انتهاء مراسم تشييع البابا وسط أجواء مهيبة وحضور رسمي وشعبي منقطع النظير
تعود المدينة الخالدة روما الى واجهة الأحداث من جديد وتشهد ساحة القديس بطرس أجواء لم تشهدها من قبل. في حوالي الساعة العاشرة من صباح اليوم بدأت مراسم التشييع بحضور أعضاء مجمع الكرادلة الذي يسير شؤون الفاتيكان متزينين بلباسهم الأحمر ومحاطين بالقديسين والقديسات باللباس الأبيض. افتتح مراسم التشييع الكاردينال الألماني وعميد مجمع الكرادلة وأحد اكثر المقربين من البابا الراحل مراسم التشييع برثاء الراحل بقوله أن يوحنا بولس الثاني "تمكن من حمل عبء يتخطى طاقة البشر". وبعد ان سرد راتسينغر حياة كارول فويتيلا، قال انه عندما انتخب بابا "تمكن بفضل تجذره العميق في المسيح من حمل عبء يتخطى الطاقات البشرية الصرف فكان راعي لقطيع المسيح ولكنيسته الجامعة". وتابع "ان البابا لم يشأ يوما الاهتمام بحياته الخاصة والاحتفاظ بها لنفسه بل اراد ان يهب نفسه بلا حدود حتى اللحظة الاخيرة من اجل المسيح وبالتالي من اجلنا نحن"، فيما كان المصلون المحتشدون في ساحة القديس بطرس يقاطعونه مصفقين وهذا أمر غير اعتيادي في القداديس المسيحية.
"البابا يرانا ويباركنا"
كانت كلمات الرثاء التي قرأها رايتسينغر مدويه ومؤثرة الى حد كبير خصوصا عندما قال أن قداسة البابا يوحنا بولس الثاني "يرانا ويباركنا". وتصاعد التصفيق من الساحة المكتظة بجموع المصلين عند انتهاء العظة وارتفعت هتافات تطالب "ليعلن قديسا على الفور". وقال الكردينال راتسينغر "لن ننسى ابدا كيف اطل البابا وقد اعياه الالم في احد الفصح الاخير ذاك من نافذة القصر الرسولي واعطى بركته مرة جديدة. اننا واثقون من ان حبرنا الاعظم الحبيب واقف عند نافذة بيت الاب. انه يرانا ويباركنا"، مضيفا "اجل، فلتباركنا قداستك"
الحزن والورع يخيمان على الاجواء
عشرات من الملوك والروساء والاساقفة والالاف من اتباع الكنيسة الكاثوليكية ودعوا البابا يوحنا بولس الثاني الى مثواه الاخير اليوم الجمعة في أكبر جنازة في التاريخ الحديث لاحد عمالقة القرن العشرين. وفي الساعة 1000 بالتوقيت المحلي حمل جثمان البابا في تابوت خشبي بسيط من كنيسة القديس بطرس وهي نفس الكنيسة التي ظهر فيها نجم كارول فويتيلا قبل 26 عاما ليذهل العالم بحيويته وشخصيته الكاريزمية. وحضر خمسة ملوك وخمس ملكات وما لا يقل عن 70 من رؤساء الدول والحكومات طقوس الجنازة التي استمرت ثلاث ساعات في ساحة القديس بطرس بينما اجتمع حوالي مليوني شخص من انحاء العالم في الشوارع المحيطة بالساحة.
مراسم الوداع
وضع جثمان البابا يوحنا بولس الثاني داخل صندوق من خشب السرو اليوم الجمعة في اطار الطقوس التي سبقت الجنازة. ووفقا لكتيب الفاتيكان فان مراسم وضع الجثمان في الصندوق بدأت في الساعة 7:30 صباح اليوم أي قبل الجنازة التي اقيمت في الهواء الطلق بساعتين ونصف الساعة. وكانت هذه المراسم خاصة، لكن بعض الاساقفة الذين حضروا شوهدوا في وقت سابق في ساحة القديس بطرس يرحبون بالشخصيات الكبيرة اثناء الاعداد لصلاة الجنازة. ووفقا للبروتوكول فان المراسم الاولى التي جرت داخل كنيسة القديس بطرس بدأت بأن تلى الكردينال ادواردو مارتينيز سومالو الصلوات، ثم وضع السكرتير الشخصي للبابا منذ فترة طويلة كبير الاساقفة ستانيسلو جويش ورئيس المراسم كبير الاساقفة بييرو ماريني قناعا من الحرير الابيض على وجه البابا. ووضع غطاء رأس البابا على صدره. كما وضع في الصندوق حقيبة صغيرة بها الميداليات التذكارية التي حصل عليها خلال فترة الباباوية وملخص مقتضب لحياة البابا وضع في انبوب من الرصاص ووضع الاثنان داخل الصندوق. ووضع الصندوق المصنوع من خشب السرو على درجات السلم الحجرية في كنيسة القديس بطرس اثناء صلاة الجنازة ونقل بعد ذلك الى داخل المبنى. وبعد قداس الجنازة وضع الصندوق داخل صندوقين اخرين قبل دفنه في فجوة في قبو بكنيسة القديس بطرس. ووفقا لتقاليد الكنيسة وضع الجثمان في صندوق من الزنك. ثم يوضع هذا الصندوق داخل صندوق من خشب البلوط. ودفن البابا يوحنا بولس الثاني اسفل البقعة التي بنيت عليها مقبرة البابا يوحنا الثالث والعشرين.
الملايين تتابع مراسم التشييع
وقضى الوف الاشخاص بينهم الكثيرون من بولندا موطن البابا الليل وافترشوا الشوارع حول الفاتيكان على أمل ان يتمكنوا من الوقوف في الصفوف الاولى عندما تفتح الساحة عند الفجر. وتابع مئات الالوف من الاشخاص مراسم الجنازة على شاشات تلفزيونية عملاقة اقيمت في انحاء متفرقة من العاصمة الايطالية روما وبثت ايضا في شتى انحاء العالم مما يعني ان ملايين البشر سيتاح لهم مشاهدة الوداع الاخير للبابا. وتدفق حوالي 2500 من كبار الشخصيات من جميع الاديان والاجناس على ساحة القديس بطرس بينهم الرئيس الامريكي جورج بوش والامين العام للامم المتحدة كوفي عنان والرئيس الفرنسي جاك شيراك وولي العهد البريطاني الامير تشارلز وعدد من الزعماء العرب.
واغلقت ايطاليا المجال الجوي فوق وسط روما واستدعت قوات اضافية وصواريخ مضادة للطائرات وزوارق دورية لحراسة الجنازة. وأمرت السلطات في روما باغلاق الادارات العامة والمدارس والمتاحف اليوم الجمعة وطلبت من السائقين عدم استخدام سياراتهم في محاولة لمنع فوضى مرورية.