ارتفاع أسعار الكهرباء: هل يهدد الصناعة الألمانية؟

أشعة الشمس تشق طريقها عبر البخار والدخان إلى قاعة المصنع الرمادية في صباح بادر خلال شهر شباط/فبراير، حيث نشعر بدرجات الحرارة دون الصفر حتى في مصنع السبك. ومع ذلك نشعر بالحرارة عند المرور بالقرب من واحد من أحواض السبك هذه، التي يبلغ ارتفاعها نحو مترين.

ويُنقل هنا المعدن المنصهر المتوهج فوق رؤوس العمال إلى المكان الذي يُسكب فيه بقوالب داخل مصنع سبك لوسنيتس، الذي يقع في ولاية ساكسونيا بشرق ألمانيا وينتج لشركة أودي وبي إم دبليووبورشه.

بيد أنَّ مدير مصنع لوسنيتس الإداري ماكس يانكوفسكي قلق على مستقبل موظفيه البالغ عددهم 85 موظفًا، كما قال لـDW: "أشعر مع أسعار الكهرباء الحالية بألم شديد في بطني. وهذا يثير الكثير من المخاوف والقلق".

وجده من قبله كان يدير هذا المصنع، الذي يبلغ عمره 176 عامًا، وقد نجى من الأزمات الاقتصادية والحربين العالميتين. ومع ذلك فإنَّ ماكس يانكوفسكي يشعر بالقلق على المستقبل.

ارتفاع أسعار الطاقة

ومصنع سبك لوسنيتس ليس حالة فردية. وحول ذلك قال لـDW أوفه راينيكه، المدير العام لمصنع الصلب "فيرالبي شتال"، الذي يعمل فيه 850 موظفًا، إنَّه يضطر في بعض الأيام لإيقاف الإنتاج مؤقتًا.

وكذلك قالت لـDW المديرة الإدارية لمصنع إنتاج الصلب "جورجسمارينهوته"، آنه ماري غروسمان، إنَّ موظفيها البالغ عددهم أكثر من 6000 موظف، لم يعودوا ينتجون حاليًا إلا في الليل وعطلات نهاية الأسبوع، وذلك عندما تكون أسعار الكهرباء أرخص.

ومصنع "فيرالبي" وكذلك "جورجسمارينهوته" يستخدمان الكهرباء لصهر الحديد - وهما يحتاجان كميات كبيرة من الكهرباء. وبحسب معلوماتهما فإنَّ مصنع الصلب "جورجسمارينهوته" يستهلك وحده في العام كمية من الكهرباء أكثر مما تستهلكه مدينة يبلغ عدد سكانها 150 ألف نسمة في ألمانيا.

قلب الصناعة

تشكل مصانع إنتاج الصلب ومصانع السكب قلب الصناعة في ألمانيا، لأنَّ هذه المصانع تنتج مادة أساسية مهمة للاقتصاد الألماني: أي المعادن التي تصنع منها السيارات والجسور والسكك الحديدية.

وفي برنامجها "مقياس التحول في إنتاج الطاقة"، قامت غرف الصناعة والتجارة الألمانية (DIHK) في عام 2024 باستطلاع آراء أكثر من 300 مصنع باستهلاك مرتفع من الكهرباء حول تنفيذ التحول في إنتاج الطاقة وحماية المناخ.

وقد أشارت نصف هذه المصانع تقريبًا (45 بالمائة) إلى أنَّها تخطط أو تقوم بتنفيذ خطط لتقليص الإنتاج أو حتى نقله إلى خارج ألمانيا بسبب التكاليف المرتفعة.

أسعار متقلبة

في عام 2022، ارتفع سعر الكهرباء الصناعية كثيرًا. وسعر الكهرباء الصناعية يتضمن تكاليف من بينها رسوم إضافية وضرائب ورسوم الشبكة، التي يتم فرضها مقابل استخدام شبكة الكهرباء.

وألمانيا تنتج الكهرباء أيضًا من محطات طاقة تعمل بالغاز، الذي ارتفع سعره بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022 وانقطاع تصدير الغاز الروسي إلى ألمانيا. ولكن لقد انخفض منذ ذلك الحين سعر الكهرباء الصناعية مرة أخرى، ووصل في الواقع إلى مستوياته قبل الحرب.

غير قادرة على المنافسة دوليًا؟

وأسعار الطاقة في ألمانيا تعد من بين الأعلى عالميًا، كما قال لـDW أخيم ديركس، وهو نائب المدير العام لاتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية. وأضاف أنَّ موقع ألمانيا الاقتصادي يجعلها مع ارتفاع تكاليف الطاقة غير قادر على المنافسة سواء في أوروبا أو على مستوى العالم.

