المغرب: جدل حول أولوية قانون الإضراب على قانون النقابات
٣٠ أبريل ٢٠١٢في سبتمبر/ أيلول 2010 توفي المحجوب بن الصديق، الرئيس السابق لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، أكبر وأعرق نقابة في المغرب. الرأي العام المغربي انتبه حينها إلى أن بن الصديق قضى 55 سنة على رأس هذه النقابة. رقم قياسي، حتى الملك الراحل الحسن الثاني لم تتجاوز مدة حكمه 38 سنة.
في نفس السنة التي توفي فيها بن الصديق حاولت الحكومة المغربية تمرير مشروع قانون خاص بالنقابات، مشروع يقنن التداول على تسيير النقابات ويحدد مدة ولاية زعمائها ويفرض رقابة قضائية على تدبير ماليتها كما هو الشأن بالنسبة للأحزاب السياسية. غير أن بعض النقابات الكبرى رفضت هذا القانون، كما رفضت مشروع القانون المنظم للإضراب والذي تعيد الحكومة الجديدة طرحه للنقاش.
كثرة الإضرابات التي شهدها المغرب في الفترة الماضية جعلت الحكومة الجديدة تبادر إلى إحداث لجنة وزارية ستسهر على إعداد مشروع قانون الإضراب، غير أن بعض النقابيين لا يتردد في مطالبة الحكومة الجديدة بإعادة طرح قانون النقابات للنقاش من جديد لتنظيم المشهد النقابي.
الديمقراطية الداخلية
شاركت النقابات العمالية في إعداد الدستور الجديد من خلال آلية المتابعة التي واكبت عمل اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور. الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، مثلا، طالبت بدستور يقر الملكية البرلمانية، ثم دعت إلى مقاطعة التصويت على الدستور معتبرة أنه لا يستجيب لهذا المطلب ولا يضمن فصلا حقيقيا للسلطات. المفارقة أن محمد نوبير الأموي، زعيم هذه النقابة، لم يعقد أي مؤتمر لها منذ سنة 2001 كما أنه يترأسها منذ تأسيسها سنة 1979.
أما الاتحاد المغربي للشغل فلم يتمكن من عقد مؤتمره إلا بعد وفاة المحجوب بن الصديق سنة 2010، علما أن آخر مؤتمر قبله عقد سنة 1995. منعطف ديمقراطي لم يدم طويلا. في مارس الماضي طردت قيادة الاتحاد المغربي للشغل أعضاء ينتمون لحزب النهج الديمقراطي (يساري راديكالي) وحلت الفروع التي يسيطرون عليها، بعد أن انتقد بعضهم تدبير النقابة وغياب الديمقراطية الداخلية. اتهامات تنفيها قيادة النقابة.
في حواره مع DWيقول جمال أغماني، وزير التشغيل السابق الذي أعد مشروع قانون النقابات، إن القانون يحاول فرض احترام الديمقراطية الداخلية والتداول على المسؤوليات. "مشروع قانون النقابات يقترح حرمان النقابات التي لا تعقد مؤتمراتها بشكل دوري من الاستفادة من أموال الدعم العمومي. كما أنه يحدد فترات انتداب الرؤساء، ويمنع المتقاعدين من تولي تسيير النقابات لمدة تفوق 5 سنوات" يوضح الوزير السابق.
أما الميلودي مخاريق، الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، فيدافع عن الوضع القائم ويقول في حواره مع DW"الحكومة الجديدة بادرت إلى طرح قانون الإضراب حتى قبل أن تكمل 100 يوم من ولايتها، وكأن تكبيل الحق في الإضراب أولوية من أولوياتها. نحن نرفض هذا القانون كما نرفض قانون النقابات. إنه مجرد مبرر لتتدخل الحكومة في الشؤون الداخلية للنقابات. القوانين الداخلية لكل منظمة نقابية كافية لتنظيمها وتحديد مؤتمراتها وكيفية انتخاب أجهزتها. أدبيات منظمة العمل الدولية تمنع على الحكومات التدخل في الشؤون الداخلية للنقابات".
