حرب الظل ضد ألمانيا: من وراء التضليل الإعلامي والتخريب؟
١٩ فبراير ٢٠٢٥أيام أجهزة الاستخبارات والسياسيين في ألمانيا مليئة بالتوتر والقلق خلال هذه الفترة. ويقول كونستانتين فون نوتس في مقابلة مع DW قبل أيام قليلة من انتخابات البوندستاغ في 23 فبراير: "من الواضح أن لدينا مشكلة مع التضليل والتخريب". "نرى طائرات بدون طيار فوق ألمانيا كل يوم، بما في ذلك طائرات عسكرية بدون طيار. هذه مشكلة خطيرة". يشغل السياسي من حزب الخضر منصب رئيس لجنة الرقابة البرلمانية وهي مؤسسة تراقب أجهزة الاستخبارات نيابة عن البرلمان.
وبالإضافة إلى الطائرات بدون طيار والأعطال المشبوهة في البنية التحتية، هناك أعمال تخريب أخرى مشتبه بها. في الآونة الأخيرة تم سد أنابيب عادمة لـ 270 سيارة برغوة البناء. وقد ترك الجناة ملصقات على السيارات تشير إلى أن هذا الفعل من فعل نشطاء المناخ، ويُفترض أن الهدف منه تجريم حزب الخضر. وحسب المعلومات الواردة من الدوائر الأمنية، تلقى الجناة أموالاً من روسيا. وقالت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك ردًا على عملية التخريب إن كل من يدعم أوكرانيا "يقع في مرمى الكرملين وأتباعه".
الهدف: التقسيم وتشويه السمعة
بالإضافة إلى روسيا تستهدف السلطات أيضًا الصين وكوريا الشمالية وإيران. "نرى الكثير من أنشطة التجسس، ولكن التأثير على هذه الانتخابات هو أحد الأهداف الرئيسية لروسيا. ونحن نرى أنهم يدعمون أحزابًا مثل حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD)".
وتم تحديد أول حملة تضليل كبرى في ألمانيا باسم ""oppelgänger“. بدأت بعد أشهر قليلة من الهجوم الروسي على أوكرانيا. وتم تقليد المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام ذات السمعة الطيبة واستخدامها لنشر الأخبار المزيفة. وكان الهدف هو تشويه سمعة الحكومات، لا سيما في فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وبولندا.
وهناك الآن حملات متتابعة معظمها متشابهة: تُنشر على المواقع المزيفة على الإنترنت وتنتشر عبر حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم يقوم المستخدمون بمشاركتها والتعليق عليها على الفور. "وبمجرد تداول معلومات كاذبة أو مضللة، يتم حذف المواقع من قبل أصحابها. وما يتبقى هو المعلومات المضللة. يتم تحويرها وتعديلها، وفي بعض الأحيان لا تزال تُنشر على الإنترنت بعد سنوات"، كما يقول الموقع الإلكتروني لوزارة الداخلية الالمانية.
"النائمون" وظواهر أخرى
انتشرت في الآونة الأخيرة تحذيرات من "المواقع النائمة". وقد تم حتى الآن تحديد أكثر من 100 موقع إخباري زائف، وكلها تستخدم نفس الطريقة: "يتم إنشاء هذه المواقع كنوع من الخلفية وغالبًا ما تكون مليئة بمحتوى من إنتاج الذكاء الاصطناعي"، كما يوضح رالف بيست، المسؤول عن الثقافة والمجتمع في وزارة الخارجية الألمانية.
على المواقع غير النشطة والتي تحمل أسماء مثل ""narrativ“ أو " Berliner Aktuelle Nachrichten" يتم وضع قصة مختلقة في وقت معين ثم يتم نشرها بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين. ويقول بيست: "علينا أن نفترض أن هذه المواقع الإلكترونية تم إعدادها من أجل تفعيلها في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة".
وفي موازاة ذلك هناك نمط ثانٍ: "التحميل الزائد"، حيث يتم إغراق السلطات والمنظمات التي تتخذ إجراءات ضد المعلومات المضللة بالاستفسارات وطلبات الاختبار. وحسب وزارة الخارجية الألمانية فإن هذه الهجمات عبارة عن هجمات زائدة مصممة لإرباك مدققي الحقائق. ويقول كونستانتين فون نوتس: "تُستخدم مثل هذه الحملات للتلاعب بالخطاب العام ومهاجمة العمليات الديمقراطية مثل الانتخابات"، ويرى كونستانتين فون نوتس أن الهجمات الحالية "مجرد غيض من فيض".
