تشديد سياسة اللجوء- هل يقع الاتحاد المسيحي في فخ حزب البديل؟
٢٩ يناير ٢٠٢٥هل هذا خرق للدستور، أم ابتزاز، أم كسر للمحرمات؟. يريد الآن مرشح الحزبين الألمانيين المحافظين، الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، فريدريش ميرتس، تقديم مقترحات إلى البوندستاغ لتشديد سياسة الهجرة؛ وهذه المقترحات تؤدي إلى انقسام أحزاب الوسط الديمقراطي، وثير غضب الحزبين الحاكمين، أي الديمقراطي الاشتراكي والخضر. ولذلك فإنَّ هذا الأسبوع سيكون وبكل تأكيد أسبوعًا مثيرًا وجديرًا بالذكر في الوسط السياسي في برلين.
ميرتس: "لا فرق عندي مَنْ يوافق"
وبعد أن قتل الأسبوع الماضي شخصان في هجوم طعن بالسكين في مدينة أشافنبورغ البافارية على يد شخص أصله من أفغانستان، قدَّم ميرتس خطة من خمس نقاط لتشديد سياسة اللجوء والهجرة إلى أقصى حد.
ومنذ ذلك الحين، أعلن ميرتس عدة مرات أنَّ لا فرق عنده مَنْ يوافق في البوندستاغ على هذا الاقتراح. وعلى الأرجح فإنَّ هذا ينطبق أيضًا على حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، المصنف في بعض فروعه على أنَّه يميني متطرف. أصبحت قضية اللجوء والهجرة قضية ملحة لا يمكن تأجيلها بالنسبة للناس في ألمانيا، وهذا ما تظهره أيضًا استطلاعات الرأي مثل برنامج (دويتشلاند تريند) في القناة الألمانية الأولى (ARD)، والذي أُجري بعد هجوم ماغديبورغ ولكن قبل الجريمة الدموية في مدينة أشافنبورغ.
قرار عدم التوافق الصادر عن الحزب الديمقراطي المسيحي سنة 2018
وفي الواقع يسري لدى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي قرار صدر في كانون الأول/ديسمبر 2018 يعرف باسم "عدم التوافق"، ويستبعد بموجبه الحزب بشكل تام التحالفات وغيرها من أشكال التعاون مع الشعبويين اليمينيين في حزب البديل من أجل ألمانيا. وقد بات يشير إلى ذلك في النقاشات السياسية مصطلح "جدار الحماية" بين حزبي الاتحاد المسيحي وحزب البديل من أجل ألمانيا.
وفي نهاية الأسبوع، قال ميرتس في حوار مع القناة الألمانية الثانية (ZDF) إنَّ هذا القرار ما يزال ساريًا: "نحن في كتلة حزبي الاتحاد نفعل ما نراه صحيحًا في هذه المسألة. وإذا وافق حزب البديل من أجل ألمانيا، فهذا شأنه. وإذا لم يوافق، فيجب عليه أن يترك ذلك. لا توجد محادثات، ولا توجد مفاوضات، ولا توجد حكومة مشتركة. وبإمكاني أن أطمئن المستشار".
شولتس: شكوك في قدرة ميرتس كمستشار
وذلك لأنَّ المستشار أولاف شولتس (الحزب الديمقراطي الاشتراكي) قال في وقت سابق على القناة الألمانية الأولى: "إذا اقترح الآن زعيم المعارضة (ميرتس) أن يقوم المستشار الألماني بأشياء تتعارض مع دستور هذا البلد ومع المعاهدات الأوروبية، فإنَّ هذا يكشف عن شيء فيما يتعلق بقدرته على تولي منصب رفيع في ألمانيا".
وفي المقابل ذهب ميرتس يوم الاثنين أبعد من ذلك وأكد على خطته تقديم اقتراحاته هذا الأسبوع. وقال إنَّ الوقت قد حان لاتخاذ قرار نهائي في هذه المسألة. وأضاف أنَّ تحديد شكل الأغلبية في نهاية المطاف يتوقف على الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر.
الحزب الليبرالي يبدي موافقته على تشديد اللجوء
ويعود سبب هذه الضجة إلى أنَّ: ألمانيا بات يحكمها فقط الديمقراطيون الاشتراكيون بزعامة أولاف شولتس وحزب الخضر، وذلك منذ أن انهار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 حكومة ائتلاف إشارة المرور المؤلف من الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي). وبذلك فقدت الحكومة الأغلبية في البرلمان.
ولكن في المقابل من الممكن أن تجد مقترحات ميرتس الخاصة بتشديد سياسة اللجوء الأغلبية في البرلمان، إذا وافق عليها جميع نواب حزبي الاتحاد المسيحي وكذلك نواب الحزب الديمقراطي الحر وحزب البديل من أجل ألمانيا وتحالف سارة فاغنكنيشت (BSW). ولكن ما يزال من غير المؤكد إن كان ذلك سيحدث في هذا الأسبوع.
وبالنسبة للحزب الديمقراطي الحر فقد أبدى أمينه العام ماركو بوشمان، الذي شغل حتى وقت قريب منصب وزير العدل الاتحادي، موافقته على خطط ميرتس. وقال إنَّ الأحزاب الديمقراطية يجب عليها ألا تسمح لحزب البديل من أجل ألمانيا بأن يفرض عليها ماذا تفعل، وأضاف: "الديمقراطية لن تكون مستقرة إلا عندما يتمكن الديمقراطيون من حل المشكلة".
