مسيّرات تشل مطارات أوروبية ـ لماذا تعجز أوروبا عن ردعها؟
٢٧ سبتمبر ٢٠٢٥ما تزال المطارات الأوروبية تشهد إغلاقات متكررة لمجالها الجوي بسبب رصد أنشطة مشتبه بها لطائرات بدون طيار. أحدث إغلاق كان لمطار آلبورغ في شمال الدنمارك مساء الخميس، وهو ليس الإغلاق الأول.
شهدت مطارات الدنمارك إغلاقات عديدة في مجالها الجوي، منها مطارات إسبيرغ وسوندربورغ وسكريدستروب في غرب البلاد، وفي وقت سابق من هذا الأسبوع تم إغلاق مطار كوبنهاغن في العاصمة، بسبب رصد مسيرات بحسب الشرطة الدنماركية.
وتعليقاً على الهجمات قال ترويلز لوند بولسن، وزير الدفاع الدنماركي: "كل شيء يشير إلى أن هذا من عمل جهة محترفة"، وأضاف: "بالتأكيد هذا ليس صدفة، إنه أمر ممنهج، وهو ما أعرّفه على أنه هجوم هجين". وقال بيتر هوميلغارد، وزير العدل إنه لا يستبعد أي احتمال فيما يخص الجهة التي تقف وراء ذلك.
ومع أنه لا يوجد تأكيد على تورط روسيا بأحداث الدنمارك هذه، إلا أن التوغلات الأخيرة في دول شرق أوروبا دفعت بحلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى اتخاذ إجراءات بهذا الخصوص.
وأعلن مارك روته، الأمين العام للناتو، في سبتمبر/ أيلول أن التحالف يُطلق عملية جيدة، هي "الحارس الشرقي"، لحماية جناحه الشرقي، رداً على دخول مسيّرات روسية المجال الجوي البولندي. وقال روته: "سواء كان ذلك متعمداً أم لا، فهو أمر خطير وغير مقبول".
ففي وقت سابق، خرقت طائرات بدون طيار المجال الجوي لبولندا ورومانيا وإستونيا بحسب وكالة الأنباء الفرنسية، وما يمثل تحدياً كبيراً للناتو أو الاتحاد الأوروبي هو صعوبة التعرف على المسيرات والتعامل معها في بيئة المطارات.
منع تسلل الطائرات بدون طيار غير ممكن
الطرق التقليدية لإسقاط الطائرات بدون طيار والتي غالباً ما تستخدم في الحروب لا يمكن تطبيقها في المطارات. ومع دخول المسيرات ساحة القتال منذ سبعينات القرن الماضي، لا سيما في حرب روسيا مع أوكرانيا أصبح من الصعب السيطرة عليها بسبب التقدم التكنولوجي في هذا المجال.
وقال ريتشارد جيل، مؤسس شركةDrone Defense (الدفاع ضد الطائرات المسيّرة) ورئيسها التنفيذي لـ DW: "أصبح الحصول على طائرات بدون طيار واستخدامها أسهل، كما أن أسعارها آخذة في الانخفاض"، وأضاف: "أصبح بإمكان الناس الآن تنفيذ أمور في كوخ حديقتهم، كانت تتطلب قدرات عسكرية متقدمة قبل 10 أو 15 عاماً".
كل ذلك أصبح يشكّل مشكلة حقيقية للمطارات التي أصبحت بحاجة إلى إحكام قبضتها على مجالها الجوي. قال جوكا سافولاينن من المركز الأوروبي للتميز في مواجهة التهديدات الهجينة (Hybrid CoE) لـ DW: "ثبت مرة أخرى، في حالة الدنمارك، أن تحليق الطائرات بدون طيار فوق المطارات يؤدي إلى تعليق حركة الملاحة الجوية. لا يتم التسامح مع أي تهديد لأمن الطيران".
وبالفعل كانت قد تسببت أحداث سابقة مماثلة إلى إغلاق مطارات في جميع أنحاء العالم، ما يعني أن الأشخاص الذين لديهم نوايا سيئة يمكنهم التسبب بحدوث اضطرابات حقيقية. فسهولة الوصول للمسيرات وسهولة استخدامها يعني أن الهواة أو من يسعون لإحداث الفوضى يمكنهم إغلاق مطار إذا انحرفوا عن مسارهم.
لماذا لا تستطيع المطارات إسقاط المسيرات؟
في الحروب يمكن إسقاط الطائرات بدون طيار ويحصل ذلك دوماً، ولكن في المطارات حيث يوجد مدنيون تظهر مخاوف لها علاقة بالسلامة.
