ضغوط داخلية وخارجية.. ألمانيا ومأزق الاعتراف بدولة فلسطينية
٢٣ سبتمبر ٢٠٢٥
"حان الوقت للسلام" وفق تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الاثنين 22 أيلول/سبتمبر 2025 في خطاب من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة. ماكرون أعلن رسميا أن "فرنسا تعترف اليوم بدولة فلسطين من أجل السلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني".
وقبل ذلك كانت بريطانيا قد أعترف بدولة فلسطينية. كما أعترفت كل من كندا والبرتغال واستراليا وبلجيكا.
على الرغم من أنَّ نحو 150 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة قد اعترفت بدولة فلسطينية ، ولكن مع الاعتراف الفرنسي والبريطاني والكندي تشارك الآن في هذا الاعتراف قوى كبرى في مجموعة الدول السبع، التي تضم أهم سبع دول صناعية غربية. بينما ترفض الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف رفضًا قاطعًا، وكذلك إسرائيل، التي يرى في ذلك رئيسُ وزرائها بنيامين نتنياهو "مكافأةً لإرهاب" حركة حماس ، وهي جماعة فلسطينية إسلاموية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
واعتراف هذه الدول المهمة بدولة فلسطينية سيكون مكسبًا بالنسبة للسلطة الفلسطينية وهزيمةً دبلوماسيةً لإسرائيل، وخاصة الآن في ظل الصراع المتصاعد في غزة.
شرط غير واقعي لـ"حل الدولتين"
ولكن الحكومة الألمانية في برلين لن تتخذ هذه الخطوة "على المدى القريب"، كما ورد في رسميًا. فقد قال المستشار فريدريش ميرتس (من الحزب المسيحي الديمقراطي المحافظ) في آب/أغسطس خلال زيارة رئيس الوزراء الكندي مارك كارني: "نحن لن ننضم إلى هذه المبادرة".
وكان تبرير ميرتس ذا طبيعة أكثر شكلية، إد قال: "نحن لا نرى أنَّ الشروط الأساسية للاعتراف بالدولة الفلسطينية قد تحققت بأي شكل من الأشكال في الوقت الحالي". وأضاف أنَّ الاعتراف يجب أن يكون الخطوة الأخيرة في عملية سلام تؤدي إلى حل الدولتين.
والمشكلة أنَّ حل الدولتين يبدو بعيد المنال. وقد باتت فرصه معدومة عمليًا، وذلك على أبعد تقدير منذ مذبحة حركة حماس الإرهابية الإسلامية المتطرفة في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والعمليات العسكرية الإسرائيلية اللاحقة في قطاع غزة، والتي ما تزال مستمرة. ولذلك فإنَّ النقاد يعتقدون أنَّ الحكومة الألمانية تطرح هذا الشرط غير الواقعي للاعتراف فقط من أجل التهرب من اتخاذ قرار.
لماذا لا تعترف ألمانيا بفلسطين كدولة؟
والحكومة الألمانية تجد نفسها في مأزق خاص فيما يتعلق بموضوع إسرائيل/فلسطين: ونظرًا إلى قتل ملايين اليهود خلال الحقبة النازية، تشعر الحكومة الألمانية بمسؤولية خاصة تجاه أمن إسرائيل، وحتى أنَّها اعتبرته "مصلحة عليا".
ومن الواضح أنَّ هذا بالنسبة للمستشار الألماني ليس مجرد كلمات. ففي خطاب ألقاه قبل أيام قليلة بمناسبة إعادة افتتاح كنيس يهودي دمره النازيون في ميونيخ، قاوم ميرتس دموعه وهو يقول: "نحن نشهد منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر - وأنتم تشهدون منذ ذلك الحين - موجة جديدة من معاداة السامية - بأشكال قديمة وجديدة؛ صريحة ومقنعة؛ قولًا وفعلًا؛ وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الجامعات، وفي الأماكن العامة". وأضاف ميرتس، الذي بدا أنَّه يجاهد للحفاظ على رباطة جأشه، أنَّ هذا يجعله يشعر كثيرًا الخجل. وأعلن الحرب على جميع أشكال معاداة السامية في ألمانيا.
