الولايات المتحدة تحاول التصدي للنفوذ البحري الصيني
١٥ مارس ٢٠٢٥
يعتبر وقف صعود اقتصاد الصين من أهم الأهداف السياسية في واشنطن منذ ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى. بيد أنَّ ترامب لم يقدم اقتراح التصدي للهيمنة الصينية في مجال بناء السفن - المدعوم بإعانات حكومية صينية ضخمة، بل لقد طرحته خمس نقابات مهنية أميركية خلال إدارة جو بايدن.
في كانون الثاني/يناير اقترح مكتب الممثل التجاري الأميركي (USTR)، المكلف بالبحث في هذه القضية، فرض رسوم قدرها 1.5 مليون دولار (1.4 مليون يورو) على كل سفينة صينية الصنع ترسو في ميناء أميركي. وتقول هذه الدائرة الخاضعة للرئيس الأميركي إنَّ هذه الرسوم عادلة من أجل مواجهة ما يعتبر في رأيها مزايا غير عادلة تحصل عليها الصين من بناء السفن بشكل يقيد التجارة الأميركية.
الإعانات تساعد الصين على الوصول إلى المركز الأول
خلال العقود الثلاثة الماضية، أصبحت الصين القوة المهيمنة عالميًا في مجال إنتاج السفن. ففي عام 2023 تجاوزت حصة الصين من بناء سفن الشحن نسبة 50 بالمائة، بينما كانت 5 بالمائة فقط في عام 1999. وجاء ذلك من خلال دعم بكين لهذا القطاع بمئات المليارات من الدولارات، وقد أبعدت بذلك المنافسين الأجانب.
ومع الصعود الصيني المذهل في هذا المجال، ينتقد ألبرت فينسترا، أستاذ التجارة والخدمات اللوجستية في جامعة إيراسموس روتردام الهولندية، وصف الصين بأنَّها قوَّضت صناعة بناء السفن الأميركية التي كانت مزدهرة في السابق، ويعتبره وصفًا خاطئًا. "من وجهة النظر هذه فقد ظلمتنا الصين من خلال تطويرها صناعة بناء سفن خاصة بها. والنتيجة هي أنَّنا لم تعد لدينا صناعة بناء سفن. ولكن هذه فكرة غريبة"، كما يعلق ألبرت فينسترا على الحجة الأمريكية.
من المعروف أنَّ تراجع بناء السفن في الولايات المتحدة الأمريكية مُوَثَّق جيدًا. ففي الولايات التي كانت رائدة في مجال البناء تغيّرت الأولويات بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت هذه الصناعة راكدة. وكانت آخر طفرة النمو الكبيرة في منتصف سبعينيات القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين تراجعت حصة الولايات المتحدة الأمريكية في سوق بناء السفن وأصبحت ضئيلة جدًا.
بيد أنَّ اليابان وكوريا الجنوبية هما من خسرتا بسبب صعود الصين. فبحسب معلومات منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD) انخفضت حصة البلدين المشتركة في السوق من 60 بالمائة إلى 45 بالمائة خلال العشرة أعوام الماضية.
لا عودة سريعة للصناعة الثقيلة
"في ستينيات القرن العشرين انتقلت القدرة على بناء السفن إلى آسيا ومن ثم إلى الصين"، كما قال ألبرت فينسترا في حوار مع DW. ولم تعد الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على المنافسة، لأنَّ بناء السفن يحتاج صناعة حديد وصلب قوية. ولكن هذه الصناعة باتت تحتضر وتتلاشى منذ 25 إلى 30 عامًا في الولايات المتحدة الأمريكية".
وكذلك يعتقد بيتر ساند، وهو رئيس المحللين في شركة تحليل الشحن "Xeneta" في كوبنهاغن، أنَّ الوقت "متأخر للغاية" من أجل التنديد بالصين. ولكنه يضيف أنَّ الاقتراح "يتوافق مع هدف إدارة ترامب الرامي إلى الحد من هيمنة الصين في كل مكان، وخاصة حيث يتعلق الأمر بمصالح الشركات الأميركية".
في 2 آذار/مارس، رفع ترامب الرسوم الجمركية المفروضة على السلع الصينية الداخلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 20 بالمائة، في حين فرض رسومًا جمركية بنسبة 25 بالمائة على الواردات القادمة من الجارتين كندا والمكسيك. وكذلك وعد الرئيس الأمريكي الجمهوري بفرض رسوم جمركية جديدة على واردات الصلب والألمنيوم، كما ينوي الموافقة على رسوم جمركية متبادلة تقوم من خلالها واشنطن بفرض نفس الرسوم التي تفرضها دول أخرى على المنتجات الأميركية.
إجراء قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار
ومن المتوقع أن يكون لرسوم الموانئ المقترحة تأثيرات كبيرة على تكلفة شحن البضائع إلى الولايات المتحدة الأمريكية. حتى لو خفضت الرسوم إلى مليون دولار فإنَّ تكلفة التوقف في ميناء أميركي ستكون أكثر بعشر مرات مما هي عليه الآن، بحسب تقدير ألبرت فينسترا.
