لماذا يريد ترامب لقاء بوتين في السعودية لوقف حرب أوكرانيا؟
١٣ فبراير ٢٠٢٥أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه سيعقد اجتماعه الأول مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السعودية، في إطار مساعيه لوضع حد للغزو الروسي لأوكرانيا. وقال ترامب للصحافيين في البيت الأبيض "سنلتقي في السعودية"، وذلك بعد ساعات من مكالمة هاتفية مع بوتين اتفقا خلالها على إطلاق مفاوضات سلام حول أوكرانيا، تلاه اتصال بالرئيس الأوكراني.
جهود دبلوماسية تضع السعودية في الصدارة
وفي تصريحات سابقة له أثنى ترامب على الجهود الدبلوماسية التي تبذلها السعودية في تقريب وجهات النظر بين القوى العالمية. وكان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أول رئيس دولة أجنبي يتصل به ترامب بعد توليه منصبه. ووصف ولي العهد بأنه "رجل رائع" خلال خطابه عبر رابط فيديو أمام جمهور في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.
ويرى المراقبون أن إعلان الرئيس الأمريكي عن لقاء نظيره الروسي في السعودية بحضور الأمير محمد بن سلمان، يمثل اعترافا بمكانة السعودية كدولة قائدة في المشهد السياسي والاقتصادي العالمي. هذا الدور حسب المحلل السياسي محمد قواص، "برز لكون السعودية تمثل اليوم الدولة الكبرى التي تقود المنطقة حاليا، خاصة أن علاقاتها ممتازة مع الولايات المتحدة ومع روسيا على حد سواء". وأكد أن " السعودية هي طرف أساسي في أي تسويات في الشرق الأوسط، ولا يمكن أن تمر إلا عبرها".
وأضاف المتحدث أن "للمملكة تاريخ تدخل في هذه الأزمة، إذ سبق أن توسطت في موضوع تبادل السجناء كما فعلت الإمارات أيضا، لكن ترامب اختار السعودية مكانا للقاء، لأنه يريد أن ينسج علاقة مميزة معها في بداية ولايته". والسبب في رغبة ترامب الحفاظ على هذه العلاقة، يتمثل في أن المملكة في الآونة الأخيرة، أصدرت عبر وزارة خارجيتها بيانات بشكل يتقصد ترامب في مشروع غزة، وأوضحت أنها رافضة له. وهنا يرى قواص: "ربما تقربا من السعودية، يريد ترامب أن تكون أرضها، مكان اللقاء الذي يمكن أن ينهي الحرب في أوكرانيا".
حياد بن سلمان.. ورقة رابحة في مجال الوساطة
حافظت المملكة السعودية على الحياد طوال مدة الحرب الروسية الأوكرانية، وامتنعت بوضوح عن الانضمام إلى الغرب في انتقاد روسيا ومعاقبتها. كما حافظت عبر ولي عهدها على اتصالات منتظمة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. إضافة إلى ذلك، كانت السعودية قد أعلنت سابقا تقديم حزمة مساعدات إنسانية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، ووقع مركز الملك سلمان للإغاثة اتفاقيتَي تعاون مشترك لتقديم مساعدات طبية وإيوائية للاجئين من أوكرانيا إلى الدول المجاورة، مع منظمة الصحة العالمية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بقيمة عشرة ملايين دولار أمريكي، مناصفة بينهما.
أما العلاقة مع بوتين، فاتضحت معالمها من خلال تصريح للرئيس الروسي خلال سنة 2023، حينما قال إنه يقدم الأمتنان إلى ولي العهد محمد بن سلمان لمساعدته في تنظيم أكبر عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وروسيا منذ الحرب الباردة". كما أن عدم انضمام الرياض إلى العقوبات الغربية ضد روسيا من بين العوامل الأساسية التي جعلت المملكة تحافظ على علاقة جيدة مع الكرملين.
