررة بإنهائه.
يوم الجمعة (13 حزيران/يونيو 2025)، وبعد عقدين من دق ناقوس الخطر وحثّ قادة العالم الآخرين على التحرك، قرر نتنياهو أخيرا التحرك منفردا، فأصدر أمرا لشن هجوم جوي إسرائيلي يهدف، حسب إسرائيل، إلى منع إيران من الحصول على أسلحة دمار شامل.
وفي خطابه، استحضر نتنياهو، كما يفعل دائما، أهوال المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية لشرح قراره. وقال نتنياهو: "قبل قرنٍ تقريبا، وفي مواجهة النازيين، فشل جيل من القادة في التحرك في الوقت المناسب"، مضيفا أن سياسة استرضاء الديكتاتور النازي أدولف هتلر أدت إلى مقتل 6 ملايين يهودي، أي "ثلث شعبي".
وتابع: "بعد تلك الحرب، تعهد الشعب اليهودي والدولة اليهودية بعدم تكرار ذلك أبدا. هذا هو اليوم. لقد أثبتت إسرائيل أننا تعلمنا دروسا من التاريخ".
تقول إيران، إن برنامجها للطاقة النووية مخصص للأغراض السلمية فقط، على الرغم من أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعلنت يوم الخميس، أن البلاد تنتهك التزاماتها المتعلقة بحظر الانتشار النووي لأول مرة منذ ما يقرب من 20 عاما.
هيمن نتنياهو، على المشهد السياسي الإسرائيلي لعقود، ليصبح رئيس الوزراء الأطول خدمة عندما فاز بولاية سادسة غير مسبوقة في عام 2022. طوال سنواته في منصبه، نادرا ما أضاع فرصة لإلقاء محاضرات على القادة الأجانب حول المخاطر التي تشكلها إيران، حيث عرض رسوما لقنبلة ذرية في الأمم المتحدة، وكان يُلمح دائما إلى استعداده لشن هجمات.
سابقا، كان المحللون العسكريون يرون أن مجال مناورته مع إيران كان محدودا بسبب المخاوف من أن يؤدي أي هجوم إلى رد فوري من شركاء طهران الإقليميين، حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وهو ردٌّ يصعب احتواؤه. لكن العامين الماضيين قلبا موازين الشرق الأوسط، حيث هاجمت إسرائيل حماس بشدة بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ثم قامت بتصفية جزء كبير من قادة حزب الله في غضون أيام قليلة في عام 2024.
ضربة استباقية لأي اتفاق نووي بين ترامب وإيران؟
دخلت إسرائيل في مناوشة علنية مع طهران منذ عام 2024، حيث أطلقت وابلا من الصواريخ في عمق إيران العام الماضي، مما منح نتنياهو الثقة في قوة نفوذه العسكري.
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن الضربات عطلت أربعة من أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية روسية الصنع، بما في ذلك نظام متمركز بالقرب من نطنز، وهو موقع نووي إيراني رئيسي استُهدف، وفقا للتلفزيون الإيراني.
وقال وزير الدفاع إسرائيل كاتس في نوفمبر/تشرين الثاني: "إيران أكثر عرضة من أي وقت مضى للضربات على منشآتها النووية. لدينا الفرصة لتحقيق هدفنا الأهم: إحباط التهديد الوجودي والقضاء عليه".
لكن ما أثار استياء نتنياهو، هو أن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فاجأه خلال زيارته للبيت الأبيض في أبريل/نيسان، عندما أعلن أن الولايات المتحدة وإيران على وشك بدء محادثات نووية مباشرة.
ودخل نتنياهو في خلافات حادة مع رؤساء أمريكيين متعاقبين بشأن إيران، أبرزهم باراك أوباما، الذي وافق على اتفاق مع طهران عام 2015 يفرض قيودا كبيرة على البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات.
وانسحب ترامب من الاتفاق عام 2018، وكان نتنياهو يأمل أن يواصل اتخاذ موقف حازم ضد إيران عند عودته إلى منصبه هذا العام.
وبإعلانه عن المحادثات، حدد البيت الأبيض مهلة شهرين لإيران لتوقيع اتفاق. ورغم تحديد جولة جديدة من الاجتماعات في نهاية هذا الأسبوع، إلا أن الموعد النهائي غير الرسمي انتهى يوم الخميس، فانقض نتنياهو.
صرح مسؤول إسرائيلي لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية (كان)، بأن إسرائيل نسقت مع واشنطن قبل الهجمات، وأشار إلى أن التقارير الصحفية الأخيرة عن الخلاف بين ترامب ونتنياهو بشأن إيران كانت خدعة لتهدئة قيادة طهران وإعطائها شعورا زائفا بالأمان.
ترامب، الذي قال بعد بدء الضربات، إن إيران لا تستطيع امتلاك قنبلة نووية، لكنه يريد استمرار المحادثات، أشاد سابقا بنتنياهو اليميني ووصفه بأنه صديق عزيز.
هل يسعى نتنياهو لإنقاذ إرثه السياسي؟
واجه نتنياهو سنوات عصيبة، وفي سن الخامسة والسبعين، بدأ الوقت ينفد أمامه ليحافظ على إرثه. تأثرت صورته بشدة جراء هجوم حماس عام 2023، حيث أظهرت استطلاعات الرأي أن معظم الإسرائيليين يُحمّلونه مسؤولية الإخفاقات الأمنية التي سمحت بشن أعنف هجوم منذ تأسيس دولة إسرائيل.
وُجهت إليه لائحة اتهامات من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب مرتبطة بغزو إسرائيل لغزة الذي استمر 20 شهرا، والذي حول جزءا كبيرا من الأراضي الفلسطينية إلى أنقاض.
وتُظهر استطلاعات الرأي، أن معظم الإسرائيليين يعتقدون أن الحرب في غزة استمرت لفترة طويلة جدا، وأن نتنياهو يُطيل أمد الصراع للبقاء في السلطة وتفادي الانتخابات التي يُتَوَقَعُ أنه سيخسرها.
حتى مع تفاقم الحرب متعددة الجبهات، اضطر نتنياهو إلى الإدلاء بشهادته في محاكمته الطويلة بتهم الفساد، حيث ينكر ارتكاب أي مخالفات، مما زاد من تضرر سمعته داخليا.
ومع ذلك، يأمل أن تُسجَّل حملته العسكرية الناجحة ضد عدو إسرائيل اللدود في كتب التاريخ. وقال في خطابه يوم الجمعة: "بعد أجيال، سيسجل التاريخ أن جيلنا صمد في أرضه، وتصرف في الوقت المناسب، وضمن مستقبلنا المشترك".