سلطة أمنية جديدة
ومع ذلك فإن هذه الأنماط ليست جديدة. فحتى قبل الانتخابات العامة الأخيرة، ذكر التقرير المتعلق بحماية الدستور أن "بعض الدول ولا سيما الاتحاد الروسي استخدمت أجهزتها الإعلامية بما في ذلك قنوات التواصل الاجتماعي الخاصة بها لتصوير بعض الأحزاب والأفراد بطريقة مغرضة وأحيانًا مشوهة للمصداقية".
ومع ذلك لم يتغير الكثير. "يقول فون نوتز: "لقد تأخرنا في اللعبة. لقد ناقشنا هذا الأمر عدة مرات على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، لكننا لم نفعل ما يكفي".
تم تحديد مكافحة المعلومات المضللة لأول مرة كهدف في استراتيجية الأمن القومي للحكومة الألمانية والتي تم تبنيها في عام 2023. في غضون ذلك تم إنشاء "المكتب المركزي للتعرف على التلاعب بالمعلومات الأجنبية" في وزارة الداخلية الالمانية. وقد تم تكليف المكتب المركزي للتعرف على التلاعب بالمعلومات الأجنبية بتنسيق حماية انتخابات البوندستاغ من التهديدات الهجينة والتضليل الإعلامي.
أجهزة الاستخبارات الألمانية نمر من ورق؟
"التصرف بحكمة" هي رسالة وزارة الخارجية. إن السلطات المسؤولة تراقب الإنترنت، وطالما أن المعلومات المضللة تعتبر مجرد "ضجيج في الخلفية"، فإنها لن تتدخل لتجنب نشر الروايات الضارة بنفسها. فقط عندما تنتشر الحملة على نطاق واسع بحيث يمكن التنبؤ بالضرر حينها يجب القيام برد فعل.
أما في الخارج فالأمور أبعد من ذلك، كما قال كونستانتين فون نوتس من لجنة الرقابة البرلمانية لـ DW. "ما نحتاجه هو وكالة مثل تلك الموجودة في السويد على سبيل المثال. مع وجود أشخاص يتتبعون بالفعل المعلومات المضللة ويتعرفون عليها ويعملون ضدها". تتعرض ألمانيا للهجوم بعدة طرق مختلفة. "نحن بحاجة إلى تعزيز أجهزة الاستخبارات لدينا من أجل مكافحة المعلومات المضللة"، كما قال السياسي من حزب الخضر.
لكن السياسيين يأخذون وقتهم في إعادة التفكير. لا يكمن التحدي الأكبر في التعرف على المعلومات المضللة، بل في التعامل معها، حسب دوائر الاستخبارات. فخلال الحقبة الاشتراكية الوطنية وفي جمهورية ألمانيا الديمقراطية كانت السلطات تُستخدم بشكل تعسفي ضد المواطنين غير المؤيدين. وكدرس مستفاد من هذه الفترة، تتمتع الأجهزة في ألمانيا بصلاحيات أقل بكثير مما هي عليه في الدول الأخرى.
كما لا توجد أجهزة سرية في ألمانيا يمكنها التجسس بشكل استباقي ومشاركة نتائجها بسرعة مع السلطات الأخرى. في هذا البلد هناك أجهزة استخبارات "فقط" مخولة بجمع المعلومات، ولكن لديها عقبات قانونية كبيرة للغاية عندما يتعلق الأمر بتمريرها.
"استنادًا إلى تجربة التاريخ الألماني فإن المواطنين في ألمانيا محميون من الدولة المعتدية"، ويوضح أحد المطلعين على الأمور قائلاً: "مقارنة بشركائنا، نحن نمر من ورق. منذ 24 فبراير 2022 (الهجوم الروسي على أوكرانيا )، كان علينا منذ فترة طويلة إعادة التفكير في هذه المسألة". وبالتالي بعد الانتخابات العامة قد تكون هناك مبادرات تشريعية جديدة لمزيد من الصلاحيات لأجهزة الاستخبارات.
أعده للعربية: م.أ.م