خمس سنوات مذ توقيعها - تطورات تضع اتفاقيات أبراهام على المحك
١٥ سبتمبر ٢٠٢٥قبل خمس سنوات، وتحديداً في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 اجتمع قادة ووزراء خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل في البيت الأبيض لإضفاء الطابع الرسمي على اتفاقية أبراهام برعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى.
انضمت لاحقاً دول عدة إلى الاتفاقية التي تطبّع العلاقات مع إسرائيل، وهي المغرب عام 2020، والسودان 2021، ومع ذلك تأخر التنفيذ الكامل للاتفاقيات بسبب عدم الاستقرار السياسي المستمر في البلاد.
وهذه الاتفاقيات ليست أولى خطوات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بل سبقتها مصر عام 1979 والأردن عام 1994، وهو ما كسر إجماعاً إقليمياً طويل الأمد على أن التطبيع مع إسرائيل مشروط بإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وحل الدولتين.
عادت اتفاقيات أبراهام بالفائدة على جميع الأطراف، بحسب آشر فريدمان، المدير التنفيذي لمعهد ميسغاف للأمن القومي في إسرائيل، وقال لـ DW إن الفائدة كانت واضحة من خلال التعاون المشترك الرائد في مجال الاستخبارات والزراعة الذكية والطب الدقيق والذكاء الاصطناعي والمدن الذكية، بالإضافة إلى زيادة السياحة والتجارة.
هجوم 7 أكتوبر وأحداث أخرى قد تغير المسار
سير اتفاقات أبراهام وتوسعها في الدول العربية لم يبقَ على نفس الوتيرة، فأحداث عديدة في المنطقة تهدد صمود الاتفاقيات وتوسّعها في المنطقة العربية.
كان أولها أحداث السابع من أكتوبر، إذ أشعل هجوم حماس الإرهابي في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023 على إسرائيل فتيل الحرب في غزة، وهدد استدامة الاتفاقيات، ومنذ ذلك الحين كثف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف رفضهم لحل الدولتين، مما زاد الأمر تعقيداً.
وعلى الجانب الآخر تواجه إسرائيل جبهات متعددة، الحرب مع حزب الله في لبنان، وهو ميليشيا مدعومة من إيران، صنفت الولايات المتحدة وألمانيا ودول عربية عدة جناحه العسكري كمنظمة إرهابية، بالإضافة إلى العمليات العسكرية في سوريا، وتبادل إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن.
تقول إميلي تاسيناتو، المحللة المختصة بشؤون الخليج وشبه الجزيرة العربية لـDW إن الدول الموقعة على اتفاقيات أبراهام "كانت في الأصل لا تقصد من دمج إسرائيل في العالم العربي، أن يكون ذلك وسيلة فقط لكسب مزيد من الأهمية لدى الشريك الأمريكي وإظهار مصالح وطنية معينة، بل أيضًا كأداة ردع موثوقة ضد التهديد المحسوس من قبل إيران."
وأشارت تاسيناتو إلى أنه "بعد خمس سنوات، يبدو أن الوضع قد انعكس"، وأضافت: "أصبحت إيران أكثر ضعفاً، وتعاني من ضعف عسكري، وتواجه ضغوطًا على نفوذها الإقليمي"، بينما تبدو إسرائيل اليوم "الطرف المتمرد" في المنطقة على حدّ تعبيرها.
ضربة إسرائيل للدوحة وقمة عربية طارئة
زادت الأمور تعقيداً بعد الغارة الجوية التي شنتها إسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر/أيلول 2025، عندما استهدفت إسرائيل قياديين في حماس، التي تصنّف كمنظمة إسلاموية إرهابية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى.
أسفر الاعتداء عن مقتل خمسة مسؤولين في حماس، ومسؤول أمني قطري، هو جهاد رياح حسن لباد، مدير مكتب خليل الحية، كبير مفاوضي "حماس".
الضربة الإسرائيلية لقطر جمعت الدول العربية والمسلمة في قمة طارئة، اليوم الاثنين 15 سبتمبر/ أيلول في الدوحة للبحث في كيفية الرد على الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
وقالت إلهام فخرو، الباحثة الزميلة في مبادرة الشرق الأوسط في كلية كينيدي بجامعة هارفرد لوكالة فرانس برس إن هدف هذه القمة أساساً هو إظهار وحدة دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضافت فخرو: "من المتوقع أن تستغل دول الخليج القمّة للدعوة إلى أن تضبط واشنطن إسرائيل، بعدما أدت ضرباتها على قطرإلى إضعاف مساعي وقف إطلاق النار، التي لم تُبدِ تل أبيب التزاماً جدياً بها".