الباحث السياسي محمد قواص، يؤكد في حديثه لـ DW عربية، أن "السعودية لعبت منذ بداية الصراع في أوكرانيا أدوار وساطة بنوع من الحياد، ففي الوقت الذي ابتعدت عن الانحياز للموقف الأمريكي لم تقترب من الموقف الروسي، وعندما كان لديها علاقات متينة مع موسكو، دعت الرئيس زيلنسكي لإحدى القمم العربية في السعودية". وحسب المحلل فإن السعودية تحاول قدر الإمكان أن "تلعب دورا مقبولا من جميع الأطراف: روسيا وأوكرانيا وأيضا الولايات المتحدة، كما أنها حريصة على العلاقات التي تجمعها بالأوروبين، وستكون متحفظة في إمكانية أن يجري على أرضها ما يمكن أن يضر بمصالحهم الأمنية".
الاقتصاد والاستثمار.. نقطة قوة إضافية للسعودية
وتتمتع السعودية بعلاقات اقتصادية قوية مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، خاصة في مجال الطاقة، مما يجعلها خيارا مناسبا للوساطة. فقد ساعدت العلاقة زعماء أكبر دولتين مصدرتين للنفط في العالم على إبرام اتفاقية الطاقة أوبك+ والحفاظ عليها. وبالنسبة للمحلل السياسي، محمد قواص، فإن "أي اتفاق سيحصل خاصة إذا تعلق بأوكرانيا، يفترض أن تكون خلفه قدرات على التمويل، والسعودية بإمكانها أن تؤمن هذه القدرات أو تقود دول بإمكانها المشاركة في فيها". وأضاف المتحدث أن "زيلنسكي يطالب بضمانات أمنية، لكن أحد أهم هذه الضمانات التي لا يغفلها هي الاقتصادية والاستثمارية". مشددا على أن السعودية قد تكون أحد الأطراف المهمة في هذا الجانب".
بالإضافة إلى ذلك يرى قواص أن "الاجتماع في السعودية يناسب الرئيسين ترامب وبوتين، لاسيما وأن أوروبا تتخذ مواقف متحفظة من أي حل قادم بين الولايات المتحدة وروسيا على حسابها، وبالتالي تعتبر السعودية جغرافيا منطقة محايدة، وبإمكان الطرفين أن يجدا داخلها نقطة انسجام بعيدا عن اي ضغوط أوروبية".
السعودية ترسخ ملامح جديدة لمكانتها إقليميا وعالميا
حرصت المملكة أن تظل جهودها واضحة في ملف الحرب الأوكرانية الروسية منذ بدايتها، وخصصت لذلك عدة لقاءات على أرضها. وبالنسبة للمحلل السياسي قواص، فهذا يوضح أنها "تطمح لتكون قطبا دوليا وتلعب دورا أساسيا، وقد نجحت في مجالات مختلفة خاصة في الاقتصاد والمال".
وأشار المتحدث أن هناك سياسة بدأت منذ عقود في المملكة، وهي سياسة تنويع العلاقات الدبلوماسية. فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت السعودية تعتبر حليفا حصريا للولايات المتحدة، أما في السنوات الأخيرة مع بداية خلاف واشنطن والرياض، بدأت السعودية تبحث عن بدائل، ونسجت علاقات متينة مع الصين وروسيا ودول الشرق مثل كوريا".
هذا وتمتلك السعودية اليوم حسب المتحدث قواص "سياسة مستقلة، اتضحت أثناء الخلاف مع بايدن ورفض رفع إنتاج النفط لخفض الأسعار. كما تجلت أكثر عندما لم تدعم بايدن في موضوع أوكرانيا". ويضيف قواص أنهم اتخذوا مواقف قوية في موضوع فلسطين وغزة في الأيام الأخيرة، ويحاولون الحفاظ على استقلالية القرار، ويقودون سياسة عربية تريد أن تأخذ مسافة من الولايات المتحدة". وأشار المتحدث إلى أن "هذا الموقف يمكن أن يكون عامل جاذب للولايات المتحدة كي لا تخسر السعودية".