إسرائيل ـ انتقادات واتهامات لنتنياهو بـ"المناورة" السياسية
٢٢ مارس ٢٠٢٥شهدت الأيام القليلة الماضية تظاهر آلاف الإسرائيليين للمطالبة بإتمام صفقة جديدة لتحرير بقية الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، وأيضا للتعبير عن غضبهم إزاء "المناورات السياسية" للحكومة الائتلافية اليمينية برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والتي تضم أحزابًا من اليمين المتطرف أيضًا.
وخرج إسرائيليون إلى شوارع القدس الخميس (20 مارس/آذار 2025) للاحتجاج على إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار.
ووافق مجلس الوزراء المصغر على طلب نتنياهو بإقالة بار، معللًا ذلك بـ"استمرار انعدام الثقة" مع المسؤول الأمني. لكن بعد يوم أعلنت المحكمة العليا في إسرائيل تعليق القرار في انتظار مراجعة الاستئنافات التي قدمت إليها ضد عزله.
وأمرت المحكمة، بحسب قرار اطلعت عليه وكالة فرانس برس، "باتخاذ إجراء مؤقت لوقف مفعول هذا القرار (الإقالة) الخاضع للاستئنافات، إلى حين صدور قرار آخر بهذا الشأن".
ولم يشارك بار في جلسة الحكومة التي وافقت على قرار إنهاء ولايته بحلول 10 أبريل/نيسان المقبل، لكنه بدلا من ذلك أرسل رسالة إلى الوزراء يشير فيها إلى التحقيق الجاري الذي يجريه الشاباك مع كبار مستشاري نتنياهو بشأن مزاعم تلقيهم أموالا مقابل العمل لصالح الحكومة القطرية. وحذرت الرسالة من أن الإقالة تفوح منها "رائحة مصالح أجنبية" وتمثل "تضاربًا غير مسبوق في المصالح".
وبدأ الشاباك تحقيقًا الشهر الماضي في اتهامات بوجود صلات بين كبار مستشاري نتنياهو ودولة قطر التي تعد من أبرز الداعمين لحماس خلال السنوات الأخيرة.
مناورات نتنياهو السياسية
كما انتقد المتظاهرون أيضًا استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ، ما أدى إلى إنهاء وقف إطلاق النار الذي استمر نحو شهرين.
وأسفر قرار نتنياهو باستئناف القصف الثلاثاء (18 مارس/آذار) عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين في قطاع غزة، مما ألقى مزيدًا من الشكوك حول إمكانية إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة.
ويرى خبراء أن نتنياهو كان "يناور" منذ أسابيع، حيث وجد نفسه بين تهديدات شركائه في الائتلاف الحكومي من اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة، ما يهدد مستقبله السياسي، وبين مطالب العديد من الإسرائيليين بضرورة عودة الرهائن، وكذلك الوفاء بوعده بإلحاق الهزيمة الكاملة بحماس.
وساد شعور بين الإسرائيليين بأن إقالة بار مرتبطة بتحقيقات الشاباك في الإخفاقات قبل وأثناء هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023.
وتفيد تقارير بأن التحقيقات تشير إلى فشل سياسات نتنياهو في احتواء حركة حماس الفلسطينية الإسلاموية المسلحة، التي تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
وعلى غرار بعض القيادات الأمنية في إسرائيل، تحمل بار مسؤولية فشل الشاباك في منع هجوم السابع من أكتوبر. وقال بار إنه سوف يستقيل قبل نهاية ولايته.
ورغم رغبة معظم الإسرائيليين في خروج بار من منصبه، إلا أنهم منزعجون حيال طريقة إقالته من قبل نتنياهو.
مساع لإقالة المستشارة والمدعية العامة
وكانت غالي بهاراف-ميارا، المستشارة القضائية للحكومة الإسرائيلية، قد عارضت مساعي نتنياهو لإقالة بار.
وشددت المستشارة، وهي أيضا المدعية العامة في إسرائيل، في رسالة إلى نتنياهو، على أنه لا يستطيع أن يطلق مسار إقالة بار "حتى يتم توضيح الأساس الواقعي والقانوني لقرارك بالكامل".
وفي رده، اتهم نتنياهو المدعية العامة في إسرائيل بإساءة استخدام سلطتها، فيما قال مسؤولون إسرائيليون إن بهاراف-ميارا قد يتم إقالتها.
وتواجه بهاراف-ميارا بدورها مذكرة لحجب الثقة عنها من وزير العدل ياريف ليفين الذي قال إن الخطوة تأتي بسبب "سلوكها غير اللائق ووجود خلافات مهمة ومزمنة" بينها وبين الحكومة.
"مصادفة" عودة إيتمار بن غفير إلى الحكومة
قبل أيام، كتب يوآف ليمور، الصحافي في صحيفة "إسرائيل هيوم"، (في 19 مارس/آذار) أن توقيت إقالة رئيس جهاز الشاباك "تفوح منه رائحة السياسة"، مضيفًا "ثمة مصادفة غريبة، فقد عاد إيتمار بن غفير إلى الحكومة بعد استئناف القتال مباشرةً، وبعد وقت قصير من مطالبته (بن غفير) بإقالة بار".
وكان بن غفير قد استقال من منصبه كوزير للأمن القومي احتجاجا على وقف إطلاق النار مع حماس الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/ كانون الثاني. وجاءت عودة بن غفير إلى الحكومة بعد ساعات فقط من استئناف القصف الإسرائيلي.
يُشار إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي يرأس حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، كان قد هدد مرارا وتكرارا بالانسحاب من الحكومة إذا دخلت في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار التي تتضمن الإفراج عن باقي الرهائن المتبقين وعددهم 59 والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من غزة، وإنهاء الحرب بشكل دائم.
وتظهر استطلاعات الرأي دعم الكثير من الإسرائيليين للانتقال إلى المرحلة الثانية.
الجدير بالذكر أن دعم بن غفير وسموتريتش قد عزز من حظوظ حفاظ حكومة نتنياهو على أغلبيتها في الكنيست، قبل التصويت الحاسم على ميزانية الدولة. وفي حالة عدم إقرار الميزانية بحلول 31 مارس/آذار، فسيتم حل البرلمان، مما يؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة.
ورفض نتنياهو مزاعم المعارضة بانخراطه في تكتيكات سياسية، ملقيا اللوم على حماس في انهيار وقف إطلاق النار بسبب "رفضها إطلاق سراح المزيد من الرهائن".
وتقول بعض الأصوات المعارضة إن تحركات نتنياهو الأخيرة جزء من حملة أوسع ترمي إلى تجنب أن يتحمل المسؤولية عن فشل حكومته في منع هجمات السابع من أكتوبر.
ويرفض نتنياهو حتى الآن أي محاولات لتشكيل لجنة تحقيق رسمية، قائلا إنه يتعين القيام بذلك بعد الحرب.
يشار إلى أن استئناف القصف واستراتيجية نتنياهو المتمثلة في ممارسة أقصى قدر من الضغط على حماس، قد بددت آمال العديد من عائلات الرهائن في إطلاق سراح ذويهم.
"أولا يجب عودة الرهائن"
وفي هذا السياق، اتهم منتدى عائلات الرهائن والمفقودين الذي يمثل عائلات الرهائن، الحكومة بالتخلي عن باقي الرهائن وسط اعتقاد أن 24 منهم على الأقل ما زالوا على قيد الحياة.
وانتقد بعض الرهائن الذين جرى الإفراج عنهم، استئناف القصف الإسرائيلي. ومن بينهم هؤلاء يائير هورن، الذي أُطلق سراحه في منتصف فبراير/شباط الماضي، لكن ما زال شقيقه إيتان محتجزا في غزة.
وقال أمام حشد من المتظاهرين "جميع مقاطع الفيديو [الدعائية لحماس] التي شاهدتموها لي ولإيتان ولمتان أنغريست ولغاي جلبوع دلال وإفيتار ديفيد، كانت جميعها تدل على البقاء على الحياة. يحدوني الأمل في ألا تكون الأخيرة بسبب العودة إلى القتال".
وأدلى العديد من الرهائن الذين جرى إطلاق سراحهم خلال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بشهادات تفيد بتدهور أوضاعهم كنتيجةً مباشرة لتصرفات الحكومة الإسرائيلية.
وتحدثوا عن تعرضهم للضرب والتجويع والإيذاء النفسي على يد خاطفيهم من حماس.
وفي حديث إلى DW، قال أحد المتظاهرين "يمكننا التعامل مع حماس لاحقا، لكن أولا يجب عودة الرهائن، فالوقت ينفد أمامهم".
أعده للعربية: محمد فرحان