100 يوم على حكومة ميرتس .. تحولات في السياسة الألمانية
١٣ أغسطس ٢٠٢٥عندما اجتمع البرلمان الاتحادي الألماني (بوندستاغ) في 6 أيار/مايو لانتخاب زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرتس، مستشارًا لألمانيا، تحدَّث بعض المراقبين عن "الفرصة الأخيرة" للديمقراطية الألمانية. وقالوا إن حدوث صراع يدوم سنوات، مثل الصراع الذي شهدته الحكومة السابقة المكونة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر والحزب الديمقراطي الليبرالي، قد يُمزّق المجتمع نهائيًا ويؤدي إلى صعود اليمين الشعبوي وزيادة الغضب من النخب السياسة إلى مستويات لا تُطاق.
وفي الانتخابات الاتحادية في شباط/فبراير 2025، تمكن حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)، اليميني المتطرف في بعض أجنحته، من مضاعفة نتيجته أخيرًا بحصوله على 20.8 بالمائة من أصوات الناخبين. والآن أراد المحافظون من حزب فريدريش ميرتس والاشتراكيون الديمقراطيون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي العمل معًا لضمان الهدوء والموثوقية. ولكن البداية فشلت فشلاً ذريعًا: فقد خسر فريدريش ميرتس في البداية التصويت على منصب المستشار. وكانت تنقصه ستة أصوات من حزبه، وهو أمر لم يحدث قبل ميرتس قط لأي مرشح لمنصب المستشار. ولكن في الجولة الثانية تم انتخابه مستشارا جديدا لألمانيا في 6 أيار/مايو 2025.
حضور على الساحة العالمية ولكن غالبًا غير دبلوماسي
وعلى مدى المائة يوم منذ ذلك الحين، كان ميرتس حاضرًا قبل كل شيء في السياسية الخارجية. فبعد انتخابه بفترة قصيرة، قام بزيارة رفيعة المستوى إلى أوكرانيا برفقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، وأكد تضامنه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وفي بداية حزيران/يونيو، زار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وحظي بمعاملة طيبة على العكس من زوار آخرين كثيرين.
وكذلك ترك ميرتس انطباعًا جيدًا في قمتي الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وأثار ضجة أحيانًا باختياره غير الدبلوماسي لكلماته، مثل تصريحه بعد الهجوم الإسرائيلي على إيران في 13 حزيران/يونيو: "هذا هو العمل القذر الذي تقوم به إسرائيل نيابة عنا جميعًا. نحن أيضًا نعاني من هذا النظام. نظام الملالي جلب الموت والدمار إلى العالم بهجمات واغتيالات وسفك للدماء من خلال حزب الله وحماس".
ولكن قبل ذلك، انتقد ميرتس إسرائيل بشكل صريح غير معتاد، وقال إنَّه لم يعد يفهم ما هي الاستراتيجية التي يتبعها الجيش في عملياته داخل قطاع غزة. لقد تحدث ميرتس كثيرًا حول قضايا السياسة الخارجية لدرجة أنَّ وزير خارجيته، يوهان فاديفول، غالبًا ما كان يتراجع إلى خلفية المشهد.
تشدّد في سياسة الهجرة
أما على صعيد السياسة الداخلية فقد ركزت الحكومة الجديدة منذ البداية على مسألة الهجرة: ومن خلال رفض دخول المهاجرين وإعادتهم عند الحدود، أراد وزير الداخلية الجديد ألكسندر دوبرينت (من الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري)، الحد من الهجرة غير النظامية. وحتى من خلال رفض طالبي اللجوء وإبعادهم عن ألمانيا، وهو عمل ينتهك قانون الاتحاد الأوروبي، بحسب رأي العديد من المنتقدين.
وبعد أن أعادت ألمانيا فرض الرقابة والتفتيش على حدودها مع بولندا، ردت بولندا من جانبها بالمثل، مما أدى إلى اختناقات مرورية طويلة على جانبي الحدود. ودافع دوبرينت كثيرًا عن سياسة الهجرة التقييدية قائلًا: "أوروبا منطقة منفتحة على العالم. والاتحاد الأوروبي منطقة منفتحة على العالم. وسنظل كذلك. لكننا لا نريد أن تقرّر عصابات التهريب الإجرامية من يدخل إلى منطقتنا. نحن نريد أن تحدد القرارات السياسية الطرق القانونية للدخول إلى أوروبا، وألا نتركها للعصابات الإجرامية".
ديون جديدة بقيمة تريليون يورو
أثارت الحكومة الجديدة ضجة كبيرة حتى قبل توليها مهامها: فقد شكلت مع حزب الخضر أغلبية الثلثين في البوندستاغ وألغت القواعد الألمانية الصارمة لكبح الديون. وبالتالي ستتوفر لدى ألمانيا في السنين القادمة 500 مليار يورو إضافية لإعادة تسليح الجيش الألماني، و500 مليار يورو أخرى لتجديد البنية التحتية والطرق والسكك الحديدية والمدارس وحماية المناخ.
