التشدد في ليبيا.. قمع موسيقى الراب والمهرجانات والرقص!
١٦ فبراير ٢٠٢٥كان عاما 2023 و2024 من الأعوام المميزة لموسيقى الراب الليبية، فقد كان عدم الاستقرار السياسي في البلاد، والصعوبات الاقتصادية، والصراعات المستمرة والفساد، والفيضانات المدمرة في مدينة درنة، إضافة إلى عدم وجود أمل حقيقي في تحالف حكومي، عوامل لإنتاج الكثير من الأغاني الجديدة.
ازدهار موسيقى الراب في ليبيا جاء في خضم تساهل السلطات في التعامل مع فنانيها، وفي أغسطس/آب الماضي، وافقت الحكومة في الجهة الشرقية تحت قيادة خليفة حفتر، على إقامة أول مهرجان صيفي في بنغازي بعد 15 عاما.
بالنسبة لمغني الراب ماك منصور أننون المنحدر من بنغازي، كانت هذه هي الفرصة الأولى لتقديم عرض على خشبة المسرح في مسقط رأسه.
منذ ذلك الحين، اجتذبت الحفلات الموسيقية الخاصة بالراب جمهورا أكبر من أي وقت مضى. ومؤخرا قدم الفنان منصور عرضا غنائيا مع نجم الراب الليبي كحلة في مدينة درنة في حفل موسيقي بيعت جميع تذاكره.
لكن، تلك الحفلة كانت الأخيرة، حيث فرضت الحكومة في الشرق، وبعدها حكومة الجهة الغربية، قيودا صارمة على موسيقى الراب. وجاء في بيان صادر عن الحكومة الشرقية: "إن انتشار أغاني الراب، التي تحتوي بعضها على كلمات بذيئة، يخالف القيم الأخلاقية للمجتمع الليبي المسلم".
ومن الآن فصاعدا، يتعين على موسيقيي الراب في الشرق الحصول على إذن مسبق من وزارة الداخلية في بنغازي، في حين سيحصل الفنانون في الغرب على الإذن من وزارة الثقافة في طرابلس.
وسيمكن ذلك الجهتين من التدقيق فيما إذا كان محتوى الأغاني يشجع على الجريمة أو العمل الجنسي أو الانتحار أو التمرد ضد الأسرة أو المجتمع. وبدون هذا الإذن، سيتم منع العروض بشكل صارم في جميع أنحاء البلاد.
وتنطبق القاعدة نفسها أيضا على "العروض المسرحية أو الغنائية أو الرقص أو الغناء في أي مكان أو عبر أي وسيلة". وبحسب وزارة الداخلية في شرق ليبيا، فإن القاعدة الجديدة تتوافق مع دستور البلاد الذي ينص على أن حرية التعبير تنتهي عندما تنتهك الأخلاق العامة وتتعارض مع الدين.
وقالت فيرجيني كولومبير، أستاذة بجامعة لويس غيدو كارلي في روما والمحررة المشاركة لكتاب "العنف والتحول الاجتماعي في ليبيا"، في تصريحات لـ DW: "تضع السلطات في الشرق هذه القيود باعتبارها قواعد مجتمعية إسلامية". وأضافت "يتم ذلك بطريقة ماهرة للغاية، حيث تتأكد السلطات من أن أفراد المجتمع سيقفون إلى جانبها. وهذا يهمش هؤلاء الأشخاص الذين يرغبون في التعبير عن آرائهم بطرق مختلفة، سواء من خلال الفن أو الموسيقى أو السياسة".
الراب.. نافذة تطل على السياسة
يخشى مغنو الراب الليبيون الذين يتناولون في كلماتهم قضايا يمكن اعتبارها "نوعا من التمرد"، من العودة إلى أنماط القمع التي سادت سابقا.
خلال الفترة التي قضاها الدكتاتور معمر القذافي في الحكم، من عام 1969 إلى غاية عام 2011، كانت موسيقى الراب محظورة رسميا. لم يكن هناك سوى وجود سري لبعض الفنانين الليبيين في الخارج.