بيد أنَّ المستشار فصل محاربة معاداة السامية عن تقييمه لسياسة إسرائيل، وخاصة عملياتها العسكرية في قطاع غزة. هذه العمليات التي انتقدها ميرتس بشدة في مناسبات أخرى، ونتيجة لذلك أوقف في الصيف جميع صادرات الأسلحة إلى إسرائيل التي يمكن استخدامها في حرب غزة.
وقد قال ميرتس في احتفال بمناسبة الذكرى الـ75 لتأسيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا: "انتقاد سياسة الحكومة الإسرائيلية يجب أن يكون ممكنًا، وقد يكون ضروريًا حتى. والاختلاف في الرأي حول هذا الموضوع لا يمثّل خيانة لصداقتنا".
ضغط من الداخل والخارج
ولكن يتزايد الضغط على الحكومة الألمانية من أجل اتخاذها موقف أقوى. وهذا الضغط يأتي مثلًا من قبل الاتحاد الأوروبي. إذ إنَّ الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس تطالب ألمانيا بالمشاركة في فرض عقوبات على إسرائيل. وتقترح رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاينمثلًا تعليق الاتحاد الأوروبي المزايا التجارية مع إسرائيل.
وهذا يُذكّر ينس شبان، رئيس الكتلة البرلمانية لحزبي الاتحاد المسيحي في البوندستاغ، بأحلك فصل في تاريخ ألمانيا. وفي هذا الصدد قال الآن في القناة الثانية الألمانية ZDF متسائلًا: "ماذا ستكون النتيجة؟ 'لا تشتروا من اليهود بعد الآن‘؟ لقد شهدنا كل ذلك من قبل"، مشيرًا إلى دعوات النازية لمقاطعة المحلات اليهودية في ثلاثينيات القرن العشرين. وأضاف محذرًا من "فقدان التوازن بسرعة والميل إلى معاداة السامية" خاصة في ألمانيا عندما يتعلق الأمر بموضوع إسرائيل وغزة.
وكذلك يتزايد الضغط على مستوى السياسة الداخلية. لأنَّ الاشتراكيين الديمقراطيين في الحكومة الائتلافية يمكنهم بالتأكيد تصور العقوبات. وحزب الخضر المعارض يذهب إلى أبعد من ذلك، فقد قالت زعيمته المشاركة فرانسيسكا برانتنر لوكالة الأنباء الألمانية إنَّ ميرتس ووزير الخارجية يوهان فاديفول (أيضًا من الحزب المسيحي الديمقراطي) يجب عليهما أن يقررا: "إما أن يقفان إلى جانب القوى التي تعمل من أجل السلام لجميع الناس في إسرائيل وفلسطين؟ أو أن يراقبان مكتوفي الأيدي كيف تستمر حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة جزئيًا في ممارسة طغيانها في غزة، وتجعل احتمالات السلام والإفراج الرهائن ضعفًا؟".
وفي عريضة طالب أيضًا تحالف يضم عشرات منظمات المجتمع المدني من الحكومة الألمانية بأن تترجم انتقاد إسرائيل إلى أفعال.
استطلاع: الأغلبية في ألمانيا تؤيد الاعتراف بدولة فلسطينية
ولكن اعتراف ألمانيا الرسمي بدولة فلسطينية يمثّل قضية مختلفة. وفي هذه القضية يبدو أنَّ المستشار الألماني ثابت على موقفه، حتى وإن كان على ما يبدو يعارض بذلك أغلبية من الشعب الألماني. وعلى أي حال لقد أيد في استطلاع رأي أجرته مؤسسة فورسا في بداية آب/أغسطس 54 بالمائة من المشاركين الاعتراف بفلسطين، بينما عارضه 31 بالمائة.
وفي الوقت نفسه يتناقص عدد دول الجبهة المعارضة للاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة. ومع قيام حلفاء ألمانيا المقربين، مثل فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، بتغيير مواقفهم، ستجد برلين نفسها أكثر في موقف دفاعي.
وتبقى إلى جانب ألمانيا بشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا لا يجعل الأمور بالضرورة أسهل دبلوماسيًا بالنسبة للحكومة الألمانية بسبب الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب.
أعده للعربية: رائد الباش
تحرير: عبده جميل المخلافي