قضايا الشرق الأوسط والطاقة في بؤرة اهتمام قمة الثماني
١٥ يوليو ٢٠٠٦
تشهد مدينة سان بطرسبرج الروسية مساء اليوم السبت 15 تموز/يوليو 2006، افتتاح قمة الدول الصناعية الثماني الكبرى. ومما لاشك فيه أن التدهور الأمني في الشرق الأوسط سيأخذ حيزاً كبيراً في جدول أعمال قمة مجموعة الثماني، التي يتزامن انعقادها مع استمرار حدة التصعيد على الساحة اللبنانية والفلسطينية. ويعطي ذلك قمة الثماني أهمية خاصة بصفتها منتدى لحل المشاكل الدولية الملحة، إلا أن ثمة موضوعات هامة كالملف النووي الإيراني وملف كوريا الشمالية وموضوعات أخرى في مجال التجارة والاقتصاد كميثاق الطاقة الأوروبي تتصدر قائمة القضايا المطروحة للنقاش في القمة.
ولدت فكرة ميثاق الطاقة الأوروبي في حزيران/يونيو عام 1990، عندما قدم رئيس الوزراء الهولندي رود لوبرز خلال جلسة للمجلس الأوروبي في دبلن اقتراحاً يهدف إلى تكثيف عمل المجموعة الأوروبية مع دول شرق أوروبا في مجال الطاقة. وقصد لوبرز بذلك آنذاك الإتحاد السوفييتي الغني بالموارد الطبيعية والمهدد بالانهيار في الوقت ذاته. واقترح لوبرز أن تقوم دول الاتحاد الأوروبي بالاستثمار في دول أوروبا الشرقية، على أن تقوم هذه الدول في المقابل بتزويد غرب أوروبا بالطاقة بصفة دائمة. وكانت دول شرق أوروبا آنذاك بأمس الحاجة إلى الاستثمارات، في حين كانت الدول الغربية تصبو إلى تنويع وزيادة عدد مزوديها بالطاقة، لكي لا تكون مرتبطة بعدد محدود من مصدري الطاقة كدول منظمة أوبيك مثلا. وأفلحت مساعي لوبرز في إقناع المفوضية الأوروبية باقتراحه، إذ شرعت الأخيرة في مطلع عام 1991 بإعداد ميثاق الطاقة الأوروبي.
من الاقتراح إلى المعاهدة
لم يمر عام واحد على تقديم الاقتراح حتى وقعت 51 دولة في 17 كانون الأول/ ديسمبر عام 1991 في لاهاي على الميثاق، الذي جاء بداية كبيان سياسي مؤقت وغير ملزم يهدف إلى تحفيز التعاون الدولي في مجال الطاقة. وحظيت فكرة الميثاق بدعم كبير من عدة دول آسيوية في مقدمتها اليابان، بالإضافة إلى دعم كل من كندا والولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب دول المجموعة الأوروبية ودول أوروبا الشرقية طبعاً. وبعد ثلاثة أعوام، في 17 كانون أول / ديسمبر عام 1994 تحديدا، قامت هذه الدول، باستثناء كندا والولايات المتحدة، بالتوقيع على معاهدة الطاقة في لشبونه البرتغالية. أما روسيا فوقعت أيضاً على المعاهدة، التي كان من المقرر أن تصبح سارية المفعول بعد التوقيع عليها من قبل ثلاثين دولة على الأقل.
المعاهدة ومؤتمر ميثاق الطاقة
تنظم المعاهدة كافة جوانب التعاون الدولي في مجال الطاقة، بما في ذلك حماية وتحفيز الاستثمارات في هذا المجال كما تنص على تنظيم المعاملات التجارية مع المزودين بالطاقة وذلك طبقا لقواعد الاتفاق العام للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) ونقل الطاقة الحر وحماية البيئة. وبتوقيع المعاهدة تم أيضا تأسيس مؤتمر ميثاق الطاقة الذي يعتبر الجهة المسئولة عن الميثاق. وفي نيسان / أبريل عام 1998 اكتسب ميثاق الطاقة الأوروبي صبغتها القانونية بعد التصديق عليه من قبل ثلاثين دولة. وفي الوقت ذاته أكمل المؤتمر في بروكسل المعاهدة التجارية ضمن الميثاق وقام بملاءمة الأحكام التجارية التي تنص عليها اتفاقية الجات القديمة مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
مفاوضات مع روسيا لا آخر لها
وفي كانون الثاني / يناير عام 2000 بدأت المفاوضات حول التصديق على "بروتوكول ميثاق الطاقة بشأن استخدام الطاقة بشكل أجدى والأبعاد البيئية المرتبطة بذلك". وتصدر لائحة المواضيع المطروحة على طاولة النقاش عملية نقل الطاقة والقيود المفروضة المتعلقة بالمنافسة، ما يعتبر بالنسبة لروسيا بوجه عام ولشركتها العملاقة المحتكرة للطاقة غازبروم موضوعا حرجا للغاية، وهذا بالتالي هو السبب الذي حال حتى اليوم دون تصديق روسيا على المعاهدة. فروسيا تخشى أن يقوم الاتحاد الأوروبي بعد تصديق روسيا على البروتوكول بإنهاء مكانة غازبروم كشركة محتكرة لأنابيب النفط الروسية. فشركة الطاقة العملاقة لا تزال حتى الآن سيدة قطاع الطاقة دون منازع في المنطقة والكرملين يود لو تبقى الأمور على ما هي عليه. ولكن تزويد غازبروم للسوق الأوروبية الداخلية بالطاقة بشكل مباشر يبقى محظورا من الناحية الأخرى. وفي نهاية عام 2002 بدا الاتفاق على نص لبرتوكول الميثاق الذي يسمى أيضا بروتوكول النقل، أمرا ممكنا، غير أن الطرفين لم يتوصلا بعد إلى اتفاق نهائي. وليس من المتوقع أن يتم التوصل إلى حل وسط يرضي الطرفين في المستقبل القريب، ناهيك عن أن النزاع بين كل من روسيا وأوكرانيا حول الطاقة في الآونة الأخيرة قد زاد الأمور تعقيدا.