ولاية برلين بين مطرقة الديون وسندان الإصلاحات
٢٠ أكتوبر ٢٠٠٦رفضت المحكمة الدستورية الألمانية التي يوجد مقرها في مدينة كارلسروه الدعوى التي رفعتها ولاية برلين ضد الحكومة الاتحادية لمنحها مساعدات مالية فدرالية. قرارتلقته الولاية المذكورة بمرارة شديدة لكنه لقي ترحيب من عدد من الدوائر السياسية الأخرى في ألمانيا التي اعتبرت أن قرار المحكمة يضع حدا للتبذير المالي السائد في ولاية برلين ويقفل الباب أمام الولايات الألمانية الأخرى التي ربما ترغب بدورها في الاستنجاد بالحكومة الفدرالية لسد ثغراتها المالية والتخفيف من ديونها.
وحملت المحكمة الدستورية ولاية برلين كامل المسؤولية عن الوضع المالي المتأزم الذي تشهده المدينة. ويقارب حجم الديون المستحقة على ولاية برلين ب 61 مليار يورو، تلتهم الفوائد المقترنة بتلك الديون نحو 10 في المائة من ميزانية المدينة. لكن المراقبون السياسيون يشيرون إلى أن الخاسر الحقيقي في تلك القضية هو المواطن الألماني فهو من يدفع في الأخير ثمن أخطاء ساسته ويتحمل تبعات سياسة التبذير.
التقليل من النفقات بدل المساعدات
غياب سياسة مالية حكيمة وسوء التدبير المالي يقفان في نظر المحكمة الدستورية وراء الأزمة المالية التي تعيشها مدينة برلين التي تشهد خزينتها حالة إفلاس. وعلل قضاة المحكمة قرارهم بأنه طبقا للدستور الألماني يُمنع تقديم المساعدات المالية الفدرالية للولايات إلا في حال ثبوت عجز مالي جد حاد مقارنة مع باقي الولايات الألماني الأخرى، بشكل يسمح بإعلان حالة طوارئ. عندها تكون الحكومة الفدرالية، حسب رأي قضاة أعلى هيئة قضائية في ألمانيا، مجبرة على تقديم معونات مالية للولاية المتضررة. غير أن المحكمة لا ترى في تراكم الديون والأزمة المالية التي تعاني منها مدينة برلين سببا مقنعا لإعلان تلك الحالة. فالمدينة ما زالت في نظرهم تملك الكثير من الإمكانيات لتجاوز تلك الأزمة. لذا اقترح القضاة على المسئولين السياسيين في المدينة التقليل من نفقاتهم، مشيرين إلى أن الولاية تنفق الكثير من الأموال في مجال العلوم والأنشطة الثقافي والجامعات. لذا ارتأت المحكمة أن نهج سياسة تقشف بالإضافة إلى بيع الأملاك العمومية التي توجد في حوزة المدينة من شأنها أن توفر سيولة نقدية مهمة يمكن استثمارها في التقليل من مديونيتها.
تحفظات ولاية برلين...
غير أن حكومة ولاية برلين، وهي حكومة ائتلاف يشارك فيها الحزب الاشتراكي الديموقراطي والحزب اليساري، وجدت نفسها رغم كل خطط التقشف غير قادرة على حل مشاكلها المالية دون حصولها على مساعدات فدرالية. وانتقد عمدة المدينة كلاوس فوفريت (الحزب الاشتراكي الديموقراطي) في معرض حديثه لراديو برلين- براندنبورغ اقتراحات التقشف التي اقترحتها المحكمة الدستورية. واعتبر بأن الوضع الاجتماعي الذي تعيشه العاصمة الألمانية لا يسمح بتقليص الدعم المالي لرياض الأطفال أو نقص الأموال مخصصة لدعم التعليم والجامعات لأن ذلك سيكون له انعكاسات سلبية تماما. فوفريت اعتبر كذلك أن المحكمة لا تملك رؤية واضحة للوضع المالي المتأزم للمدينة بقدر ما تملكها حكومته مشيرا في نفس الوقت إلى تناقض المطالب الموجهة إلي المدينة. ففي الوقت الذي تقترح عليه المحكمة الدستورية تقليص دعم الدولة لمشاريع ثقافية واجتماعية كانت حكومته محط انتقادات بسبب عدم تخصيصها دعم مالي كاف للجامعات. ومن جانبه أعرب رئيس فرع النقابة الفدرالية الألماني في برلين- براندنبورغ، ديتر شولت، عن تحفظه تجاه قرار المحكمة واعتبره "قرارا غير واقعي". وعزى شولت انتقاداته لذلك القرار بأن شطب مزيد من الدعم المالي سيقود إلى تردي الأوضاع الاجتماعية واتساع فجوة الفوارق الطبقية خصوصا إذا ما تم الأخذ بعين الاعتبار أن مدينة برلين تأوي ما لا يقل عن 600 ألفا من الفقراء.
...وترحيب سياسي واسع
مُنيت الدوائر السياسية في حكومة ولاية برلين بخيبة أمل كبيرة بعد قرار المحكمة الدستورية وصفه حزب الخضر بمثابة صفعة على وجه عمدة المدينة كلاوس فوفرت. لكن ذلك القرار لقي ترحيب من باقي رؤساء وزراء الولايات الألمانية كان على رأسهم رئيس وزراء حكومة ولاية شمال الراين وستفاليا يورغن روتغرس (الحزب المسيحي الديموقراطي). واعتبر روتغرس أن حكم المحكمة ينطبق مع الموقف الذي تتبناها ولايته. ذلك الموقف يُؤيد المبدأ الداعي إلى أن تتحمل كل ولاية مسؤولية حل المشاكل العجزها المالي دون تدخل الحكومة الفدرالية. أما الحزب الليبرالي الديموقراطي فقد طالب من جهته ولاية برلين الشروع في القيام بإصلاحات إدارية عاجلة وواسعة بغية التقليل من عدد العاملين في الإدارة العمومية وخفض الأعباء المالية الملقاة على عاتقها. وانضم رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية، إريك شفيته، بدوره إلى الأصوات المطالبة بالإصلاح، حيث دعا إلى وضع برنامج اقتصادي ومالي جديد كفيل بإخراج المدينة من مشاكلها المالية. أما رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي في منطقة برلين ميشايل ميلر فقد حاول أن يبرز بعض الجوانب الإيجابية لقرار المحكمة باعتبار أن ذلك الحكم يكرس في مضمونه مبدأ الفدرالية الذي يضمن استقلالية الولايات الألمانية في تدبير شؤونها وتطبيق برامجها السياسية. غير أنه استبعد أن تشرع حكومة ولاية برلين في بيع الأملاك العمومية التي تضم أزيد من 270 ألف مسكن لحل مشاكلها.