تحديات سياسة خارجية جسيمة تنتظر حكومة فريدريش ميرتس
٢١ مارس ٢٠٢٥"العالم كله ينظر إلى ألمانيا في هذه الأيام. مهمتنا في الاتحاد الأوروبي والعالم تتجاوز حدود بلدنا ورفاهية شعبنا"، هذا ما قاله مؤخراً في البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، فريدريش ميرتس في معرض تبريره للديون الجديدة الضخمة، التي تم إقرارها في البرلمان. وهذه الديون في نظره ضرورية "لنكون قادرين على مواجهة التحديات"، لا سيما تلك المتعلقة بالسياسة الأمنية والخارجية.
نلقي الضوء على أبرزها وأكثر إلحاحاً:
العلاقات عبر الأطلسي
من المعروف أنَّ فريدريش ميرتس يعتبر في الواقع مؤيداً بكل معنى الكلمة للعلاقات عبر الأطلسي. وقد كان طيلة عشرة أعوام رئيساً لـ"منظمة جسر الأطلسي" (Atlantic Bridge)، وهي منظمة غير حزبية تعمل على تعزيز العلاقات الأمريكية الألمانية. ولكن مع بداية ولاية دونالد ترامب الثانية، اهتزت ثقة ميرتس بشدة في الشراكة الوثيقة بين ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وقال إنَّه "مصدوم من دونالد ترامببعد أن حمّل ترامب أوكرانيا جزءاً من المسؤولية عن اندلاع الحرب مع روسيا". وقد عبّر ميرتس عن صدمته بعد إهانة ترامب ونائبه جيه دي فانس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض.
تحظى ألمانيا بسمعة سيئة لدى ترامب منذ عهد المستشارة أنغيلا ميركل المنتمية للحزب المسيحي الديمقراطي، وذلك لأسباب ليس آخرها فتح ميركل أبواب وحدود بلادها للاجئين، وهي سياسة يكرهها ترامب. ومع أنَّ ميرتس كثيراً ما ينأى بنفسه سياسياً عن ميركل، إلا أنَّ اللقاء الشخصي بين ميرتس وترامب لن يكون سهلاً.
الحرب في أوكرانيا
أدت جهود دونالد ترامب لإحلال السلام في أوكرانيا إلى جعل الأوروبيين مجرد متفرجين. فترامب يتفاوض مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحتى الرئيس الأوكراني زيلينسكي لا يوجد لديه أي تأثير مباشر على هذه المحادثات. وفي حال تم التوصل إلى اتفاق يمكن أن يفضي إلى سلام مفروض على أوكرانيا، فلن يبقى للألمان وغيرهم من الأوروبيين سوى دور الاهتمام بضمان ديمومة السلام.
بيد أنَّ المستشار المستقبلي المحتمل ميرتس يريد منذ الآن تقديم حزمة دعم إضافية لأوكرانيا بقيمة لا تقل عن ثلاثة مليارات يورو. والأمر أصبح بمتناول اليد بعد القرار المتخذ لتخفيف قيود نظام كبح الديون. ولكن من الممكن أن تتحمل ألمانيا مبالغ أكبر بكثير إذا توجب على الأوروبيين تعويض انقطاع المساعدات الأمريكية.
وفي الوقت نفسه، يبقى من المثير للجدل موضوع تسليم أوكرانيا صواريخ تاوروس الألمانية بعيدة المدى، والذي يؤيده فريدريش ميرتس؛ بينما رفض الحزب الاشتراكي الديمقراطي ذلك في عهد المستشار الحالي أولاف شولتس. والسؤال المطروح اليوم: كيف سيكون موقف الحزب الاشتراكي الديمقراطي، باعتبار أنه سيكون شريك التحالف المسيحي في الحكومة المقبلة؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع المسألة؟
التعاون الدفاعي بين الأوروبيين
وبما أنَّ ميرتس لديه شكوك فيما إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال تشعر في عهد ترامب بأنَّها ملزمة بالوفاء بواجباتها في حلف الناتو، فقد قال عشية الانتخابات إنَّ "الأولوية المطلقة" لديه أن "يُحقّق الأوروبيون استقلالهم الحقيقي عن الولايات المتحدة الأمريكية" في أسرع وقت ممكن. وفي هذه الأثناء لم يكتفِ ميرتس فقط بموافقة البرلمان الاتحادي على خطته وفعل "كل ما يلزم" لتسليح الجيش الألماني؛ بل يسعى أيضاً إلى سياسة تعاون وثيق بين الأوروبيين في السياسة الدفاعية.
ولذلك يريد ميرتس فتح باب التفاوض مع القوتين النوويتين الأوروبيتين فرنسا وبريطانيا حول إمكانية وكيفية استفادة ألمانيا وأوروبا من حمايتهما النووية. وهذا لن يكون سهلاً؛ إذ على الأرجح لن تكون لندن وباريس على استعداد لتقاسم ترسانتيهما النوويتين من دون قيد أو شرط. وحتى في داخل الاتحاد الأوروبي توجد تحفظات على زيادة التعاون العسكري. كما أنَّ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لديه علاقات جيدة مع فلاديمير بوتين ويرفض دعم أوكرانيا.