وسعر الكهرباء الصناعية في الولايات المتحدة الأمريكية أرخص بكثير، وقد بلغ هناك في عام 2023 نحو سبعة سنتات، بينما بلغ في ألمانيا نحو 20 سنتًا لكل كيلوواط في الساعة، وفي الصين نحو 8 سنتات، بحسب دراسة أجرتها جمعية الاقتصاد البافارية (vbw).

وعلى مستوى أوروبا، كانت أسعار الكهرباء الصناعية عام 2022 في ألمانيا متوسطة ​​تقريبًا. وكانت المصانع التي تستهلك أكثر من 150 غيغاواط في الساعة تدفع نحو عشرة بالمائة أكثر من المتوسط ​​في الاتحاد الأوروبي. وإذا نظرنا إلى المصانع التي تستهلك من 70 إلى 150 غيغاواط في الساعة في مختلف أنحاء أوروبا، فسنلاحظ أنَّ سعر الكهرباء في ألمانيا متوسط. ولكن الأسعار هذا العام لا توفر أساسًا جيدًا من أجل المقارنة بسبب بلوغها أعلى مستوياتها من خلال الحرب في أوكرانيا.

صعوبة المقارنات

وكما نلاحظ هنا: لا يوجد "سعر ثابت" للكهرباء الصناعية. بل توجد خصومات مختلفة على ضريبة الكهرباء ورسوم الشبكة بحسب الحجم والقطاع الصناعي واستهلاك الطاقة. ومثلًا المخابز الكبيرة في ألمانيا تدفع سعرًا مختلفًا تمام الاختلاف عما يدفه مصنع لإنتاج الحديد والصلب.

والمقارنات الدولية أصعب بكثير. وذلك لأنَّ أسعار الكهرباء للمستهلك النهائي تعتمد دائمًا على القدرة الشرائية في البلد المعني أيضًا، كما يقول الباحث ليونهارد بروبست من معهد فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية: "وعلى سبيل المثال، لا يمكننا مقارنة سعر الخبز في ألمانيا بسعره في بلغاريا"، كما أوضح ليونهارد بروبست لـDW.

وسعر الكهرباء للمستهلك النهائي هو السعر الذي يدفعه المستهلك في النهاية، بما فيه الرسوم الإضافية ورسوم الشبكة والضرائب. والخلاصة هي: يجب النظر بحذر إلى هذه الأرقام، التي لا تقدم سوى نظرة عامة تقريبية.

التطوير المستقبلي

يشير ماكس يانكوفسكي، المدير الإداري لمصنع لوسنيتس، إلى كومة من الفحم الحجري بحجم حاوية أمام قاعة مصنعه. وتغطي السطح الأسود بلورات بيضاء. فهنا ما يزال يتم سكب المعادن بشكل تقليدي.

ولكن يوجد سعر إضافي لاستخدام الوقود الأحفوري في ألمانيا والاتحاد الأوروبي، يعرف باسم سعر ثاني أكسيد الكربون. وهو يزيد أسعار الوقود الضار بالمناخ ويجعل صهر المعادن بالفحم الحجري غير مربح على المدى الطويل.

ولذلك فإنَّ ماكس يانكوفسكي يريد التحول إلى الطاقة النظيفة، لكن أسعار الكهرباء تثير قلقه. وحول ذلك يقول: "نحن نريد هنا في المستقبل صهر المعادن كهربائيًا، ولكن هذا يبدو بالنسبة لي مثل الجري نحو الهاوية". وهم كمصنع متوسط الحجم يحتاجون إلى مزيد من الدعم في التحول، كما يقول ماكس يانكوفسكي.

ومع ذلك، يتوقع ليونهارد بروبست من معهد فراونهوفر لأنظمة الطاقة الشمسية وكذلك سوانتيه فيدلر، المديرة العلمية لمنتدى الاقتصاد السوقي البيئي والاجتماعي، أنَّ تستقر في المستقبل أسعار الكهرباء وتستمر في الانخفاض نتيجة تطوير مصادر الطاقات المتجددة.

ولكن هل يحدث ذلك "في المستقل" بشكل سريع بما يكفي لمصانع مثل مصنع لوسنيتس؟. نحن على موعد في الثالث والعشرين من شباط/فبراير مع الانتخابات الاتحادية، وكثير من الأحزاب تعد بتثبيت قيمة ضريبة الكهرباء ورسوم الشبكة وحتى بخفضها.

أعده للعربية: رائد الباش