الشرع رئيساً.. بداية لإرساء منطق الدولة أم خطوة نحو المجهول؟
٣١ يناير ٢٠٢٥غداة إعلانه رئيسا مؤقتا لسوريا بعد شهرين على الإطاحة بنظام بشار الأسد، خرج أحمد الشرع ليبعث برسائل تطمينية، قائلا: "أحدثكم اليوم لا كحاكم بل كخادم لوطننا الجريح".
وفي خطاب متلفز، تعهد بإتمام "وحدة" أراضي سوريا وتحقيق "السلم الأهلي"، فيما جاء الخطاب غداة إعلان إدارة العمليات العسكرية في سوريا الأربعاء (29 يناير/كانون الثاني) إسناد منصب رئيس البلاد في المرحلة الانتقالية إلى أحمد الشرع.
وأعلنت الإدارة أيضا تفويض الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية وتعليق الدستور ضمن مجموعة من القرارات صدرت خلال "مؤتمر إعلان انتصار الثورة السورية" في دمشق بحضور قادة الفصائل المسلحة الأعضاء بإدارة العمليات العسكرية.
قرار متأخر، ولكن؟
ويرى الباحث والمحلل السوري المستقل، منهل باريش، أن قرار الشرع كان "متأخرا بعض الشيء".
وفي مقابلة مع DW عربية، قال باريش، المقيم في لندن، إن "ما تم إعلانه الأربعاء، أعتقد أنه كان يجب أن يتم من يوم الثامن من ديسمبر/كانون الثاني بالتزامن مع لحظة سقوط نظام بشار الأسد، لأننا كنا في مرحلة فراغ دستوري وكان يجب إعلان تشكيل قيادة هيئة حكم انتقالي مجلس قيادة يدير شؤون البلاد".
ورغم أن القرار "يضع سوريا على المسار الصحيح"، بحسب باريش، إلا أنه شدد على أن الإعلان يعتريه بعض القصور. وقال "كان يجب أن يترافق مع إعلان دستوري."
ولم تحدد القرارات الأخيرة موعدا لتشكيل الهيئة التشريعية الجديدة كما لم تتضمن أي تفاصيل عن الجدول الزمني للفترة الانتقالية مما أثار مخاوف نشطاء سوريين.
وفي مقابلة مع DW عربية من محافظة السويداء جنوب غرب سوريا، وصفت الناشطة السياسية، رقية الشاعر، قرارات الشرع الأخيرة بكونها "غير قانونية ولا تستند إلى الدستور".
وقالت إن الشرع "برر قراراته بأن الشرعية الثورية هي من منحته هذه الصلاحية. وبهذا نصب نفسه رئيسا لمرحلة قد تطول حسب مقتضيات المرحلة".
وأضافت "سوف تكرس هذه القرارات حالة من الانقسام السياسي ما قد ينعكس حتمًا على الأرض ويمكن أن يترجم إلى حالة من النزاع".
"كلمة فضفاضة"
وشملت القرارات المعلنة حل مجلس الشعب الذي انتخب في عهد الأسد على أن يقوم المجلس التشريعي المؤقت بتولي مهامه لحين إقرار دستور دائم ودخوله حيز التنفيذ.
كما شملت القرارات "حل حزب البعث العربي الاشتراكي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان" وأيضا "حل جميع الفصائل العسكرية والأجسام الثورية السياسية والمدنية" مع دمجها في مؤسسات الدولة.
ويعتقد الباحث السوري باريش أن الأمور المتعلقة بشكل الحكومة المقبل ووضع خارطة طريق شاملة بما فيها الدستور "تتسم بالغموض".
وقال إن "تكليف الرئيس بإنشاء مجلس تشريعي تمثل كلمة فضفاضة وغير مفهومة، صراحة لا يحق للرئيس تشكيل مجلس تشريعي"، مضيفا "من المبكر الحديث عن سيناريوهات سيئة أو جيدة، لكن جميع الأطراف متفقة على إعطاء فرصة للشرعية في هذه المرحلة سواء داخليا أو خارجيا".
وكان الشرع قد ذكر في تصريحات سابقة أن سوريا بحاجة إلى مرحلة تمتد من ثلاث إلى أربع سنوات حتى يتم كتابة دستور وإجراء تغييرات جذرية في سوريا.