في الفترة التي سبقت الإطاحة بالقذافي في عام 2011، استخدم مغنو الراب مثل يوسف رمضان سعيد، المعروف باسم إم سي سوات، أغاني الراب لدعوة الشباب إلى الانتفاضة.
في فبراير 2011، أصدر إم سي سوات أغنية "هذه ثورة"، والتي شجع فيها الناس على النزول إلى الشوارع والثورة ضد القذافي. أصبحت الأغنية إلى حد ما نشيد الانتفاضة الليبية وأطلقت عصرا ذهبيا للراب الليبي.
حينها، قال الشاب البالغ من العمر 23 عاما لشبكة سي إن إن الأمريكية، أن أغنيته تصف شعور "لمس الحرية".
عودة القمع
تحولت الانتفاضة إلى حرب أهلية في ليبيا بين فبراير وأكتوبر 2011، وساد الصراع بين القوات الموالية للقذافي والجماعات المتمردة التي قتلته في النهاية خلال ديسمبر 2011.
وجد المواطنون الليبيون ومغنو الراب الذين طالبوا بالديمقراطية والحرية أنفسهم في مسار يعيدهم إلى عهد القمع السابق.
في ديسمبر 2011، أصدر إم سي سوات أغنيته "حرية التعبير" التي يقول فيها "أوهموك أن الثورة نجحت، لكنها فشلت بسبب الفساد". بعد إصدار هذه الأغنية، تحولت حياته إلى حجيم، حسب تعبيره في حديثه مع صحيفة الغارديان البريطانية.
لم تتقبل الجماعات المسلحة استمراره في كتابة أغاني الراب التي يحتج فيها على الفظائع والعنف والفساد بين أنصار قائد الجيش الوطني الليبي، الجنرال خليفة حفتر. انتقدت أغنيته "بنغازيستان" التي أصدرها سنة 2013 الاغتيالات والتفجيرات في بنغازي، مما أثار استياء القوى الحاكمة.
في عام 2014، ساء الوضع السياسي في البلاد مجددا. ومنذ ذلك الحين، انقسمت ليبيا بين حكومتين متنافستين. ظل الجزء الشرقي من البلاد تحت حكم الجنرال خليفة ومجلس النواب في بنغازي، في حين يخضع غرب ليبيا لإدارة حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، برئاسة عبد الحميد دبيبة في طرابلس.
بالنسبة لسوات، كانت أغنيته "استغلال" التي أصدرها عام 2017، والتي سلط فيها الضوء على آلام الأشخاص الذين لا يزالون يتعرضون للاستغلال، هي آخر أغنية يكتبها في ليبيا. حيث فر بعدها إلى إيطاليا، حيث يعيش هناك منذ ذلك الحين. وقال لمجلة ميدل إيست آي حينها "أتمنى كل يوم أن ينتهي كل شيء في ليبيا وأن أتمكن من العودة إلى المنزل ولقاء أمي وأبي".
تأثير الإيديولوجية السلفية
بالنسبة للحقوقيين والمراقبين في مجال حقوق الإنسان، فإن حلم سوات قد يتحقق في أي وقت. وقالت كولومبييه إن "الحظر الأخير على موسيقى الراب ليس مصادفة، بل هو جزء من سياسة أوسع في جميع أنحاء ليبيا". وأضافت: "لقد زادت السلطتان في الشرق والغرب من قمعهما للحريات الشخصية ولأي خطاب يمكن تفسيره على أنه تهديد لسيطرتهما".
وفي نظر الباحثة، فإن تسارع هذا الاتجاه يعود إلى اعتماد السلطتين السياسيتين على أجهزة أمنية وتأثرهما بشدة بأيديولوجية سلفية تتبع قراءة متشددة للإسلام.
أما بالنسبة لمغني الراب الليبيين، فإن كل هذا يعني على الأرجح أنهم لن يتمكنوا من التعبير عن آرائهم علانية بعد الآن، إلا عبر منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتيليغرام ةتيك توك، التي جعلت من السهل جدا مشاركة الأغاني مع المتابعين الليبيين منذ عهد القذافي.
تواصلت DW مع السلطات في الشرق والغرب لأجل الحصول على رد، لكنها لم تتلق إجابة إلى غاية نشر التقرير.
أعدته للعربية: ماجدة بوعزة