DW تتحقق..كيف يتدخل إيلون ماسك في الانتخابات الألمانية؟
٢٣ فبراير ٢٠٢٥
إيلون ماسك كان لفترة طويلة "مجرد" رجل أعمال وملياردير، والآن أصبح أيضًا مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. لقد نشر ماسك خلال الحملة الانتخابية الأمريكية الكثير من الادعاءات الكاذبة، التي كان من بينها ادعاءات حول الهجرة وتزوير مزعوم في الانتخابات. وها هو يفعل شيئًا مشابهًا في فترة التحضير للانتخابات الاتحادية في ألمانيا يوم 23 شباط/فبراير.
وماسك يدعم حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الشعبوي اليميني المصنف متطرفًا في بعض الولايات وبعض أجنحته. وقد أجرى على منصته للتواصل الاجتماعي "إكس" حديثًا مباشرًا مع أليس فايدل، رئيسة الكتلة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا ومرشحة حزب البديل لمنصب المستشار، وتم نقله في بث مباشر إلى فعالية انتخابية لحزب البديل من أجل ألمانيا.
وبحسب يان راتيه، وهو كبير الباحثين في مركز الرصد والتحليل والاستراتيجية (CeMAS)، فإنَّ ماسك مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالكثير من الحسابات اليمينية المتطرفة على الإنترنت من خلال التعليقات وإعادة النشر. وكل منشور من منشوراته على موقع إكس يصل إلى ملايين المستخدمين في جميع أنحاء العالم.
ولكن ماذا ينشر إيلون ماسك بالضبط على موقع إكس؟. وللإجابة على هذا السؤال قام فريق تدقيق الحقائق في DW بتدقيق ادعاءين من ملياردير التكنولوجيا ماسك يتعلقان بالانتخابات الألمانية الاتحادية.
ماسك يشارك منشورًا مزيفًا عن تييري بريتون على إكس
الادعاء: نشر إيلون ماسك في 11 كانون ثاني/يناير منشورًا على موقع إكس (مؤرشف هنا) يفترض أنَّ المفوض السابق للاتحاد الأوروبي تييري بريتون اعترف فيه بأنَّ الاتحاد الأوروبي كان مسؤولًا عن إلغاء الانتخابات في رومانيا. وجاء في هذا المنشور: "لقد فعلنا ذلك في رومانيا وسنفعله في ألمانيا إذا اقتضت الضرورة". وقد علق ماسك على ذلك بهذه الجملة: "العبثية المذهلة من @تييري-بريتون بصفته طاغية أوروبا". وحصلت إعادة نشره على أكثر من 21 مليون مشاهدة.
ولكن تحقيق DW أثبت أنَّ هذا الادعاء غير صحيح.
صحيح أنَّ تييري بريتون قال هذه الكلمات في شريط الفيديو، ولكن هذا المقطع تم انتزاعه من سياقه. وهو لا يقصد بما تم فعله في رومانيا إلغاء الانتخابات، بل تطبيق "قانون الخدمات الرقمية" في أوروبا.
ويظهر في الفيديو تييري بريتون كضيف في برنامج "صباح أبولين" على محطة راديو مونت كارلو الفرنسية في 9 كانون الثاني/يناير. وكان من المقرر إجراء الحوار بين إيلون ماسك وأليس فايدل بعد ذلك بوقت قصير على موقع إكس. وفي هذا البرنامج، تحدث تييري بريتون حول ماسك وحقه في "قول ما يريد"، ولكن كذلك حول ضرورة الاهتمام بالتزام ماسك بالقانون في أوروبا.
وقانون الخدمات الرقمية هو مرسوم صدر من الاتحاد الأوروبي بغية منع نشر المحتوات غير القانونية على المنصات الرقمية وبالتالي حماية المستخدمين بشكل أفضل. وتييري بريتون شارك بصفته مفوض الاتحاد الأوروبي آنذاك في صياغة هذا القانون. ورد في موقع "إكس"على ادعاءات ماسك، حيث كتب: "الاتحاد الأوروبي لا توجد لديه أية آلية لإلغاء الانتخابات في أي مكان داخل الاتحاد الأوروبي. وهذا ليس ما قيل في الفيديو أدناه، بل يتعلق بتطبيق قانون الخدمات الرقمية والتزاماته بالإشراف على المحتويات (...)".
ويمكن سماع حديثه كاملًا على موقع RMC وهو يدور حول توترات متزايدة بين إيلون ماسك ودونالد ترامب من جهة والسياسيين الأوروبيين والقوانين الأوروبية من جهة أخرى. وضمن هذا السياق، ذكر تييري بريتون الانتخابات في رومانيا والدور الذي لعبه تيك توك هناك.