ويرى كريم بيطار، الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس أن هذه القمة تمثّل اختباراً حقيقياً لجميع الدول العربية والإسلامية المشاركة فيها. وقال لوكالة فرانس برس: "لقد حان الوقت لتجاوز التلاوات المعتادة، والإدانات اللفظية والاتهامات المتبادلة التقليدية".
ويتوقع بيطار أن ترسل الدول المجتمعة إشارة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، مفادها أن الوقت قد حان لكي يتوقف المجتمع الدولي عن منح إسرائيل هذا "الشيك على بياض"، وأن يُعاد النظر في هذا الدعم غير المشروط، و"من الناحية المثالية أن تبدأ عملية فرض عقوبات على إسرائيل".
وبالفعل فقد أجبرت هذه التوترات الإمارات العربية المتحدة على اتخاذ إجراءات مضادة، إذ منعت شركات الدفاع الإسرائيلية من المشاركة في معرض دبي الجوي بسبب مخاوف أمنية.
كما انتقد مسؤولون إماراتيون الخطط الإسرائيلية لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وحذروا من أن الاستمرار في ذلك قد يعرّض العلاقات الثنائية والجهود الأمريكية لتوسيع الاتفاقيات للخطر، ومع ذلك لا ترجح تاسيناتو انسحاب الإمارات العربية من الاتفاقيات بشكل كامل.
وقالت بورجو أوزجليك، الباحثة البارزة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في لندن لـ DW: "مع الغارات الإسرائيلية في الدوحة... نحن في منطقة مجهولة".
وترى أوزجليك أن الإمارات العربية المتحدة والبحرين تواجهان ضغوطاً كبيرة للدفاع عن وضعهما كدولتين موقعتين على اتفاقات أبراهام، ومن المؤكد أنهما تشعران بالأسف والانزعاج من تصرفات المسؤولين الإسرائيليين لوضعهما في هذا الموقف المحرج.
دور اتفاقيات أبراهام بإعادة إعمار غزة
ساهمت اتفاقيات إبراهيم بنمو التجارة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والمغرب والبحرين ومصر والأردن بشكل ملحوظ منذ ما قبل حرب غزة، بحسب فريدمان من معهد ميسغاف للأمن القومي.
وبالأرقام، ازداد التبادل التجاري عام 2024 مع الإمارات العربية المتحدة بنسبة 10 بالمئة، وبنسبة 40 بالمئة مع المغرب، و843 بالمئة مع البحرين، و31 بالمئة مع مصر، ومع الأردن بنسبة 7 بالمئة، وذلك مقارنة بحجم التبادل التجاري عام 2023 قبل هجوم السابع من أكتوبر.
وحتى فيما يتعلق بإعادة إعمار غزة يرى فريدمان أن اتفاقيات أبراهام ميزة رئيسية، وقال: "سواء كانت خطة ترامب ريفييرا أو خطة إعادة الإعمار المصرية، فإن كميات هائلة من المواد ستمر عبر إسرائيل، الأمر الذي سيتطلب تنسيقاً وثيقاً".
اتفاقيات أبراهام إلى أين؟
منذ توقيع اتفاقيات أبراهام قبل خمس سنوات، لم تنضم أي دولة عربية أخرى إلىها، رغم مساعي الرئيس الأمريكي ترامب في هذا الاتجاه، ولطالما حاول دفع دول عربية مثل المملكة العربية السعودية ولبنان وسوريا إلى الانضمام إلى هذه الاتفاقيات.
وبهذا الصدد تقول أوزجليك من المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية: "في ولاية دونالد ترامب الثانية، وعلى الرغم من الثقة المدوية في البيت الأبيض بأن الاتفاقيات ستتوسع في ظل المزيج المناسب من الحوافز والضغط، إلا أن الواقع لم يقترب من ذلك بأي حال من الأحوال".
وترى أوزجليك أن السبب في ذلك سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية، إذ ترى أن ذلك لن يقوّض الإنجازات التي حققها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بصعوبة في السياسة الخارجية، مثل اتفاقيات أبراهام فقط، بل ستؤدي أيضاً إلى تآكل هذه الإنجازات تدريجياً.
وأشارت في تصريح لـ DW إلى "أنه أمر لا يمكن تصوره في ظل تصاعد العسكرة الإسرائيلية وخنق حل الدولتين"، مضيفة أن "تكلفة الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام ارتفعت بشكل كبير بالنسبة لأي دولة عربية".
أعدته للعربية: ميراي الجراح/ تحرير: عارف جابو