وقد يكون من المستحيل تقريباً اكتشاف أجهزة الأمن ما إذا كانت المسيّرة عسكرية أم ترفيهية، وحتى لو تم التعرف على ذلك فتوجد مخاطر أمنية كبيرة.
يقول سافولاينن من منظّمة Hybrid CoE، التي تهدف إلى إيجاد سبل لمواجهة التهديدات الهجينة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي والناتو: " ليس من السهل إصابة طائرة بدون طيار بمقذوفات حركية، لذلك عليك إطلاق الكثير منها لرفع احتمال إصابتها". وأضاف: "حتى لو أصبت، فإن الغالبية العظمى من المقذوفات تكون من النوع الذي يسقط بعد إطلاقها.
ولهذا لا يوصي سافولاينن باستخدام المقذوفات الحركية في إسقاط المسيرات في الأماكن المكتظة بالناس مثل المطارات، إلا في حالات الضرورة القصوى التي تُعتبر فيها الطائرة بدون طيار مصدر تهديد مباشر وخطير.
وأضاف أن صعوبة تقييم مستوى التهديد، وقرب المطارات من المناطق السكنية، ووجود مخاطر جانبية، إلى جانب تكلفة إسقاط طائرة بدون طيار يجعل إسقاطها في المطارات مستحيلاً. وأضاف سافولاينن أنه نظراً لسرعة تطوير الطائرات بدون طيار، هناك تأخر في التشريعات مما يجعل المطارات عرضة للخطر.
وقال سافولاينن: "ليس كل مطار يملك نظام كشف قادراً على فهم ما يجري. لذا نعتمد عادةً على الأشخاص على الأرض، أو موظفي الأمن، أو أفراد الطاقم الذين يبلغون عن المشاهدات. ثم كيف نرد على ذلك؟ إذا كُنّا سنُسقطها، فمن سيقوم بإطلاق النار؟ حالياً لا تملك المطارات أي أساس قانوني يسمح لها بإسقاط الطائرات بدون طيار".
بدائل الدفاع ضد الطائرات بدون طيار
ما تزال البدائل محدودة، فأغلب المطارات لا تمتلك أدوات كافية لردع المسيّرات، ولكن تتمثل التدابير الوقائية التي تتخذها المطارات في تحديد الطائرات بدون طيار في الترددات اللاسلكية، أو عمليات البث المرئي، أو الرادار، أو كاميرات المراقبة.
ومع أن إيقافها يُمثل تحدياً أيضاً، فإن إغلاق المجال الجوي وتعليق حركة الطيران هو أول إجراء يتم اتخاذه بمجرد رصد طائرة بدون طيار في منطقة غير مصرح بها، وهو ما يُعتبر إجراءً متطرفاً.
بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية توجد في الأسواق التجارية والعسكرية منتجات مخصصة لإيقاف الطائرات بدون طيار، لكن تحديث أنظمة دفاع المطارات أمر مكلف ومن المرجح أن يتطلب تحديثاً مستمراً.
في حين وصف مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة رايان إير هذه المشكلة بـ "المزعجة واقترح سابقاً أن تتحمل الحكومات تكلفة هذه المشكلة، وقال: " هذه قضية أمنية تخص الحكومات الوطنية، وليست شيئاً يُطلب من المطارات التعامل معه".
وهو ما تؤيده أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية التي قالت في 10 سبتمبر/أيلول إن أوروبا يجب أن "تبني جداراً للطائرات بدون طيار" في محاولة للحد من التهديد، وأضافت: " هذا ليس طموحاً مجرداً، إنه أساس الدفاع الموثوق".
مشروع الجدار هو مشروع تعاوني يضم بولندا وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، ويهدف إلى تعزيز الدفاعات على الجناح الشرقي للاتحاد الأوروبي، ويستخدم تدابير مشابهة لتلك المتاحة في المطارات، ولكنه قد يكون قادراً أيضاً على إسقاط الطائرات بدون طيار التي تشكل تهديداً، وما زالت التفاصيل حوله محدودة.
ويُقال إنه سيكون أقل تكلفة بكثير للاستخدام الواحد مقارنة بكلفة أنظمة الدفاع الجوي الحالية، التي صُممت للتعامل مع الطائرات المأهولة والصواريخ التقليدية.
أعدته للعربية: ميراي الجراح