استحواذ نخبوي على المناصب القيادية العليا.. حتى في ألمانيا؟
١٣ يوليو ٢٠٢٥
الشعبويون مثل دونالد ترامب يَعِدُون مرارًا وتكرارًا بحماية الشعب من النُخَب. ولكن هل هذه النخب موجودة حقًا؟ وهل تسيطر على كل شيء؟ وما هي العوامل التي تُحدّد من هو الآمر الناهي في المناصب الإدارية لدى الشركات - هل يعتمد ذلك على الأداء، أم أنَّ هناك عوامل أخرى، مثل الخلفية الاجتماعية؟
وللإجابة على هذه التساؤلات فقد راجع الباحث الاجتماعي ميشائيل هارتمان المائة وخمسين عامًا الماضية في ألمانيا، وكشف عن حقائق منها من الذين يتولون المناصب العليا في الشركات الألمانية.
وحول ذلك يقول ميشائيل هارتمان، الأستاذ في جامعة دارمشتات التقنية، إنَّ النتيجة فاجأته: "حتى يومنا هذا، يتم توظيف أكثر من أربعة أخماس النخبة الاقتصادية من بين أعلى ثلاثة إلى أربعة في المائة من السكان".
ويضيف هارتمان أنَّه بالرغم من حدوث تغيير طفيف بين عامي 1907 و1927، حيث تمكن عدد أكبر قليلًا من الأشخاص المنتمين للشريحة الدنيا من السكان، والتي تمثّل نسبة 96 بالمائة، من تحقيق تقدم اجتماعي، "ولكن خلال المائة عام التالية، لم ترتفع نسبة الذين حققوا تقدمًا اجتماعيًا إلا بنحو أقل من نقطتين ونصف بالمائة".
حصة النساء: مزيد من النساء، ولكن "المناسبات"
ومع ذلك توجد منذ سنين برامج تنوُّع لتعزيز التعدُّدية في الشركات. وبحسب مسح استقصائي أجرته شركة بيتكوم هذا العام فإنَّ ثلثي الشركات الألمانية التي تضم على الأقل 500 موظفًا قد وضعت أهدافًا للتنوع، ونحو ثلثها الآخر يناقش ذلك أو يخطط له.
ولكن النخبة ما تزال تفضّل الاحتفاظ بالمناصب القيادية المؤثرة في الشركات. ومع ذلك فقد ارتفعت نسبة النساء في المناصب القيادية خلال الأعوام الأخيرة، كما يقول هارتمان. ويضيف أنَّ الفضل في ذلك يعود قبل كل شيء إلى حصة النساء.
ومع ذلك تنتقد مجموعة أولبرايت الاستشارية حقيقة أنَّ نسبة النساء إلى الرجال ما تزال غير متوازنة. وتقول إنَّ "اختيار الموظفين في المستويات الإدارة العليا بشكل خاص، والتي تلعب فيها الدور الرئيسي رئاسة المجالس الرقابية ورئاسة المجالس الإدارية، ما يزال حكرًا على الرجال تقريبًا. وبشكل عام، كلما ارتفع المنصب يقل عدد تمثيل النساء".
وبشكل خاص النساء اللواتي يصعدن إلى مثل هذه المناصب يتمتَّعن بمكانة اجتماعية أرقى من الرجال، بحسب ما ذكره هارتمان لـDW. وأضاف أنَّ هذا ينطبق أيضًا على الأشخاص ذوي الأصول المهاجرة: "فرضيتي هي في حال وجود 'عائق‘، مثل الجنس أو الخلفية المهاجرة، فيجب أن تكون الخلفية الاجتماعية مناسبة أكثر"، كما يقول هارتمان، ويضيف: "لا يمكن تحمّل وجود 'عائق‘ آخر".
الخلفية الاجتماعية أهم من الأداء؟
أما حقيقة أنَّ المتقدمين للمناصب العليا يتم تفضيل اختيارهم من "الطبقة المناسبة"، فهذا لا يعني أنَّ أداءهم أقل. وذلك لأنَّ التمييز يبدأ فعلًا منذ التعليم. فأطفال الأكاديميين وضعهم أسهل ويحظون بدعم أكبر من أبناء العمال. ومثلًا، يواصل نحو 80 بالمائة من أبناء الأسر الأكاديمية الدراسة في الجامعات، بينما لا تتجاوز هذه النسبة ربع أبناء الأسر غير الأكاديمية، بحسب دراسة أجرتها شركة خدمات الموارد البشرية "بيج جروب" (PageGroup). ومن دون الحصول على شهادة جامعية. من الصعب الوصول إلى أعلى المناصب في مجال الاقتصاد والأعمال، كما يقول هارتمان.
