جنوب إفريقيا، ماذا بعد المونديال؟
١٤ يوليو ٢٠١٠اعتبر البعض أن مونديال جنوب إفريقيا 2010 كان الأضعف من حيث المستوى التنظيمي والفني، غير أن الأرباح التي حققها الاتحاد الدولي لكرة القدم/ فيفا والتي بلغت 3.2 مليار دولار، وهي أعلى نسبة أرباح سجلت في تاريخ الفيفا، تشير إلى عكس ذلك تماما. وحتى التغطية الإعلامية أثبت للعالم جليا أن جنوب إفريقيا شهدت بالفعل طيلة شهر كامل عرسا عالميا بهيجا.
ونجحت جنوب إفريقيا في الظهور بوجه مشرف منتزعة مكانتها في مصاف الدول المتقدمة التي استطاعت بنجاح تنظيم تظاهرات رياضية عالمية. وقد أثارت أيضا فضول العالم لزيارتها واكتشاف جمال أدغالها. ففي فترة المونديال، زار جنوب إفريقيا حوالي نصف مليون سائح إضافي. وحسب دراسات حكومية، من المتوقع أن رتفع عدد السواح إلى عشرة ملايين سائح سنويا.
ما بعد المونديال
هذا وتشير بعض الدراسات إلى أن جنوب إفريقيا استفادت بل وستستفيد من تجربة المونديال. فيكفي أنها باتت تتوفر على أقوى بنية تحتية في مجموع القارة السمراء. وقد بلغ حجم هذه الاستثمارات 60 مليار دولار أمريكي، رصدت على مدى أربع سنوات، وشملت أيضا بناء وتجهيز ملاعب من الطراز الرفيع في تسع مدن شهدت منافسات المونديال.
بيد أن القلق بدأ يسود المسؤولين في جنوب إفريقيا حول مصير هذه الملاعب وسبل توفير الميزانيات اللازمة لصيانتها، لاسيما أن كرة القدم في جنوب إفريقيا ليست رياضة شعبية وإنما رياضة كريكت. وقد تقل حدة هذه المخاوف في حال قامت جنوب إفريقيا بتقديم طلب لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية 2020 وتمت الموافقة عليه. وفي هذا السياق يرى أستادالاقتصاد الرياضي د. محمد قعاش في حوار مع دويتشه فيله "على جنوب إفريقيا إيجاد وسائل بديلة للاستفادة من تلك المنشآت الرياضية، لتعويض نفقات البناء والصيانة".
انتعاش سوق العمل
وبالنسبة لسفيرة جنوب إفريقيا المعتمدة في العاصمة برلين، كاساندرا مبيوني موكون، فقد كانت محصلة المونديال من الجانب الاقتصادي "إيجابية جدا، بحكم أن الإيرادات تجاوزت النفقات". وعللت طرحها هذا أمام قناة فونيكس التلفزية الألمانية بالإشارة إلى أن حوالي أربعمائة ألف شخص وجدوا فرصة عمل خلال المونديال، ما انعكس على مستوى العائدات الضريبية التي ارتفعت إلى حوالي عشرين مليار دولار، والتي أضيفت إلى إيرادات المجال السياحي.
وبطبيعة الحال لا زال الوقت مبكرا للتأكد من صحة التوقعات التي تشير إلى ارتفاع عدد السياح إلى عشرة ملايين سائح سنويا. غير أن ما يتعلق بانتعاش سوق العمل تم تأكيده من قبل وزارة الشغل في بريتوريا، إذ أن حوالي مائة وثلاثين ألف عامل سيحتفظون بمكان عملهم بما فيهم أربعون ألف شرطي. الأمر الذي يؤكد طرح السفيرة مبيوني موكون حول ارتفاع العائدات الضريبية حتى في فترة ما بعد المونديال.
فوارق في الاستفادة
من ناحية أخرى حذر د. قعاش من أن يساهم مونديال جنوب إفريقيا في تعزيز الهوة بين الطبقات الاجتماعية، لأن أعباء نفقات المونديال "ستقع بالأساس على عاتق دافعي الضرائب، وعلى رأسهم العمال من طبقة السود ومن ذوي الدخل المحدود" ما يعني أن الفوارق الاجتماعية والعرقية لن تتقلص كما كان يطمح إلى ذلك الجميع.
ويضيف د. قعاش، أنه يكفي إلقاء نظرة على المدن التسعة التي استضافت مباريات المنونديال وباقي المدن الأخرى التي تم تهميشها "ليتضح فارق رهيب في البنى التحتية ونسب التشغيل بها". في حين لم تنل المدن الأخرى نصيبها من الكعكة ولازال وضعها كما كان قبل استضافة هذا الحدث الرياضي. ويلخص قعاش طرحه بالقول أن المونديال جلب لجنوب إفريقيا الشهرة العالمية والاعتراف الدولي، لكنه عزز في الوقت ذاته بعض التناقضات القائمة سلفا ووضع الحكومة أمام تحديات إضافية.
البحث عن آلية لدعم التنمية
في المقابل، سلط رئيس مكتب بريتوريا لهيئة التعاون الفني الألمانية GTZ بيتر كونزه في حوار مع دويتشه فيله، الضوء على النقاش الدائر حاليا في الصحافة المحلية والذي يخوضه أيضا ممثلون عن المجتمع المدني حول ضرورة الاستفادة من النجاح الذي تم تحقيقه في المونديال، وسبل ترجمته إلى آلية تدعم عملية التنمية في البلد. فقد أظهر تجربة المونديال لأول مرة لمواطني ذلك البلد قدرتهم على العمل بنهج سلس ومشترك، خاصة بين المؤسسات الحكومية سواء على صعيد الأقاليم أو على صعيد الحكومة المركزية. وأوضح رئيس المؤسسة الألمانية أن الساسة في جنوب إفريقيا تعهدوا بمواصلة المشوار وعلى هذا المنوال.
الكاتبة: وفاق بنكيران
مراجعة: طارق أنكاي