والانتخابات في رومانيا أُلغيت بعد الجولة الأولى. وبدأت مفوضية الاتحاد الأوروبي إجراءات ضد تيكتوك بسبب انتهاكات مفترضة لقانون الخدمات الرقمية. ولكن المحكمة الدستورية الرومانية هي التي أعلنت إلغاء الانتخابات، وذلك بعد أن وجدت المخابرات الرومانية أدلة تثبت وجود تلاعب روسي في أماكن منها وسائل التواصل الاجتماعي. علمًا بأنَّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي التي تقرّر بخصوص انتخاباتها، والاتحاد الأوروبي لا يمكنه إعلان إلغاء الانتخابات الألمانية الاتحادية.
والناشر الأصلي لمقطع الفيديو هذا هو حساب "Visegrád 24"، الذي ينشر بانتظام وجهات نظر محافظة وقوموية. ومحتوات هذا الحساب، الذي يوجد لديه 1.3 مليون متابع، تم تصنيفها عدة مرات في الماضي من قبل مدققي الحقائق على أنَّها مزيفة أو مضللة.
رسم بياني مشوَّه فيه أخطاء حسابية
الادعاء: "يا للهول"، كتب ماسك في 9 كانون ثاني/يناير على موقع إكس حول رسم بياني عنوانه "في ألمانيا يشارك الأفغان والباكستانيون في جرائم الاغتصاب بنسبة 16 مرة أكثر من المواطنين الألمان" (مؤرشف هنا). ومن المفترض أنَّ هذا الرسم البياني العمودي يظهر مدى احتمال تورط أشخاص من جنسيات مختلفة في جرائم الاغتصاب بألمانيا.
ولكن تحقيق DW أثبت أنَّ هذا الادعاء خاطئ.
وبعد سؤالنا المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA) وخبير علم الإجرام رالف كولبيل، تبيَّن أنَّ الأرقام المدرجة في الرسم البياني تم ربطها ببعضها هنا على نحو غير مقبول وتم تفسيرها في النهاية بشكل خاطئ.
وهذا الرسم البياني تم نشره في 6 كانون ثاني/يناير من قبل حساب (مؤرشف هنا)، يعرض بانتظام بيانات حول الهجرة والجرائم في أوروبا. وكذلك يربط الرسم البياني بيانات من المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية مع بيانات من مكتب الإحصاء الاتحادي من عام 2017 إلى عام 2021.
يقوم المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية بإعداد مجموعة بيانات سنوية في إحصائيات الجرائم التي تسجلها الشرطة (PKS) في ألمانيا. وتشير أرقام هذه الإحصائيات إلى أشخاص من جنسيات مختلفة يشتبه في ارتكابهم جرائم اغتصاب واعتداء جنسي. وبالتالي فإنَّ هذه الأرقام لا تشمل فقط المشتبه بارتكاهم جرائم اغتصاب، كما يشير عنوان الرسم البياني، بل تشمل أيضًا المشتبه بارتكابهم اعتداء جنسي.
وكذلك من المهم التنويه إلى أنَّ هؤلاء الأشخاص مشتبه بهم فقط، وليسوا مجرمين مدانين. وبالإضافة إلى ذلك يقول رالف كولبيل، أستاذ علم الإجرام في جامعة لودفيغ ماكسيميليان في ميونيخ، إنَّ "معدل براءة المتهمين في ارتكاب جرائم جنسية أعلى بكثير مما هو عليه في الجرائم الأخرى، ولذلك يجب التعامل مع بيانات الشرطة بتحفظ خاص".
وكذلك يجب عند مقارنة المجموعات السكانية أن نأخذ بعين الاعتبار اختلاف تركيبتها. إذ أنَّ نسبة الرجال في مجموعة السكان الأفغانية أعلى بكثير بالمقارنة مع مجموعة السكان التي تحمل الجنسية الألمانية. كما أنَّ "الجرائم الجنسية عادة ما يرتكب معظمها رجال"، يان راتيه.
وردًا على سؤال من فريق تدقيق الحقائق #Faktenfuchs، كتبت لنا متحدثة باسم المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية: "يمكن حساب نسبة عدد المشتبه بهم من مجموعات سكانية معينة إلى العدد الإجمالي لنفس المجموعات السكانية عندما تكن الأرقام المقارنة متساوية".
غير أنَّ أرقام مكتب الإحصاء الاتحادي تشير فقط إلى أشخاص مقيمين في ألمانيا. أما إحصائيات الجرائم التي تسجلها الشرطة فتشمل المشتبه بهم غير المقيمين في ألمانيا، مثل السياح أو المسافرين عبر ألمانيا.
وأخيرًا يرى المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية أنَّ النسب المزعومة في الرسم البياني "غير صحيحة". وبالتالي فإنَّ هذا الرسم البياني يعرض احتمالًا محسوبًا بشكل غير صحيح لإظهار أنَّ أشخاصًا من جنسيات معينة يرتكبون أغلب جرائم اغتصاب.
شارك في إعداد هذا التقرير: إينيس آيزيله. وتم إعداده ضمن إطار التعاون بين فرق تدقيق الحقائق في القناة الأولى الألمانية وقناة بي إر 24 وقناة DW.
أعده للعربية: رائد الباش