منافسة شرسة بين مرشحي الحزب الوطني في انتخابات الإعادة بمصر
٥ ديسمبر ٢٠١٠بدأت جولة دويتشه فيله في تمام العاشرة بالتوقيت المحلي(الثامنة بالتوقيت العالمي)من صباح اليوم الأحد (05ديسمبر/كانون الأول)من مدرسة رمسيس الابتدائية بمنطقة نزلة السمان في حي الهرم بمحافظة الجيزة، حيث انتصبت أمامها معدات تصوير قناة "النيل"الإخبارية الحكومية، ورغم ندرة الناخبين وملل المندوبين الذين يتبعون جميعهم مرشحي الحزب الوطني (الحاكم)الثلاثة فإن التواجد الأمني المكثف بأزياء رسمية ومدنية دفعهم للتشكك في أي قادم مجهول الهوية.
تحقق مندوب أمن الدولة من هوية مراسل دويتشه فيله، بطريقة حادة وعدوانية وسجل بياناته للتحقق منها في ظل أجواء تهديدية غير مبررة، وعلى العكس أدلى لواء وحدة الحراسة بأنه ممنوع قانونا أن يتحدث للإعلام بما فيه التلفزيون الحكومي. وأمام "اللجنة" وهي عبارة يطلقها المصريون على مكتب الاقتراع، يتحرك أنصار المرشحين الثلاثة، وهم أحمد سميح علي مقعد الفئات منفردا بعد انسحاب خالد الأزهري مرشح الإخوان، ومحمد أبو صليب وعبد الناصر الجابري علي مقعد العمال، والثلاثة من مرشحي الحزب الحاكم.
دائرة انتخابية "فوق العادة"
مضت الساعة الأولى، ولم يكن قد ظهربعدُ أي ناخب أمام "اللجنة"، وفي هذه الأثناء اقترب من مراسل دويتشه فيله، ناصر أبو لؤي وهو عضو قاعدي بالحزب الوطني ويعمل في مجال السياحة، ودار الحديث معه في مقهي مجاورلمكتب الاقتراع ، وبعد تعارف تخلله استعراض سريع لنفوذه المحلي أوضح عضو الحزب الحاكم لمراسل دويتشه فيله، أن عدد ناخبي الدائرة يبلغ نحو 112 ألف ناخب، يتوزعون بين كتلتين كبيرتين، الأولي هي منطقة العمرانية (تضم شياخات الطالبية والعمرانية والكنيسة)، والثانية هي منطقة نزلة السمان (المريوطية والكوم الأخضر والنزلة)، وتضم الكتلة الأولي نحو 70 ألف صوت، وإليها ينتمي المرشح أحمد سميح الذي نجح فعليا بعد انسحاب مرشح الإخوان، والثانية ينتمي إليها المرشحان، أبو صليب والجابري.
وفي الانتخابات الماضية عام 2005 اجتذبت نزلة السمان عددا كبيرا من المرشحين، لكن التقسيم الإداري الجديد الذي أدخل العمرانية (من دائرة بولاق) إلى دائرة الهرم أضطر الحزب لمراعاة تلك التركيبة الانتخابية الجديدة فخرج مقعد من نزلة السمان. وتخضع نزلة السمان لنفوذ ثلاثة عائلات كبيرة تعمل وتتشابك مصالحها مع عائلات أخرى فرعية في مجال السياحة، حيث تشتهر المنطقة بكونها منطقة لخدمة سائحي الهرم وأبو الهول، بازارات بيع المستنسخات الفرعونية ومناطق تربية الخيول وتأجيرها.
ترضيات علي حساب الناخبين
وأمام "اللجنة" (مكتب الاقتراع) تواجد طارق سلومة صاحب شركة "ممنون للسياحة" وهو يدعم المرشح، الجابري، وذلك مقابل دعم هذا الأخير لمرشح الحزب في الدورة المنقضية مجدي خطاب، وقد وصل خطاب بالفعل للاطمئنان علي دعم عائلات المنطقة لأحمد سميح الذي يراه جمال إبراهيم أمين وحدة العمال بالدائرة مفروضا على أهالي نزلة السمان. ومن جهته يلاحظ الحاج جمال- كما يناديه رواد المقهى، أن نجاح المرشح سميح يأتي لترضيته بعد تخلي الحزب عنه فى انتخابات مجلس الشورى الماضية أمام رئيس حزب الغد موسى مصطفي موسى الذي ساعده الحزب على الفوز بمقعد نيابي، نكاية في أيمن نور زعيم حزب الغد المعارض.
وأمام "لجنة" مدرسة الحلمية الابتدائية بمنطقة مشعل في حي الهرم، بدت مكاتب الاقتراع خالية حتى من اليافطات الدعائية، كحال شارع الهرم الرئيسي، وتقريبا دون ناخبين، ويوضح أبو لؤي الأمر قائلا إن الناخبين سيتوافدون بأعداد كبيرة بدءا من الثالثة ظهرا، بعد أن ينته العاملون في الأنشطة السياحية من أعمالهم، ثم تتصاعد وتيرة إقبال الناخبين وصولا إلي ذروة يتوقعها قبل إغلاق الصناديق بنصف ساعة.
"لا أمل في الحزب الوطني"
ورغم هيمنة الروابط العائلية النافذة بخلفياتها الاقتصادية فإن الأمور تنفلت في بعض الأحيان، فعلاقات النسب بين العائلات تتداخل، وأحيانا ما يواجه أعضاؤها بعضهم البعض أو تفرض ولاءات المصلحة المباشرة أثرها علي الولاء العائلي. ويفسر أبو لؤي فوز مرشح "الإخوان" في الجولة الأولى إلى تفتت الأصوات في دائرة العمرانية، وتصويت الناخبين بشكل عقابي لإسقاط أعضاء الحزب الوطني الذين لم يخدموا أحدا في الدورة الماضية، ومن بين هؤلاء الناخبين، الحاج عرفة كامل (50 عاما) وهو يعمل في بازار سياحي.
إلتقى مراسل دويتشه فيله الحاج عرفة كامل أمام "لجنة" مدرسة العمدة الانتخابية بمنطقة الكوم الأخضر، ولم يكن يتواجد أمام المدرسة إلا أفراد الأمن، وقام ضابط مباحث أمن الدولة بتفتيش المراسل في الشارع. وعلى الناصية القريبة ظهر الحاج عرفة قائلا:"سأصوت فقط لإفساد صوتي حتي لايزوروه، أنا من عائلة فقيرة في نزلة السمان، لا أملك عشرة الآف جنيه كي أدفعها رشوة لإدخال الكهرباء لشقتي، لقد طلب مني بلطجية، يعملون لحساب النائب الحالي للدائرة، رشوة لتسهيل دخول الكهرباء فالمنطقة أثرية وممنوع تطويرها أو البناء الجديد فيها"وأضاف الحاج عرفة:"لا السابقون ولا اللاحقون من مرشحي الحزب الوطني يخدمون أحدا، وأغلبية عائلات النواب في غنى عما يحتاجه فقير مثلي، فهم لايحتاجون مستشفي حكومي أو مدرسة، لذا نحن متروكون للأننا غلابة".
ويدخل في الحوار فايد ابورواش مرشد سياحي قائلا: "قابلت عبد الناصر الجابري في جولته الانتخابية، سألته ما هو برنامجك الانتخابي؟ ماذا فعلت للدائرة طوال خمس سنوات، فقال:اللي فات مات ونفتح صفحة جديدة! عرفت على الفور أن "الكلام عايم"، لقد جاء لعائلتنا (أبو فايد) ليخدم كالعادة أغنياءها، قطعة أرض أو مشروع استثماري، وغالبا لن نراه في الخمس سنوات المقبلة، سنرى فقط بلطجيته الذين يفرضون" إتاوات" مقابل انجاز أي خدمة أو مصلحة للناس".