خطط الحزب الديمقراطي المسيحي لسياسة اللجوء والهجرة
ما الذي يخطط له بالضبط حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي؟ يريد المحافظون إعلان "حالة طوارئ استثنائية" بعد وقوع عدد من أعمال العنف، بعضها مميت، واتهم بارتكابها طالبو لجوء ومهاجرون.
ويجب السيطرة على الحدود ومراقبتها بشكل دائم، وليس مؤقتًا كما هي الحال حتى الآن - وهذا لا يرد بهذه الصيغة في اتفاقيات الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي. والأشخاص الذين لا يستطيعون على الحدود تقديم أوراق سارية، يجب عدم السماح لهم بالدخول إلى ألمانيا، وحتى لو طالبوا بحق اللجوء، وهذا ينتهك أيضًا القانون الساري حاليًا. وكذلك الأشخاص، الذين يجب تسفيرهم من ألمانيا، يجب وضعهم في الحجز حتى يغادروا البلاد بالفعل.
زعيم حزب الخضر: "هذه المقترحات مخالفة للدستور"
وفي نهاية الأسبوع الماضي، قال رئيس حزب الخضر المشارك في الحكومة، فيليكس بانازاك، لـDW حول ميرتس وخططه الخاصة باللجوء: "لقد قدَّم مقترحات نعلم أنَّها مخالفة للقانون الأوروبي والدستور الألماني. وقد ربط بين هذه المقترحات بقوله: إما أن يتم تنفيذها كما هي من قبل أحزاب الوسط الديمقراطي، أو أنَّه مستعد أيضًا لتقبل الأغلبية مع حزب البديل من أجل ألمانيا. وهذا يؤدي إلى الكثير من الريبة والشك هنا في ألمانيا".
ونيابة عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي، قال لـDW نائب البرلمان الألماني سيباستيان فيدلر، الذي يعمل محققًا جنائيًا: "لقد أقسمت كشرطي ذات يوم على الدستور، وعندما يقول الآن مرشح لمنصب المستشار إنَّه يرغب تمامًا في انتهاك القانون الأوروبي، فلن تكون لدي فقط علامات استفهام - أنا لا أستطيع فهم ذلك".
لقد قارن ممثلون مختلفون من الحزب الديمقراطي الاشتراكي وحزب الخضر سلوك ميرتس بسلوك الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب خلال الأيام الأولى في منصبه.
المقترحات مرفق معها بيان ضد حزب البديل من أجل ألمانيا
من الواضح أنَّ ميرتس يدرك أنَّه يدخل مجالًا حساسًا بموافقة حزب البديل من أجل ألمانيا المحتملة. ولهذا السبب فقد أرفق مع الاقتراحات المقدمة إلى البرلمان الألماني بيانا، يؤكد فيه حزبا الاتحاد المسيحي مرة أخرى بلهجة حادة على بعدهما عن حزب البديل من أجل ألمانيا. وجاء فيه أنَّ: "حزب البديل من أجل ألمانيا يستغل المشكلات والهواجس والمخاوف الناجمة عن الهجرة غير الشرعية الجماعية من أجل إثارة الكراهية تجاه الأجانب ونشر نظريات المؤامرة".
منظمة كاثوليكية ضد السياسات المعادية للهجرة
لقد اعتدى في كانون الأول/ديسمبر 2014 رجل من أصل سعودي يبدو أنَّه مريض نفسيًا على سوق عيد الميلاد في مدينة ماغديبورغ بسيارته المسرعة مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص وإصابة نحو 300 آخرين. ومنذ ذلك الحين، باتت قضية الهجرة واللجوء تهيمن على الحملة الانتخابية البرلمانية الجديدة المقرر إجراؤها في 23 شباط/فبراير، أي بعد أقل من أربعة أسابيع. وزادت من حدة هذه القضية أكثر الجريمة الدموية التي وقعت قبل عدة أيام في مدينة أشافنبورغ.
وتنتقد ذلك بشدة منظمة حقوق الإنسان "عمل وكرامة وعدالة"، التي شارك في تأسيسها القس الكاثوليكي بيتر كوسين. وأعلنت هذه الجمعية الآن معارضتها التصورات الخاطئة عن الهجرة في ألمانيا. وذكرت أنَّ غالبية المهاجرين العظمى في الواقع يندمجون جيدًا في ألمانيا. علمًا بأنَّ أكثر من ربع سكان ألمانيا حاليًا من أصول مهاجرة. وأضافت أنَّ المهاجرين "ليسوا مجرمين. الحق في اللجوء مكفول لأسباب وجيهة في القانون الأساسي (الدستور) الألماني".
تصويت البوندستاغ على هذه المقترحات غير مؤكد حتى الآن
ومع ذلك لا يزال من غير الواضح إن كان سيتم التصويت في الواقع على هذه المقترحات قبل الانتخابات الاتحادية. وذلك لأنَّها ما تزال غير مدرجة على جدول أعمال جلسة البرلمان الاتحادي في هذا الأسبوع. وهي تحتاج على أية حال أغلبية ثلثي الأصوات في البرلمان ليتم التصويت عليها بسرعة وتدخل حيز التنفيذ قبل الانتخابات. وهذا على أية حال لا يلوح في الأفق.
أعده للعربية: رائد الباش