وهذا مع أنَّ ميرتس والمحافظين كانوا قد وعدوا خلال الحملة الانتخابية بالالتزام بقواعد كبح الديون. وحول ذلك قال في البوندستاغ وزير المالية الجديد لارس كلينغبايل، من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إنَّ "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وصندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية ومجموعة السبع - جميعهم دعوا ألمانيا مرارًا وتكرارًا في السنين الأخيرة إلى زيادة الاستثمار وجعل قواعد الاقتراض أكثر مرونة. وحتى الآن كان ذلك غير ممكن. ولكننا هنا في البرلمان أزلنا أخيرًا هذه القيود، وأصبحنا نستثمر في مستقبل بلدنا أكثر بكثير من السابق".
استطلاع من DW حول بداية الحكومة الجديدة
أجرت DW (دويتشه فيله) الأسبوع الماضي استطلاع رأي عشوائي في شوارع برلين حول السؤال: كيف وجد الناس بداية الحكومة الجديدة؟. وأجاب شاب: "الأمور تتقدم إلى الأمام وأتمنى أن تستمر على هذا النحو". وقالت شابة: "يجب أن أقول بصدق إنَّني لم أنتخب ميرتس ولن أنتخبه". بينما قال رجل مسن حول الديون الجديدة الكثيرة التي اقترضتها الحكومة: "أعتقد أنَّه عمل سيء عندما يتم نكث الوعود المقدمة قبل الانتخابات". وأخيرًا قال شاب: "أنا لست من المعجبين كثيرًا بالحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي ولم أنتخبهما أيضًا، ولكنني آمل أن يتمكنا من الحافظ على ألمانيا".
خلاف حول علم قوس قزح
واتضح خاصة خلال الأسابيع الأخيرة أنَّ الحكومة باتت متأثر من جديد بآراء محافظة: فقد كان علم قوس قزح يرفرّف دائمًا في الأعوام السابقة فوق مبنى البرلمان في مسيرة "كريستوفر ستريت داي" لدعم مجتمع الميم، لكن هذه المرة منعت ذلك رئيسة البوندستاغ الجديدة يوليا كلوكنر (من الحزب المسيحي الديمقراطي). مما أثار انتقادات كثيرة، على الرغم من أنَّ كلوكنر سمحت برفع علم قوس قزح في اليوم العالي لمناهضة رهاب المثلية في 17 أيار/مايو.
ولذلك سارع ميرتس مجددًا ليساعد رئيسة البرلمان بتصريح اختار فيه كلمات جريئة: "البوندستاغ طبعًا ليس خيمة سيرك يمكن أن يرفع عليها أي علم. يوجد يوم واحد في السنة، هو 17 أيار/مايو، يُرفع فيه علم قوس قزح. وفي جميع الأيام الأخرى يُرفع العلم الألماني والعلم الأوروبي فوق البوندستاغ الألماني".
خلاف حول قضاة المحكمة الدستورية الاتحادية
وعلى الرغم من هذه الجدالات فقد سار عمل الحكومة في البداية بهدوء - حتى اليوم الأخير في البوندستاغ قبل عطلته الصيفية: فقد كانت الحكومة تريد التصويت على تعيين عدد من المرشحين كقضاة جدد في المحكمة الدستورية الاتحادية. وفي الماضي كانت الأحزاب الحاكمة تحاول دائمًا شغل المناصب المهمة بالتراضي ومن دون خلافات، وذلك حتى لا تضر بسمعة أعلى محكمة ألمانية. ولكن هذا لم ينجح هذه المرة:
فقد رفض الكثير من النواب المحافظين التصويت لصالح مرشحة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، القانونية الشهيرة من مدينة بوتسدام، فراوكه بروسيوس-غيرسدورف. وقبل ذلك تم التحريض ضد هذه المرشحة، خاصة في قنوات التواصل الاجتماعي اليمينية. وبعد إلغاء عملية الانتخاب، تحدث الحزب الاشتراكي الديمقراطي عن خرق خطير للثقة.
ومن المؤكد أنَّ هذا الخلاف سيهيمن أيضًا على فترة ما بعد العطلة الصيفية، لأنَّ الحزب الاشتراكي الديمقراطي ما يزال مصرًا على مرشحته. وحاليًا يلقي الخلاف حول قضاة المحكمة الدستورية الاتحادية بظلاله على سجل عمل الحكومة بعد مائة يوم من توليها مهامها.
أعده للعربية: رائد الباش / تحرير: صلاح شرارة