هذا الرأي لا يشاطره علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، والذي يقول في حواره مع DW"هناك نقابات لم تعقد مؤتمراتها منذ سنوات ومع ذلك تستفيد من الدعم المالي العمومي. نحن نطالب بقانون يلزم النقابات باحترام آجال عقد مؤتمراتها ويضمن التداول على المسؤوليات وعدم تجاوز ولايتين لكل رئيس".
الرقابة على مالية النقابات
تستفيد النقابات الأكثر تمثيلية في مجلس المستشارين، الغرفة الثانية للبرلمان المغربي، من دعم مالي عمومي يحدد وزير التشغيل السابق قيمته في 20 مليون درهم سنويا. إضافة إلى الدعم المالي الذي تتلقاه النقابات من الخارج. القانون يفرض على الأحزاب السياسية إخضاع ماليتها لرقابة القضاء من خلال المجلس الأعلى للحسابات، في حين تبقى النقابات بمنأى عن هذه الرقابة.
ميلودي مخاريق يعتبر في حواره مع DWأن قانون مدونة الشغل "كاف في هذا الصدد، فهو يتضمن بنودا تنص على مراقبة مالية النقابات". رأي يخالفه جمال أغماني الذي يوضح أن "مدونة الشغل تنص فعلا على أن وزارة العدل تعين قاضيا يفحص مالية النقابات، غير أن الوزارة لم تُفَعِل يوما هذا القانون. أما قانون النقابات الذي ترفضه بعض المنظمات النقابية فيلزم المجلس الأعلى للحسابات بمراقبة ماليتها".
توجه يسانده علي لطفي موضحا "مع كامل الأسف لا أحد يراقب مالية النقابات رغم أنها تتلقى دعما عموميا. الأحزاب مراقبة والجمعيات يفرض عليها إخبار الحكومة بما تتلقاه من أموال من الخارج، أما النقابات فخارج المحاسبة".
تأطير ضعيف وإضرابات كثيرة
ظهر تراجع تأثير النقابات في الحياة السياسية المغربية بوضوح في مسيرات حركة 20 فبراير السنة الماضية. الإضراب العام الذي كانت تنفذه الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، قبل انشقاق زعمائها عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يكون عنوانا لانتفاضات اجتماعية قوية. حدث ذلك في سنتي 1981 بالدار البيضاء و1990 بفاس. في مسيرات 20 فبراير كان المنتسبون للنقابات الغائب الأكبر. علي لطفي يشير إلى أن "نسبة التأطير النقابي في المغرب لا تتعدى 7 بالمائة من مجموع الأجراء في جميع القطاعات، وهي نسبة ضعيفة جدا. لا شك أن غياب الديمقراطية الداخلية من أسباب هذا التراجع".
بالمقابل شهدت المملكة إضرابات كثيرة ولمدد زمنية طويلة خاصة في أجواء الحراك السياسي الذي ميز السنة الماضية. الحكومة المغربية أعلنت أن معدل الإضرابات في البلاد خلال السنة الماضية بلغ يوما ونصف. بعضها شل قطاعات حيوية مثل التعليم والعدل. الحكومة تريد وضع حد لهذا الوضع من خلال التهديد بتنفيذ الاقتطاع من أجور المضربين، والإسراع بإخراج قانون الإضراب، دون ربطه بالضرورة بقانون النقابات.
علي لطفي يعتبر من جهته أن "الأولوية يجب أن تعطى لإقرار قانون ينظم النقابات قبل قانون الإضراب". أما الميلودي مخاريق فيؤكد مجددا رفض نقابته للقانونين معا ويحذر من "تقييد حق الإضراب الذي يكفله الدستور، ولا يستعجل الحكومة في إخراج قانون ينظمه".
إسماعيل بلاوعلي ـ المغرب
مراجعة: عبده جميل المخلافي