وفي هذا الصدد يقول بيتر ساند: "إذا قامت سفينة صينية الصنع بتفريغ ألف حاوية ستزيد تكلفة شحن كل حاوية ألف دولار بسبب الرسوم الإضافية البالغة مليون دولار". وبالتالي قد يؤدي ارتفاع تكاليف الشحن إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، ومن المحتمل أن يساهم ذلك في تباطؤ الاقتصاد الأميركي.
ويحذر بيتر ساند من أنَّ "القليل من المستوردين فقط قادرون على تحمّل هذه التكاليف من دون تحميلها للمستهلكين. وهي تضعف بذلك القدرة الشرائية في الولايات المتحدة وستؤدي في آخر المطاف إلى تراجع الطلب".
والإجراء المقترح يمكن أن يجلب للولايات المتحدة الأمريكية في العام رسومًا تتراوح بين 40 و52 مليار دولار، "بشرط عدم عدم حدوث أي تغيير في حركة السفن"، كما قال لـ DW ستيفن غوردون، المدير الإداري لشركة كلاركسونز للأبحاث ومقرها لندن. وتقدِّر كلاركسونز أنَّ السفن التي يمكن أن تفرض عليها الرسوم القصوى البالغة 1.5 مليون دولار بسبب ارتباطها بالصين رست العام الماضي في نحو 37 ألف ميناء أميركي. وهذا يعادل بحسب ستيفن غوردون 83 بالمائة من سفن الحاويات ونحو 30 بالمائة ناقلات النفط التي ترسو في الموانئ الأمريكية.
السفن تستطيع تجنب الولايات المتحدة الأمريكية تمامًا
ولذلك تبحث شركات ملاحة الشحن البحري عن بدائل لكي تتجنب التوقف في الموانئ الأمريكية. وهذا ممكن من خلال تحويل مسار الشحنات عبر المكسيك أو كندا ثم نقل البضائع بالشاحنات أو القطارات إلى وجهتها النهائية في الولايات المتحدة الأمريكية.
"يمكن أن يكون من المنطقي اقتصاديًا التوقف في المكسيك أو كندا، وهذا ما فعلته شركات الشحن بشكل متزايد خلال الخمسة أعوام الماضية. ولذلك فإنَّ الموانئ المكسيكية الواقعة على الساحل الغربي كانت تعمل في الآونة الأخيرة بأقصى طاقتها"، كما يقول بيتر ساند.
وتوجد إمكانية أخرى لتجنب دفع الرسوم، وخاصةً بالنسبة للمشغلين غير الصينيين، من خلال اختيار السفن غير المبنية في الصين أو التي لا تحتوي على مكونات صينية. ويمكن لشركات الشحن تغيير ملكية أسطولها من أجل تجنب الرسوم.
وكذلك تم التشكيك أيضًا في شرعية هذه الرسوم المقترحة، وذلك لأنَّ اتفاقيات التجارة الدولية تهدف بالعادة إلى منع فرض تعريفات جمركية ورسوم تمييزية. وبالتالي يمكن أن تتوقع الولايات المتحدة الأمريكية المزيد من الطعونات القانونية من جانب أهم شركائها التجاريين.
التأثيرات الإيجابية المتوقعة قليلة
وبالإضافة إلى ذلك، على الأرجح بحسب رأي الكثير من المحللين ألا يؤدي الاقتراح إلى تحول كبير في صناعة بناء السفن الأمريكية، والتي انخفضت بحسب معلومات مكتب الممثل التجاري الأمريكي إلى بناء أقل من خمس سفن جديدة في العام.
ويقول ألبرت فينسترا مؤكدًا: "لم تعد توجد لدينا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية قدرة على بناء السفن. وكوريا الجنوبية واليابان لا توجد لديهما طاقة إنتاج فائضة كبيرة - فقط الصين لديها هذه الطاقة. ولذلك لا أعتقد أنَّ إصلاح السوق ممكن بسهولة".
ومع سياسة ترامب الأخرى "أميركا أولًا" - بما فيها خطة استعادة السيطرة على قناة بنما - يشكل اقتراح مكتب الممثل التجاري الأمريكي مخاطر كبيرة بالنسبة للتجارة العالمية وسلاسل التوريد.
وهذه الخطة المقترحة ما تزال تخضع حاليًا لمشاورات، قد تليها جلسة استماع عمومية وقرار نهائي تتخذه إدارة ترامب. ومع ذلك فإنَّ توقعات ألبرت فينسترا تبدو قاتمة - ليس فقط بالنسبة للشحن المرتبط بالصين في حال تطبيق الاقتراح كاملًا، ويقول: "جميع أصحاب سفن الشحن غير الأمريكيين سيتأثرون بهذا القرار. وفي النهاية لن يكون هناك إلا خاسرين".
أعده للعربية: رائد الباش