وعند حصول أبناء النخبة على نفس الشهادات الجامعية، يكون مسارهم الوظيفي أسرع وأسهل. لقد قام هارتمان بدارسة مجموعات مختلفة من الأشخاص الحاصلين على درجة الدكتوراه. وتوصّل إلى أنَّ أبناء النجب الإدارية الحاصلين على درجة دكتوراه كانت فرصهم للوصول إلى مجلس إدارة شركة من بين أكبر 400 شركة في ألمانيا أكبر بـ17 مرة من فرص أبناء الموظفين الحاصلين على درجة الدكتوراه نفسها.
وبالتالي إنَّ اختيار الموظفين في أعلى المناصب يعتمد في النهاية على معايير أخرى. ومن الممكن أن تمثّل الطريقة التي يتحدّث بها شخص ما أو كيفية تقديمه نفسه أو هواياته عوامل حاسمة. وحول ذلك يقول هارتمان: "الناس يفضلون التعامل مع أشخاص لديهم اهتمامات مشابهة ويفكرون بطريقة مشابهة ويتحدثون مثلهم". وهذا ما يفعله أيضًا قادة الشركات، الذين يختارون زملاءهم.
أبناء العاملين يزاحمون أبناء الطبقة الوسطى
ولكن فرص أبناء العاملين تطورت خلال العقود الأخيرة بشكل إيجابي أيضًا، كما لاحظ هارتمان. وارتفعت نسبتهم بشكل ملحوظ من مستواها المنخفض جدًا؛ ولكن على حساب أبناء الطبقة الوسطى.
"وبعبارة بسيطة: إنَّ ابن العامل، الذي يحصل على مؤهلات تعليمية عالية، ويكون بالتالي مرشحًا لمناصب عليا في مجال الاقتصاد والأعمال، يزاحم بذلك مثلًا ابن معلم". وبشكل عام إنَّ نسبة أبناء النخب في المناصب القيادية ظلت كما هي.
تبعات القيود الاجتماعية تؤثر على الاقتصاد
وعندما تحدّد خلفية الفرد الاجتماعية مساره المهني فإنَّ هذا تكون له تبعات تؤثر على النمو الاقتصادي. وعدم وجود مرونة اجتماعية في الاقتصاد الألماني يؤدي إلى خسارة سنوية بنحو 25 مليار يورو في نمو الناتج المحلي الإجمالي، بحسب شركة خدمات الموارد البشرية "بيج جروب".
وفي دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، من الممكن أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9 بالمائة، أي ما يعادل 1.3 تريليون يورو، عند تحسين المرونة الاجتماعية، بحسب دراسة أجرتها شركة الاستشارات الإدارية ماكينزي (McKinsey).
المحاصصة: وسيلة لتعزيز المرونة الاجتماعية
وضمن هذا السياق توجد أيضًا الكثير من قصص النجاح، التي تحكي عن الصعود الاجتماعي لرؤساء الشركات. وفي هذا الصدد كثيرًا ما تذكر وسائل الإعلام مثلًا الرئيس السابق لشركة سيمنس، جو كايزر، وهو ابن عامل في مصنع. وحول ذلك يقول هارتمان إنَّ مثل هذه الاستثناءات تتكرر دائمًا: "وتعرضها وسائل الإعلام بشكل متكرر جدًا، بحيث نعتقد أنَّها كثيرة".
ولكن كيف يمكننا النجاح في تحويل هذه الاستثناءات إلى قاعدة؟. يعتقد هارتمان أنَّ هذا ممكن فقط من خلال محاصصة قانونية. ويضيف أنَّ هذه مثل المحاصصة بالرغم من كونها غير مُستحبة كثيرًا: "لكن هذا بحسب تجربتي لن ينجح إلا بهذه الطريقة".
أعده للعربية: رائد الباش