ميداليات ذهبية ولو على جثث هامدة
لم تكن نجاحات الرياضيين في ألمانيا الشرقية مناسبة للفخر على مستوى البلاد وحسب، فقد أراد النظام السياسي الشرقي/ النظام الشيوعي من خلالها القول أنه قوي ولديه أفضل اللاعبين والمدربين. لكن البطلة العالمية السابقة في رياضة الرماية بيرغيت بوزي تعيش حتى هذه الأيام تبعات سعي هذا النظام للحصول على الميداليات الذهبية بأي ثمن كان. بوزي البالغة من العمر 43 عاما تحتاج إلى عكاز من أجل الحركة في منزلها، وهي لا تستطيع التنقل من مكان إلى آخر بأية وسيلة نقل عامة كانت أو خاصة لأن أي نوع من الإجهاد يرفع ضغط الدم لديها. ويجب عليها أخذ مورفين مرتين في اليوم من أجل العودة إلى وضعها الطبيعي إضافة إلى حق الأنسولين بسبب مرض السكر. كما أن الكبد والكليتين لا تعمل بشكل جيد.
منشطات لإعداد لاعبي الأولمبياد
أمراض اللاعبة بوزي وأمثالها ليست وراثية وإنما بسبب المنشطات الرياضية التي كان عليها تعاطيها منذ الصغر. كانت تزور مع زملائها مدرسة خاصة حيث كان التدريب على مدى 10 ساعات يوميا و6 أيام في الأسبوع. هناك كانت إدارة المدرسة تعطيهم المنشطات. وعندما كانوا يسألون عن ماهيتها كان الجواب دائما " تناولها ولا تسأل". وبعد فترة من الزمن قالوا لهم بأنها فيتامينات ومواد طبيعية من أجل الحفاظ على الصحة واللياقة البدنية حسب ما ذكرته اوزي في مقابلة مع دويتشه فيله. لكن وبعد فترة قصيرة بدأت تظهر أعراض العقاقير على أجساد الرياضيين إذ بدأ صوتها مثلاً بالتضخم. وقد اعتقد بعض من كان يتصلون بها أنهم يتكلمون مع أخيها، كما برزت عضلات جسمها بشكل غير متناسق. الجدير ذكره أن بوزي واحدة من بين 10 آلاف لاعب أولمبي تدربوا في ألمانيا الشرقية. وهم يعانون من أعراض تعاطيهم للمنشطات الرياضية. أما إنتاجها فكان يتم من قبل شركة يينافارم لصناعة الأدوية Jenapharm الواقعة في مدينة يينا في ألمانيا الشرقية سابقا.
دعوى مشروعة وإنسانية
يعكف العديد من الرياضيين أمثال بوزي على رفع قضية إلى المحكمة من أجل المطالبة بتعويضهم عن هذه اضرار تناول المنشطات. وتقوم مجموعة من المحامين على صياغة الدعوى بهدف التعويض على 160 لاعب رياضي سابق. وسيقوم هؤلاء برفعها ضد شركة أدوية يينافارم. ويبرر محامي الدفاع سفين لايستيكوف ذلك بقيام الشركة بمساعدةالنظام كونها صنّعت المنشطات. ويتوقع أن يطلب المحامون تعويضاً منها بقيمة 3.2 مليون يورو إضافة إلى تغطية تكاليف الأدوية والعلاج. من جهتها تقول اللاعبة بوزي أن رفع دعوى ضد يينا فارم ليس قانونيا فحسب، فهو أيضاً مسألة إنسانية كونه محاولة لإعادة الحياة الطبيعية لأولئك المتضررين من المنشطات. يذكر أن هؤلاء يمارسون أعمالاً خفيفة نظرا لسوء وضعهم الصحي الأمر الذي يعني تقاضيهم لرواتب بسيطة لا تكف لتحمل أعباء العلاج الطبي.
ثمن النجاح الباهظ
حصلت ألمانيا الشرقية على عدد كبير من الميداليات خلال الفترة من 1972 إلى 1988، إذ بلغ عددها 384 ميدالية. غير أن الرياضيين دفعوا ثمناً باهظاً لهذا النجاح كونه جاء إلى حد كبير بفعل المنشطات التي تناولوها والتي بلغ عددها حوالي 2 مليون قرص منشط سنوياً خلال عقدي السبعينات والثمانينات. وقد كلف هذا الكم من العقاقير العديد من الرياضيين حياتهم كما في حالة الرياضي جورج سيفر. فقد جاء في الرواية الرسمية حول أسباب وفاته أن قلبه لم يعمل بشكل طبيعي مما أدى إلى غرقه. غير أن الحقيقة على خلاف ذلك إذ تبين لاحقاً أن سبب الموت يعود إلى تلف كبده بسبب العقاقير.
إعداد زاهي علاوي