انسحاب مرشح "الوطني"
وفي تمام الثانية ظهرا يظهر ناخبون لأول مرة في مدرسة عزيز المصري الابتدائية بحي الطالبية، ورغم وجود أقباط في الحي وكانوا قد شاركوا قبل أيام في أحداث العمرانية الشهيرة، إلا أنهم،علي ما يبدو، يقاطعون هذه الجولة عقابا للأجهزة الأمنية والنظامية التي لم تفرج حتي الآن عن 175 من أبنائهم المقبوض عليهم. يتصل أبو لؤي ليخبرنا بانسحاب مندوبي محمد أبو صليب من معظم "اللجان"(مكاتب الاقتراع) في نزلة السمان، بما يعني عملية منسقة جرت لمساعدة مرشح الوطني الآخر (الجابري) على الفوز في الدائرة.
وبعد ذلك بساعة يعلن مندوبو أبو صليب في معظم "اللجان" انسحابهم احتجاجا علي طردهم من "لجان" العمرانية الشرقية والغربية من قبل ضباط الأمن، ووفقا لخالد أبو صليب نجل المرشح فإن التزوير يتم لصالح النائب الحالي (الجابري) وسميح في معظم "اللجان"، خصوصا مدارس العمرانية الشرقية والخلفاء وعزيز المصري.
وأمام "لجنة" السادات بشارع الهرم الرئيسي، وفي تمام الساعة الثالثة، تتوافد سيدات في مجموعات ثنائية أو ثلاثية، يحضرن بصحبة نواب مرشحي الوطني عبر وسائل النقل الشهيرة:"التوك توك" أو "الميكروباص"، ويوصلوهن حتى داخل مقر "اللجنة" بشكل يخالف القواعد، ومن جهته يطلب ضابط أمن الدولة وهو في عربته الفارهة، معلومات عن مكان عمل مراسل دويتشه فيله، ويمنعه من تصوير حتى من خارج "اللجان"، وكانت الأجواء تبدو ساخنة أكثر في الساعات التالية رغم أن المنافسة شبه محسومة.
صدامات في اللحظات الأخيرة
وفقا للحوار الذي دار في الصباح مع ناشط الحزب الوطني، والذي كان يتصل ساعة بساعة للتأكيد علي سخونة الأحداث، ومع لقاء لأحد أنصار أحمد سميح، ويدعى متولي حسين (30 سنة ) وهو موظف،يبدو سميح الذي قام بتعيين نحو 100 شاب منذ سنة في شركة الدخان الشرقية أحق بالفوز، بينما يرى أبو لؤي أن إنفاق المرشح الفائز بالتزكية خلال المجمع الانتخابي للحزب، هو ما حسم إختياره، وأن فرصة إسقاط سميح مرت بانسحاب مرشح "الإخوان" ومرشح "الوفد" من الدائرة، خاصة وأن جمهور المعارضة الإخوانية استطاع أن يجعل خالد الأزهري يحصد أعلى الأصوات قبل الإعادة، إلا أن جمهورهم أحجم غالبا عن الخروج اليوم، وهو ما يجعل "اللجان" إجمالا خالية، خاصة في العمرانية.
وفي حدود السابعة مساءا، وفي اللحظات الأخيرة قبل إغلاق صناديق الاقتراع، هاجم عدد من الناخبين المؤيدين للمرشح المنسحب محمد أبو صليب مقر "لجنة" الانتخابات بالوحدة الصحية بكفر الجبل، واشتبكوا مع قوات الأمن المركزي، حيث أدى تحالف عبد الناصر الجابرى مرشح العمال وأحمد سميح مرشح "الفئات" ضد أبو صليب، إلى إثارة حفيظة أهالي نزلة السمان وكفر الجبل الذين اعتبروا الجابري قد خان أبو صليب "ابن المنطقة"، وتزاحموا أمام "اللجان" للتصويت لصالح أبو صليب، بل وانضم إليهم أنصار المرشحين الخاسرين في الجولة الأولي من الحزب الوطني، مجدي خطاب ومحمد حسن البطران. وذلك بعد تراجع ابو صليب عن انسحابه، تحت ضغوط أمنية، ودعوته ناخبيه إلي اللحاق بالتصويت في آخر اللحظات.
هاني درويش – القاهرة
مراجعة: منصف السليمي