الصين وكوريا الشمالية تؤديان رقصة دبلوماسية
٤ سبتمبر ٢٠٢٥ظهر الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى جانب الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في عرض عسكري ضخم في بكين يوم أمس الأربعاء (الثالث ديسمبر/ أيلول 2025). ويؤكد هذا على النفوذ المتنامي لتكتل اقتصادي وأمني يطمح لمواجهة ما يوصف أنه إمبريالية تقودها الولايات المتحدة.
كانت الصور من ميدان تيانانمن، حيث تم إحياء ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، مُعدّة لإيصال رسالة تضامن في مواجهة العقوبات الأجنبية وغيرها من الضغوط، لا سيما في مجال التجارة، وأن الأنظمة الاستبدادية الثلاثة عازمة على مقاومة الضغوط الخارجية.
يرى المحللون أن القادة الثلاثة لديهم أولويات سياسية كثيرة متباينة داخليا وخارجيا، ويشيرون إلى أن التحالف الثلاثي قد يكون في المقام الأول تحالفا نفعيا، مع كون كوريا الشمالية الأصغر والأقل قوة بمثابة ورقة رابحة.
التلاعب بموسكو وبكين
يقول دان بينكستون، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة تروي بسيول: "كان جد كيم، كيم إيل سونغ، مؤسس دولة كوريا الشمالية، قد اشتهر بتلاعبه ببكين وموسكو في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، سعيا منه للحصول على أفضل الصفقات لنظامه". وقال في حواره مع DW: "يسعد كيم بدعوته لحضور العرض العسكري بمناسبة الذكرى الثمانين لهزيمة اليابان، لأن ذلك يُظهر أنه في مرحلة القبول كشريك متساوٍ".
لقد قدم كيم الكثير لبوتين، إذ أرسل قوات إلى الحرب في أوكرانيا، وزوده بالأسلحة والذخائر، لذا فهو يعتقد بوضوح أنه يستحق معاملة بالمثل. كما أنه يريد تحررا أكبر من بكين، لأن بلاده اعتمدت عليها كثيرا لفترة طويلة. لقد وصل الأمر إلى حد استيائه من الصين. إنه يريد التنويع، وهو أمر حكيم من وجهة نظر كيم، ولكنه مقلق بالنسبة لشي.
نمو الاقتصاد الكوري الشمالي
وأوضح بينكستون، أن الوقوف إلى جانب شي وبوتين في بكين، يُمثل أيضا فرصة لكيم لتأليب القوتين على بعضهما البعض. وأشار الخبير إلى أن "الصين لا تريد أن تتقارب كوريا الشمالية كثيرا من روسيا"، لأن بكين كانت أقرب حليف لبيونغ يانغ منذ الحرب الكورية عام 1950، واستطاعت خلال معظم تلك الفترة كبح جماح أكثر نزوات النظام عدوانية، حرصا على أمنها.
ومع ذلك، قد يُشير كيم إلى شي جين بينغ بأنه يقترب من بوتين، مما يُجبر الزعيم الصيني على تقديم عرض آخر للحفاظ على قدر من النفوذ. ويبدو أن بيونغ يانغ قد جنت فوائد اقتصادية واضحة من علاقاتها الأمنية والتجارية مع موسكو.
وأفاد البنك المركزي في سيول، بنك كوريا (BOK)، يوم 29 أغسطس/ آب 2025، أن الاقتصاد الكوري الشمالي سينمو بنسبة 3.7% ، وهو أسرع نمو له منذ ثماني سنوات. وارتفعت الصادرات بنسبة 10.8%، حيث شهد قطاعا التعدين والتصنيع أكبر نمو، مدفوعين بـ "التعاون الموسع مع روسيا".
اجتماع قادة الصين وروسيا وكوريا الشمالية في بكين
يمكن أن يُسهم هذا التطور الاقتصادي في تمويل التطوير المستمر للرؤوس النووية والصواريخ المتطورة في كوريا الشمالية، مع تعزيز مكانة كيم بين السكان في الوقت نفسه.
وسيراهن كيم أيضا على حاجة بوتين إلى مزيد من القوات الكورية الشمالية لتعويض الجنود الروس الذين فقدوا في ساحات القتال في أوكرانيا، مما يُحافظ على تدفق الوقود والسلع والخدمات الأخرى.
وقال بينكستون إنه في حين أن شي وكيم وبوتين متحدون في كرههم للولايات المتحدة والغرب عموما، وكذلك لحقوق الإنسان وسيادة القانون والديمقراطية، فإن كلا من هؤلاء القادة "سيحاول استغلال العلاقة الثلاثية لمصلحته الخاصة".
لكن تشو جاي وو، أستاذ السياسة الخارجية في جامعة كيونغ هي في سيول، يرى أن هناك ما يدعو إلى بعض التفاؤل نتيجة هذا الاجتماع الثلاثي. وقال: "هذا الاجتماع رمزي للغاية بالتأكيد، لأنه يعكس التضامن في مجال الأمن، لكنني أعتقد أننا نشهد تغييرًا طفيفًا في السياسة التجارية الأمريكية تجاه الصين، مما سيؤثر سلبًا على روسيا وكوريا الشمالية".
التقارب التجاري
يتوقع تشو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على وشك تخفيف ضغوط التعريفات الجمركية التي فرضها على الصين، والتي أضرت بالاقتصادين الأمريكي والصيني على حد سواء، وهناك مؤشرات على أنه يأمل في زيارة شي في بكين خلال الأشهر المقبلة. كما صرّح ترامب باستعداده للقاء كيم.
وقال: "أعتقد أن كلا من الصين وكوريا الشمالية تشعران بأن الوقت قد حان للتقارب في القضايا غير الأمنية، والتركيز على احتياجاتهما التجارية والاقتصادية المشتركة، والاستفادة من علاقة أفضل مع إدارة ترامب".
وحتى لو ظلت الولايات المتحدة مترددة في الذهاب إلى هذا الحد، قال تشو إن الصين من المرجح أن تعتبر كوريا الشمالية عضوا في دول "الجنوب العالمي"، وبالتالي مؤهلة لتلقي مساعدات اقتصادية أكبر من منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم 10 دول كاملة العضوية و17 دولة شريكة لتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي.
وقال: "سيرحب كيم بذلك، الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون سيُوازن مصالح كوريا الشمالية الاقتصادية مع مصالح الدول الأعضاء الأخرى، وسيُتيح لها الوصول إلى موارد هائلة".
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة