"أريد حق ابني" ـ مقتل "حسان" يثير غضب التونسيين وفرنسا توضح
٨ سبتمبر ٢٠٢٥جلست أم الفقيد عبد القادر (حسان) الذيبي محاطة بالكثير من النساء في بيتها بحي الزهور في محافظة القصرين، فبعد أيام من الانتظار، وصلت السبت (السادس من سبتمبر/ أيلول 2025) جثة ابنها الذي قُتل في مدينة مرسيليا الفرنسية برصاص الشرطة الفرنسية، ليدُفن بمقبرة الحي، مخلفا لوعة كبيرة ونقاشات حادة حول طريقة مقتله، واتهامات للأمن الفرنسي بالقتل العمد.
أم حسان: "أريد حق ابني"
لم يكن يوم الدفن يوما هادئا، فقد ساد احتقان شعبي بعد وصول جثمان حسان. رافق الجنازة آلاف الشباب من مدينة القصرين، إضافة إلى حقوقيين ونشطاء. في الشوارع تُسمع مطالب بالعدالة، ويستنكر الجميع الأسلوب الذي أودى بحياة حسان.
عبّر المحتجون عن رفضهم الشديد لاستخدام الرصاص الحي ضد ابن الحي، مؤكدين ضرورة فتح تحقيق رسمي من الدولة التونسية في ملابسات الحادث، خصوصا مع تداول فيديوهات يبدو فيها حسان في وضع دفاع عن النفس، حسب البعض.
لم تخف أم الفقيد، حليمة الذيبي، لوعتها وسط الصدمة، فتحدثت لـ DW عربية قائلة: "كيف يجرؤون على قتله بتلك البشاعة؟ أطالب رئيس الجمهورية بالتدخل. أريد محاسبة من قتل ابني وداس على رأسه وهو ملقى على الأرض يسبح في دمائه، على الدولة التونسية أن تتحرك، أنا أريد حق ابني".
غضب رسمي في تونس
من جانها أصدرت وزارة الخارجية التونسية بيانا عبرت فيه عن رفضها لهذا الفعل، ووصفت الحادثة بأنها "قتل غير مبرر"، مؤكدة على ضرورة تحقيق عاجل وشامل من الجانب الفرنسي لكشف الملابسات.
كما تم استدعاء القائم بأعمال السفارة الفرنسية في تونس لتسليمه احتجاجا رسميا شديد اللهجة، وأكدت الحكومة التونسية على ضرورة احترام حقوق الإنسان وضمان محاكمة عادلة تتيح للضحية وأسرته الحق في العدالة.
وبدورها، أعلنت نقابة المحامين التونسيين عن نيتها رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الفرنسية، مع احتمال توجيه قضايا دولية لضمان محاسبة المسؤولين.
تعقيبا على مطالب الخارجية التونسية، قال المحامي عبد المجيد مراري، الذي يشغل منصب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة إفدي الدولية بباريس في حواره مع DW عربية، إنه "في التكييف القانوني، أعتبر أن ما حدث قتل خارج إطار القضاء، خاصة أنه لم يكن هناك شرطي واحد، بل مجموعة من رجال الأمن، كان بإمكانهم تفادي قتل الشاب عبر شل حركته واعتقاله ومحاكمته. والأمن هنا نصب نفسه محل القضاء ومنفذا في الوقت ذاته، وهذا أمر مرفوض حقوقيا".
وفي ظل الخطوات المتخذة من الجانب التونسي، أوضح المتحدث، أن "فرنسا ستكون ملزمة بفتح تحقيق على اعتبار أن لها التزامات بمعاهدات دولية تكفل حق الحياة للأشخاص، وهو ما غاب في هذه القضية".
وأشار المراري إلى أن هناك ما يُسمى بشرطة الشرطة في فرنسا، والتي تتولى فتح تحقيق داخلي في ملابسات قضايا كهذه". موضحا أن "تونس يمكن أن تتخذ إجراءات قانونية مهمة، مثل تقديم شكوى للأمم المتحدة ثم المحكمة الأوروبية، إضافة إلى الضغوط الديبلوماسية التي يمكن أن تمارسها".
وأبرز المتحدث أن أهل وذوي الضحية يمكن أن يتابعوا رجال الشرطة أمام القضاء الفرنسي والأوروبي، بتكليف محامين متواجدين في فرنسا. ويمكن رفع دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض على المستوى المدني والجنائي ضد عناصر الشرطة بتهمة القتل العمد خارج إطار القضاء وشطط في استعمال السلطة".
المدعي العام في مرسيليا يوضح
أما في فرنسا، فالمعلومات الرسمية حول الحادثة صادرة إلى حدود نشر هذا التقرير، عن المدعي العام في مدينة مرسيليا، الذي قال في المؤتمر الصحفي: "إن العمل الإرهابي مستبعد تماما، وأن القضية كانت مرتبطة بعمل انتقامي بسبب طرد الشاب التونسي من الفندق". كما ذكر المتحدث أن الشاب كان "مدمنا على الكحول والمخدرات، وأنه كان عليه أحكام سابقة بسبب اعتداءات وعنف".
أما بالنسبة لعناصر الشرطة الذين أطلقوا النار، فقال المدعي العام في حديثه عنهم إن "المسافة بينهم وبين الشاب التونسي كانت قريبة، ولم يكن من الممكن المجازفة أو استعمال المسدس الكهربائي أو غاز مسيل للدموع. وأن الشرطة نادته مرتين وطلبت منه الاستسلام ولم يستجب".
وبخصوص التحقيق فهو يجري على مستويين حسب وسائل الإعلام الفرنسية: الأول يتعلق بالشجار الذي خاضه الشاب التونسي (مع صاحب الفندق)، والثاني حول تدخل الشرطة بتلك الطريقة".
وبالإضافة لتصريحات المدعي العام وتوضيحاته، نشر الحساب الرسمي لشرطة بوش دو رون الوطنية، منشورا خلال يوم الحادث، متحدثا عن استجابة عناصر الشرطة لحادثة في حي كور بيلسونس في مرسيليا بعد أن تسبب أحد الأشخاص بإصابة عدة أشخاص آخرين".
العائلة تنفي الاتهامات
في مقابلة مع DWعربية، قال عبد الواحد ذيبي شقيق حسان: "شاهدنا الصور والفيديوهات التي تبين مقتل أخي، رأينا كيف طاردته مجموعة كاملة. لو كان إرهابيا حقا، لكان قد قتل الرجل الذي كان بجانبه ويدافع عن نفسه في الفيديو، لكن أخي لم يكن كذلك. كما أن أخي لا يستهلك المخدرات وليس عنيفا. أخي كان يعمل أحيانا ليعيل والدتي التي تعالج".
وأضاف المتحدث "لقد قُتل ظلما، لماذا تم قتله بهذه الطريقة؟ وكيف للشرطة الفرنسية أن تطلق النار عليه هكذا؟ كان بالإمكان استخدام أجهزة الصعق الكهربائي أو وسائل أخرى. عندما وصفه أحد الحاضرين بأنه إرهابي، كان ينبغي عليهم التريث والتحقق، وليس إطلاق الرصاص الحي".
يذكر أن السلطات الفرنسية استبعدت العمل الإرهابي تماما.
أما الناشط المدني وجار الفقيد، فيصل عتوري، فقد أوضح في حديث مع DW عربية أن "حسان كان يقيم في نزل، وأخبر صاحبه بأنه لا يملك المال، لكنه سيدفع عند استلام أجرته. لكن بعد فترة، عاد إلى النزل ووجد أبواب غرفته مكسورة وشخص آخر يقطنها، فحدث شجار. خرج جاري حسان ليدافع عن حقه في المبيت، لكن يبدو أن صاحب النزل استنجد بمعارفه، فتجمعوا ضده، ما دفعه إلى دخول محل جزار وأخذ سكينين للدفاع عن نفسه".
وأضاف المتحدث قائلا: " كيف تقتل الشرطة الفرنسية شابا بهذه البرودة؟ يعاني المهاجرون في الخارج من التعامل العنيف من قبل الأمن الفرنسي. الفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي توضح الحقيقة".
دموع في مطار قرطاج
في بهو مطار تونس قرطاج، حيث تجمع أفراد عائلة حسان انتظارا لوصول جثمانه، سادت أجواء حزينة وخانقة، وبدت حالة الأم أكثر تأثرا.
ابن أخ حسان، محمد ذيبي قال في تصريح لـ DW "لم نكلف محامين لكن هناك من تطوعوا ونشكرهم، عمي تشاجر مع شباب أبلغوا الشرطة الفرنسية بأنه إرهابي وقتل 4 أشخاص. عندما حضرت الشرطة، وجدوه يحمل سكّينين للدفاع عن نفسه. لما قُتل، قال أحدهم بصوت عال "أحسنت يا شرطي". وأضاف "نحن نريد حق عمي فقط، لو كان المتهم فرنسيا، لتعاملت الشرطة معه بشكل مختلف، لكنه تونسي فأطلقوا ست رصاصات عليه ليقتلوه".
"خطأ جسيم من الناحية القانونية والأخلاقية والمهنية"
أوضح المحامي عبد المجيد مراري، في حواره مع DW عربية، أن "استعمال الرصاص الحي رغم توفر وسائل ردع غير قاتلة هو انتهاك جسيم، فهناك مبادئ للأمم المتحدة خاصة باستعمال القوة والأسلحة النارية من قبل الشرطة، تفرض على رجال الشرطة ورجال الأمن أن يخضعوا استخدام القوة لمبادئ أساسية منها مبدأ التدرج والضرورة القصوى والتوازن بين القوة المستعملة والتهديد".
وفي هذه الحالة، يرى الحقوقي، أن المبادئ الثلاثة "لم تُحترم على الإطلاق"، وأن "اللجوء المباشر لاستعمال الرصاص الحي في حالة شخص يحمل سكينا وليس رصاصا حيا في منطق القانون الفرنسي أو الدولي خرق لمبدأ التدرج، ما لم تثبت الشرطة أن حياة المدنيين كانت في خطر".
بالنسبة لمراري، "هذا الحادث المأساوي ليس راجعا فقط لعدم احترام المبادئ، ولكن أيضا لتنامي نوع من التعاطي العنصري مع الأجانب، بحيث أن الشرطة تمر مباشرة إلى التصفية والقتل وهو ما تكرر في حوادث سابقة".
وعدم ارتداء الزي الرسمي أو إظهار شعار الشرطة، "خطأ جسيم من الناحية القانونية والأخلاقية والمهنية" حسب المحامي، على اعتبار أن المبادئ الدولية تفرض تعريف عناصر الشرطة بأنفسهم، "وعدم الالتزام بذلك يُفقد عملهم الشفافية ويُربك المدنيين، لأن الإطار الذي جرت فيه الحادثة كان شجارا مع شباب مسلحين، مما أربك على الأرجح الشاب المتوفى".
أما عن إطلاق النار على الصدر وليس على الأطراف التي قد تشل الحركة دون أن تؤدي إلى الوفاة، فوجده الحقوقي أيضا "تجاوزا خطيرا. فالرصاص على الصدر يستخدم عند الضرورة القصوى، وعندما يكون التهديد قاتلا، وهو يظهر نية القتل رغم أنه كانت إمكانيات أخرى للردع، مما يعزز فرضية خرق التدرج من طرف الشرطة، خلال أي تحقيق قد يُفتح في القضية".
تحرير:ع.ج.م