المساعدات من الجو على غزة... غيث لا يروي وغذاء لا يسد الرمق
٦ أغسطس ٢٠٢٥رداً على تفاقم المجاعة في قطاع غزة، سمحت إسرائيل لعدة دول بإسقاط منصات طعام جواً على الشريط الساحلي لذي مزقه الحرب. وقال جيش الدفاع الإسرائيلي يوم الاثنين (الرابع من أغسطس/ آب 2025)، إن طائرات من دول الإمارات العربية المتحدة والأردن ومصر وألمانيا وبلجيكا وكندا أسقطت 120 حزمة مساعدات.
وقالت إسرائيل الثلاثاء إنها ستعيد بشكل جزئي عملية فتح دخول البضائع للتجارة في غزة من خلال البائعين المحليين لتقليل اعتماد غزة على المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، يقول فلسطينيون متواجدون على الأرض ومنظمات إنسانية إن المساعدات غير كافية ويجري توزيعها على نحو سيء.
من بين هؤلاء، ضياء الأسعد، وهو نازح في مدينة غزة يبلغ من العمر 50 عاماً، وهو أب لستة أطفال، وقد تحدث إلى DW عبر الهاتف وقال: "ما يتم إسقاطه من السماء لا يصل إلى أحد سوى أولئك الذين يستطيعون العراك مع الآخرين".
ويشار إلى أن السلطات الإسرائيلية تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى غزة.
وأضاف ضياء الأسعد أن بعض مناطق الإنزال، وهي مواقع استراتيجية تُسقط فيها الإمدادات جواً، يصعب الوصول إليها، لأنها غالباً ما تقع بالقرب من أو داخل المناطق العسكرية التي تسيطر عليها إسرائيل، والمعروفة باسم "المناطق الحمراء". وأوضح: "نحتاج إلى توزيع المساعدات بشكل عادل على جميع السكان، وليس بهذه الطريقة".
أمّا ماجد زياد، فهو أحد سكان مخيم النصيرات للاجئين في غزة، وأكد هذه المخاوف قائلًا: "الحل ليس إلقاء الطعام علينا. يحتاج الناس إلى وصول طبيعي وإنساني [للطعام] - على عكس الحيوانات التي تطارد الفرائس في الغابة".
"أسوأ سيناريو يتكشف"
تأتي عمليات الإنزال الجوي وسط كارثة إنسانية متفاقمة؛ إذ يعاني سكان غزة، البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، من نقص حاد في المواد الغذائية، ويعتمد الكثيرون منهم على المساعدات الخارجية. وقد دُمر الإنتاج الغذائي المحلي بشكل كبير. وطوال فترة الحرب، حذّر الخبراء من أن غزة على شفا المجاعة.
ويحذر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، المدعوم من الأمم المتحدة، من أن "أسوأ سيناريو للمجاعة يتكشف"، بينما وثقت منظمة الصحة العالمية ارتفاعاً حاداً في وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية الشهر الماضي.
قطعت إسرائيل، التي تسيطر على حدود غزة، الإمدادات في أوائل مارس/ آذار للضغط على حماس - التي تُصنّفها العديد من الدول منظمة إرهابية - بدعوى أن الحركة تُحوّل مسار المساعدات لصالحها.
وسط ضغوط موجهة، استأنفت إسرائيل عمليات تسليم المساعدات المحدودة في مايو/ أيار، لكنها انتقلت إلى مواقع التوزيع التي تديرها مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) المدعومة منها ومن الولايات المتحدة. وقد قُتل المئات بالقرب من نقاط التوزيع هذه، بنيران إسرائيلية مزعومة.
وألقى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باللوم مراراً وتكراراً على حماس لنهب المساعدات وقال إن إسرائيل "شوهت سمعتها" بمزاعم وجود مجاعة في غزة. وقال في مقطع فيديو نُشر على موقع إكس: "إنهم يكذبون بشأننا. يقولون إننا نقوم بتجويع الأطفال الفلسطينيين عمداً. هذه كذبة مكشوفة. منذ بداية الحرب، سمحنا بدخول ما يقرب من مليوني طن من الطعام".
منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أفادت السلطات الصحية المحلية التي تديرها حماس بمقتل أكثر من 60 ألف شخص، ويخشى أن يكون عدد أكبر محاصراً تحت الأنقاض. لا تفرق السلطات المحلية بين المقاتلين والمدنيين، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الضحايا هم من النساء والقصر، حسب ما يتم تداوله.
جدل حول عمليات الإنزال الجوي للمساعدات
تعتبر المنظمات الإنسانية عمليات الإنزال الجوي الملاذ الأخير بالنظر إلى المخاطر على الأرض. ويوم الاثنين (الرابع من أغسطس/آب 2025)، وردت تقارير عن مقتل ممرض في غزة عندما صدمته منصة مساعدات سقطت خلال الجولة الأخيرة من عمليات الإنزال.
وكتب المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني على موقع إكس أن عمليات الإنزال الجوي مكلفة وأقل فعالية من عمليات التسليم البرية عبر المعابر. وأضاف أن "كلفة عمليات الإنزال الجوي أكثر بمئة مرة على الأقل من تكلفة الشاحنات؛ إذ أن الشاحنات تحمل ضعف كمية المساعدات التي تحملها الطائرات".
وفي زيارته مؤخراً إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، أقرّ وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول بمحدودية عمليات الإنزال الجوي ودعا إسرائيل إلى فتح المعابر البرية لإيصال المساعدات بفعالية. وقال: "إن الطريق البري بالغ الأهمية. وهنا، يقع على عاتق الحكومة الإسرائيلية واجب السماح بسرعة بمرور ما يكفي من المساعدات الإنسانية والطبية بأمان، حتى يمكن منع الوفيات الجماعية بسبب الجوع". واعترف فاديفول بأن المزيد من شاحنات المساعدات تدخل غزة، لكنه أضاف أن "هذا لا يزال غير كاف"، داعياً إلى "تغيير جذري" في السياسة الإسرائيلية.
هدن تكتيكية وممرات إنسانية
إلى جانب عمليات الإنزال الجوي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن توقفات تكتيكية للقتال وممرات إنسانية لقوافل المساعدات في ثلاث مناطق من غزة الأسبوع الماضي. ومع ذلك، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأن المساعدات التي تدخل غزة "لا تزال غير كافية" وأن القوافل تواجه تأخيرات ومخاطر. على سبيل المثال، استغرقت عملية تسليم وقود مؤخراً 18 ساعة لقطع مسافة 24 كيلومتراً فقط.
وقُتل العديد من الفلسطينيين بالقرب من مواقع توزيع المساعدات الإنسانية أو أثناء انتظارهم قوافل المساعدات. وفي الغالب لا تصل شاحنات المساعدات إلى مستحقيها بسبب عمليات النهب، سواء من قِبل السكان اليائسين أو تجار السوق السوداء.
وقالت داليا العفيفي، وهي أم لطفلين من مدينة غزة، إن معظم المساعدات لا تصل أبداً إلى عامة الناس. ارتفعت أسعار المواد الأساسية، مثل الدقيق، بشكل كبير، لتصل أحياناً إلى 100-120 شيكلاً (25-30 يورو، 29-35 دولاراً) للكيلوغرام، وهو سعر يفوق قدرة الكثيرين. وأوضحت العفيفي أنها، كامرأة، لن تتمكن من الركض أسرع من الشباب الذين يحاولون الحصول على الطعام من إحدى شاحنات المساعدات، وستخشى إرسال أحد أفراد عائلتها، وقالت: "أخي هنا، ولا أريده أن يذهب إلى هناك ويعرض نفسه للموت".
يكافح ضياء الأسعد كذلك لإطعام أطفاله. في الأسبوع الماضي، سار عدة كيلومترات باتجاه منطقة زيكيم شمال غزة انتظاراً لمرور شاحنات مساعدات الأمم المتحدة وقال لـDW: "حاولت الحصول على الدقيق (الطحين)، لكن الأمر كان مستحيلاً. تمكنت من الحصول على بعض علب الفاصوليا والحمص. أنا ببساطة بحاجة إلى الطعام".
أعده للعربية: صلاح شرارة
تحرير: خالد سلامة