معبر رفح - تسهيلات مصريةٌ مُعلنة غير مُطبقة وأزمةُ مسافرين متفاقمة
٢٨ يونيو ٢٠١١يومٌ قائظ مصحوب برطوبة عالية، ونحن على بوابة رفح الحدودي مع مصر من الجانب الفلسطيني. زحام شديد وتكتلات مواطنين منتظرين في عدة اتجاهات هي صورة المشهد. إحداها على البوابة الخارجية للمعبر، وأخرى بالمئات على شباك واحد لأحد الغرف الخارجية بالقرب من تلك البوابة، اتضح فيما بعد أنه خاص بتسجيل حجز أسماء المواطنين من كافة المحافظات الراغبين في السفر خارج القطاع. وتُسمع أصوات المواطنين المحتجة في كل مكان دون أن تتضح ماهية الشكوى.
التسجيل للسفر عقبةٌ إضافية
الخروج من قطاع غزة مرهون بالتسجيل قبل موعد السفر بشهر ونصف الشهر تقريباً لدى الجانب الفلسطيني، وعلى المسافر متابعة الحجر وتأكيده، لكن في كثير من الأحيان يُلغى الحجر بشكل مفاجئ ومن دون إخطار مسبق. أردنا معرفة شكوى الراغبين في السفر من قطاع غزة، فحاولنا الاقتراب من شباك الحجز، لكننا لم نستطع الوصول إليه. وجدنا مواطناً جالساً بالقرب من طوابير المتدافعين لمعرفة مصير حجزهم الذي قاموا به منذ عدة أسابيع. سألناه عن سبب مجيئه فقال: "اسمي خالد السعدي، جئت مستفسراً عن موعد سفري". وأضاف أنه قام بإجراءات الحجز والتسجيل في كشف المسافرين منذ خمسة أسابيع، وتفاجأ عند موعد اليوم المحدد للسفر من الجانب الفلسطيني بأن موعد سفره قد تم تأجيله لأربعة أسابيع أخرى. عن دواعي سفره قال السعدي بنبره حزينة: "أريد الذهاب إلى مصر لتقديم أرواقي لنيل الجنسية المصرية. لكني لا أستطيع السفر، فكل ما يأتي دوري يتم تأجيله بسبب كثرة المسافرين".
ووجدنا حالات مشابه لحالة السعدي، فهناك أشخاص من أمهات مصرية يرغبون في السفر إلى مصر لدواعي تقديم على الجنسية المصرية. إلا أن حالة "أبو وائل" تختلف عن هذه الحالات، إذ يقول إنه جاء من السعودية لزيارة ذويه في غزة في بداية إعلان فتح المعبر، مؤكداً بأنه خُدع من تسهيلات الإجراءات. ولذلك يحذر باقي أبنائه الأربعة في الخارج "عدم الحضور حتى لا يلقوا الذل مثلي أو تتعطل مصالحهم في الخارج". والتقينا عند المعبر أيضاً مع كثير ممن انتهت إقامتهم في الخارج ولم يلتحقوا بأعمالهم.
عروس تلقي بفستان زفافها على أرض المعبر
وبينما نراقب معاناة مئات الحالات على بوابة المعبر، صرخت فجأة بين المواطنين فتاةٌ ومعها والدها باكية أمامنا، عندما استشعرت بأننا صحفيين، قائلة: "يا صحفيين! يا عالم! أنا دعاء مصبح من دير البلح. أنا عروس وزوجي في قطر، وأريد السفر إليه منذ شهر يناير لكني لا استطيع. وكل مرة أحاول في السفر عبر المعبر للالتحاق بزوجي يتم تأجيل اسمي لأيام أخرى".
في اليوم التالي حضرنا إلى المعبر مرة أخرى، ووجدنا أمامنا المنظر المحزن نفسه. تحت الشمس الساطعة انتشرت لافتات ووقفات احتجاجية لجرحي ومرضى وطلاب وأطفال، يطالبون القيادة المصرية بفتح المعبر بشكل دائم على مدار الساعة وبعدم تحديد أعداد المسافرين والالتزام بتنفيذ الوعود وتطبيق التسهيلات اللازمة على المعبر. وفى السياق ذاته وجه كافة المحتجين تحياتهم للقيادة المصرية، وشاهدنا مجموعة من الأطفال تذهب إلى الجانب المصري لتقديم الورود للقوات المسلحة الحدودية تعبيراً على الاحترام والتقدير. وكان أبناء غزة قد استبشروا بإعلان مصر ما بعد مبارك، مصر الثورة، فتح المعبر وتقديم التسهيلات بهذا الشأن.
السفر مرة واحدة كل 15 عاماً
"هناك أزمة حقيقية خانقة وضغط شديد جداً نشهدها على المعبر"، وفق ما يؤكده حاتم عويضة، الناطق باسم المعابر في حكومة غزة، مشيراً إلى تراكم في الحالات المسجلة، بالإضافة إلى وجود عدد من الحالات الإنسانية التي تستدعي السفر العاجل، ناهيك عن أصحاب الاقامات والطلاب في بلدان أخرى. وأكد عويضة إلى أنه لم يتم حتى الآن التوصل إلى حلول مناسبة مع الطرف المصري في ظل تقليص عدد المسافرين. وعلى الرغم من الوعود الطيبة التي قدمها الجانب المصري، "لكن الوضع الحالي مازال على سابق عهده"، حسب قوله.
من جانبه وصف خليل أبو شمالة، مدير مؤسسة" الضمير" لحقوق الإنسان، الأوضاع على المعبر بأنها "امتهان للكرامة الإنسانية التي تتنافى وابسط مفاهيم احترام حقوق الإنسان". ويشير أبو شمالة إلى أن التسهيلات التي أعلنتها الحكومة المصرية ما هي إلا مجرد أوهام ودعاية إعلامية لا تستجيب لحاجة سكان غزة من حيث الشكل والمضمون .وأضاف الناشط الحقوقي: "إن السماح لثلاثمائة مسافر فقط يومياً يعني عملياً أن كل مواطن من سكان قطاع غزة ستكون حصته في السفر مرة واحدة كل 15 عاماً بموجب الإجراءات والتسهيلات المعلنة من الحكومة المصرية".
شوقي الفرا- غزة
مراجعة: عماد غانم