الاتحاد الأوروبي
اتهم فريدريش ميرتس الحكومة الحالية بقيادة المستشار أولاف شولتس بالمساهمة في تراجع دور الاتحاد الأوروبي. وقد تضررت من ذلك في المقام الأول العلاقات مع أقرب شريكين: فرنسا وبولندا. وميرتس يريد تغيير ذلك. ولكن ذلك لن يكون بهذه السهولة.
وفي حين يواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صعوبات داخلية، فقد تولت في بولندا بعد سنين من حكم حكومة حزب القانون والعدالة اليمينية قيادةٌ مؤيدة لأوروبا بزعامة رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي السابق دونالد توسك. ولكن وعلى الرغم من ذلك فعلاقات برلين مع كل من باريس ووارسو ليست وثيقة. واختفى الزخم السابق في بقية دول الاتحاد الأوروبي. وبات الشعبويون اليمينيون يتقدمون في كل دوله تقريباً، ولم يعد التكامل الأوروبي أمراً مسلماً به.
السياسة التجارية
لا تزال تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على البضائع الأوروبية قائمة، وهو يؤجلها مرة ثم يضعها موضع التنفيذ في اليوم التالي. لذلك لا تعرف أوروبا ماذا ينتظرها. ومن المؤكد أنَّ الأوقات أصبحت أصعب بالنسبة للتجارة بين ضفتي الأطلسي. وهذا يؤثر بشكل خاص على ألمانيا باعتبارها دولة مُصدِّرة، لا سيما وأنَّ الاقتصاد الألماني يعاني من ركود منذ عامين.
المسؤول عن التجارة عبر الأطلسي هو الاتحاد الأوروبي، ولا تستطيع ألمانيا هنا العمل بمفردها. ولكن من الممكن أن تحث ألمانيا بروكسل على عدم تحويل النزاع التجاري إلى حرب تجارية يخسر فيها الجميع.
الصين
يريد بعض الساسة في برلين وبروكسل المراهنة بشكل أكبر على التجارة مع الصين من أجل الخروج من الصراع التجاري مع ترامب. ولكن الزمن تغير ولم تعد الصادرات الألمانية إلى الصين تحقق أرباحاً كبيرة كما كان في الماضي. وبينما كانت السيارات الألمانية لفترة طويلة من أهم الصادرات إلى الصين، أصبحت اليوم غير مرغوبة؛ إذ إنَّ الصين نفسها باتت تعرض سيارات كهربائية بأسعار منافسة وتحقق مبيعاتها في الاتحاد الأوروبي أرقاماً قياسية.
والاتحاد الأوروبي يقوم من جانبه الآن بإغلاق سوقه أمام السيارات الكهربائية الصينية. وألمانيا - باعتبارها دولة تعتمد على التصدير - يمكن أن تحاول التقليل من حجم ونطاق القيود المفروضة على التجارة مع الصين. وسيكون التحدي الآخر أنَّ دونالد ترامب سيحاول كسب الأوروبيين إلى جانبه في التعامل مع منافسته الصين. وهذا من ناحية أخرى يمنح الأوروبيين تأثيراً على سياسة ترامب.
الصراع في الشرق الأوسط
الحكومة الألمانية في وضع صعب جداً هنا: لأنَّ أمن إسرائيل يشكل أهمية خاصة بالنسبة لكل حكومة ألمانية، وذلك نتيجة للتاريخ النازي الذي شهد إبادة ملايين اليهود. ولكن انتقد السياسيون الألمان عدة مرات إجراءات إسرائيل القاسية ضد حماس في قطاع غزة معتبرينها غير متناسبة.
وكذلك وقعت الحكومة الألمانية في مأزق بسبب مذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسبب اتهامه بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة. وعلى الرغم من أنَّ ألمانيا تدعم المحكمة الجنائية الدولية ويجب عليها في الواقع اعتقال نتنياهو في حال زيارته ألمانيا؛ ولكن أكد فريدريش ميرتس أنَّ هذا لن يحدث في عهده كمستشار.
حماية المناخ
صحيح أنَّ الخضر قد حققوا مكاسب كبيرة للسياسات البيئة في ظل الحكومة الحالية، وعلى رأسها ضخ المزيد من الأموال في برامج حماية المناخ وإدراج الحياد المناخي بحلول عام 2045 في القانون الأساسي (الدستور الألماني)، ولكن المناخ العام في العالم تغير بعض الشي؛ إذ إنَّ دونالد ترامب لم يكتفِ فقط بإخراج بلاده من جميع اتفاقيات حماية المناخ الدولية مباشرة بعد توليه منصبه، بل لقد تبعته شركات أمريكية كبيرة. فقد انسحبت شركات استثمارية مثل بلاك روك، وجيه بي مورغان، وغولدمان ساكس من المشاريع الصديقة للمناخ.
وبالتالي فإنَّ الحكومة الألمانية، التي ما تزال تشعر مثل ذي قبل بأنَّها ملتزمة بحماية المناخ، ستواجه صعوبات أكثر في النهوض باهتماماتها على المستوى الدولي.
أعده للعربية: رائد الباش