ومنذ الإطاحة بالأسد، تبذل القيادة السورية جهودا لطمأنه سكان بلد أنهكه نزاع اندلع عام 2011 وقضى على الأخضر واليابس وأدى إلى مقتل أكثر من نصف مليون شخص وتهجير الملايين.
وعقب تنصيبه رئيسا مؤقتا، شهدت أغلب المدن السورية احتفالات؛ إذ خرج سوريون إلى ساحة الأمويين أكبر ميادين العاصمة دمشق وهم يرفعون العلم السوري ويرددون شعارات مؤيدة للشرع وضد حكم الأسد.
"درجة الديمقراطية غير مؤكدة"
ورغم إقراره بأن الإعلان الأخير ليس سوى محاولة لإضفاء الطابع الرسمي على الوضع القائم، إلا أن نانار هواش، المحلل البارز في شؤون سوريا بمجموعة الأزمات الدولية، يشدد على ضرورة أن تقدم القيادة الجديدة على توضيح "الطبيعة المؤقتة" لتعيين الشرع.
وفي مقابلة مع DW عربية، أضاف "كان أحد الأهداف الرئيسية لإعلان الأربعاء هو دمج الفصائل المختلفة، باستثناء قوات سوريا الديمقراطية. ومع ذلك، هناك فجوة كبيرة بين إعلان الدمج واتخاذ خطوات ملموسة لتنفيذه".
وفيما يتعلق بالمسار السياسي المستقبلي لسوريا، قال هواش إن "درجة الديمقراطية لا تزال غير مؤكدة. يمكن أن تكون الجمعية الوطنية (البرلمان) مؤشرا مبكرا على الاتجاه الذي تتجه إليه الأمور".
يخشى سوريون كثر من توجه السلطة الجديدة نحو إقامة نظام حكم ديني وإقصاء مكونات واستبعاد المرأة من الحياة العامة رغم رسائل طمأنة يوجهها المسؤولون إلى مختلف المكونات وبينها الأقليات الدينية وإلى المجتمع الدولي.
وتعيش في سوريا تاريخيا أقليات عرقية ودينية بما في ذلك المسيحيون والأرمن والأكراد والشيعة. وينتاب الكثير من أبناء هذه الأقليات القلق من أن أي حكم إسلامي قد يفرض عليهم أسلوب حياة مغاير.
ويعتقد هواش أن "القيادة الجديدة تفهم تعقيد وتنوع المجتمع السوري وتفهم أنها لا تستطيع فرض وجهات نظرها الخاصة على المجتمع السوري ككل، وتحتاج إلى منح مستوى معين من الحقوق والحريات للنساء والأقليات المختلفة".
وأضاف "أود القول بشكل عام إنه عندما يتعلق الأمر بالنوايا، يبدو أن القيادة لديها نية للحفاظ على حقوق الأقليات والنساء".
عودة سوريا إلى "الحضن العربي"
ولاقى تنصيب الشرع رئيسا مؤقتا لسوريا ترحيبا من قطر والسعودية. ففي رسالة تهنئة، تمنى الملك سلمان للشرع "التوفيق والنجاح في قيادة بلدكم الشقيق نحو مستقبل مزدهر يحقق تطلعات الشعب السوري".
وتأتي تهنئة السعودية في سياق علاقات ودية بين الطرفين؛ إذ كانت الرياض وجهة أول زيارة خارجية لوزير الخارجية في الإدارة السورية أسعد الشيباني مطلع الشهر الجاري.
وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال زيارته لدمشق قبل أيام وقوف بلاده إلى جانب الإدارة السورية الجديدة ودعمها في مسألة رفع العقوبات الغربية.
أما قطر، فقد زار أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دمشق بعد يوم من تنصيب الشرع ليكون بذلك أول زعيم دولة يزور العاصمة السورية منذ سقوط بشار الأسد.
وفي تعليقه، قال الباحث السوري المستقل، منهل باريش، إن "التحرك العربي تجاه سوريا سواء من تصريحات السعودية وزيارة أمير دولة قطر إلى دمشق ستجعل الأمور تتوجه نحو استعادة سوريا لحضنها العربي".
ساهمت في إعداد التقرير جنفير هولايس