العين بالعين والسن بالسن: قراءة سينمائية جديدة لأحداث 1972
لا يمكن اعتبار فيلم "ميونخ" فيلما وثائقياً عن أحداث ميونيخ 1972 حينما قامت مجموعة إرهابية فلسطينية باختطاف وقتل أحد عشر رياضياً إسرائيلياً. صحيح أن الفيلم يعرض بين الحين والآخر مشاهد تاريخية من أحداث عملية الاختطاف لكن الموضوع الرئيسي يدور حول عمليات الموساد الإسرائيلي الذي أرسل فريقا من عملائه لقتل أحد عشر فلسطينياً من منظمة "أيلول الأسود" والذين خططوا لهذه العملية، ونرى في الفيلم قنبلة في باريس وهجوما في بيروت وإطلاقا للنار في إسبانيا علاوة على قبرص ولندن وأمستردام.
كان عمل رجال المخابرات الإسرائيلية فعالاً وناجحاً لكن قائد الفريق أفنر (قام بدوره الممثل إريك بانا) يشعر بالقلق بشكل متزايد. وحين بدأ يشكك في ما يقوم فيه لأنه بدأ يخسر رجلاً تلو الآخر ويشعر بعد كل عملية قتل بأنه يشبه أعداءه مختطفي الرهائن.
الإخراج
سخّر المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبيرغ كل طاقاته في هذا الفيلم الذي يتضمن كل ما يمكن للمشاهد أن يتوقعه من فيلم رعب، فالممثلون متميزون والمشاهد رائعة والمخبرون في غاية السرية. وإلى جانب اريك بانا يقوم كل من دانييل كريج وهانس زيشلر وماتيو كاسوفيتز بأدوارهم بمهارة، وهم يشكلون من خلال عملياتهم أسرة واحدة يتعرف أفرادها على بعضهم في حفلات عارمة يحضرونها بأنفسهم.
ولا ينتقد المخرج في فيلمه الإجراءات الأمنية الألمانية في ميونيخ، ولا يذكر بفوضى المعلومات خلال عملية الاختطاف وبعدها. استلهم سيناريو الفيلم فكرته من كتاب "الثأر" للمؤلف جورج يوناس القائم على أحداث تاريخية حقيقية، لكن المخرج وكاتب السيناريو أخذا ما يعجبهما من وقائع وغيّرا مجرى بعض الأحداث، بل يمكن القول أنهما تركا تساؤلات كثيرة لم يعيراها اهتماما يذكر.
ردود فعل على الفيلم
أثار الفيلم قبل عرضه موجة من الاحتجاجات في أوساط الجالية اليهودية الأمريكية التي اتهمت سبيلبيرغ بالخيانة تجاه إسرائيل واتهمه نقاد صحيفة نيويورك تايمز الواسعة الانتشار بالفشل، لكن الفيلم كان له تأثير آخر حيث تقول والدة أفنر أن كل هذه الأعمال الدموية تدور حول أمر واحد وهو إيجاد مكان ما للعيش. ويصور سبيلبيرغ بمهارة بارعة مشاهد عمليات الموساد الأخيرة ويقارنها بمشاهد من عملية الاختطاف في ميونيخ ويسهل على القارئ ملاحظة التشابه بين الأحداث. لكن المخرج اليهودي سبيلبيرغ وكاتب السيناريو توني كوشنر لا يريدان تقييم العملية الإرهابية الفلسطينية في ميونيخ وعمليات الموساد بمستوى واحد، لكنهما يريدان إظهار أن ما قامت به المخابرات الإسرائيلية كان له ثمن أخلاقي وإنساني عال.
في حديث له مع مجلة "تايم" الأمريكية يقول المخرج ستيفن سبيلبيرغ إن "العدو الكبير ليس الفلسطينيين أو الإسرائيليين" وإنما "التشدد" في المواقف، وقد يكون سبيلبيرغ أراد القيام من خلال فيلمه بدراسة القناعات السياسية، لكن من الصعب القول بأنه نجح تماما بتحقيق أمنيته بإرضاء الضحايا من الطرفين.