في عهد ترامب: "تصدعات خطيرة في ركائز الديمقراطية الأمريكية"
٢٠ أبريل ٢٠٢٥لم يمضِ على تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه سوى ثلاثة أشهر فقط. ثلاثة أشهر لم تنقلب فيها الولايات المتحدة الأمريكية رأسًا على عقب وتهتز داخليًا فحسب، بل اهتزت فيها أسس الديمقراطية أيضًا.
فقد أشار معهد بروكينز الشهير ومقره واشنطن إلى "تصدعات خطيرة في ركائز الديمقراطية الأمريكية". هناك هجمات على هذه الركائز على عدة مستويات. بعض الأمثلة.
الخلاف مع الجامعات
"جامعة هارفارد أضحوكة وتعلّم الكراهية والغباء ويجب ألا تتلقى تمويلاً بعد الآن". هذا ما نشره دونالد ترامب على منصة "تروث سوشيال" الخاصة به يوم الأربعاء. وهو أحدث تصعيد في النزاع بين الإدراة الأمريكية وجامعات النخبة في البلاد.
وقد اندلع الخلاف بسبب عدم اتخاذ جامعة هارفارد وجامعات خاصة أخرى في الولايات المتحدة إجراءات صارمة بما فيه الكفاية ضد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين ضد الحرب في غزة، مما عرّض الطلاب اليهود للخطر.
ومع ذلك فقد تصاعد الخلاف منذ فترة طويلة، وهو الآن يتعلق بالتوجه السياسي العام لجامعات النخبة التي يُنظر إليها على أنها يسارية في نظر إدارة ترامب. ولضمان استمرارها في الحصول على التمويل الفيدرالي سيتم التدقيق في الآراء السياسية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس وإتاحة بيانات القبول لجميع الطلاب للحكومة.
إلا أن رئيس جامعة هارفارد آلان غاربر يعارض هذه المطالب ويرى أن حرية البحث والتدريس في خطر. وأوضح أن الجامعة ليست مستعدة للتخلي عن استقلاليتها أو حقوقها المكفولة دستوريًا.
"لا ينبغي لأي حكومة بغض النظر عن الحزب الذي يتولى السلطة أن تملي على الجامعات الخاصة ما يمكن للجامعات الخاصة تدريسه، ومن يمكنها قبوله وتوظيفه ومجالات الدراسة والبحث التي يمكنها متابعتها".
لعبة مزدوجة مع القضاء
تُعد سيادة القانون والامتثال لأوامر المحاكم أحد الركائز الأساسية للديمقراطيات الغربية، ولكن هذا بالضبط ما يتعرض للخطر بشكل متزايد في الولايات المتحدة الأمريكية.
فمن ناحية تجاهلت إدارة ترامب بالفعل العديد من أحكام المحاكم ونفذت عمليات ترحيل مخالفة لأوامر المحاكم.
وأصبحت قضية كيلمار أبريغو غارسيا الذي تم ترحيله عن طريق الخطأ إلى سجن سيكوت سيء السمعة ذي الحراسة المشددة في السلفادور معروفة بشكل خاص. وكانت المحكمة العليا قد أوعزت إلى الحكومة الأمريكية بالسعي لإعادة غارسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة. لم يحدث شيء حتى الآن، كما انتقدت القاضية الفيدرالية باولا زينيس في جلسة استماع.
أما القضاة مثل جيمس بواسبرغ الذين يعارضون حكومة ترامب ويوقفون عمليات الترحيل التي يخطط لها فيتم تشويه سمعتهم علنًا باعتبارهم "متطرفين يساريين معتوهين". ويهددهم ترامب بإجراءات عزلهم واستبدال هؤلاء القضاة بقضاة أكثر تأييدًا له.
وفي الوقت نفسه يستخدم وزارة العدل لاتخاذ إجراءات ضد منتقديه. ففي الأسابيع الأولى من توليه منصبه، قام بفصل أو نقل العديد من الموظفين المتورطين في التحقيقات ضده.
ففي فبراير/ شباط على سبيل المثال أمر بفصل جميع المدعين الفيدراليين المتبقين من عهد جو بايدن. وفي المقابل منح العديد من محاميه مناصب رفيعة المستوى في الحكومة. أحدهم يشغل الآن منصب نائب المدعي العام.
كما أصدر ترامب عفوًا عن جميع المدانين في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021 البالغ عددهم 1600 شخص تقريبًا وعين بام بوندي، الموالية تمامًا لحزبه في وزارة العدل.
القيود الأولى على حرية الصحافة
لطالما كانت التقارير الناقدة له شوكة في خاصرة دونالد ترامب. "إنهم فاسدون وغير قانونيين"، هذا ما انتقده الرئيس الأمريكي بشدة ضد كبرى قنوات البث الأمريكية مثل سي إن إن وإم إس إن بي سي خلال خطاب ألقاه في وزارة العدل في منتصف مارس/ آذار.
واتهمهم بتقديم تقارير سلبية عنه "بنسبة 97.6% من الوقت" وبأنهم "الذراع السياسي للحزب الديمقراطي". وخلال الحملة الانتخابية، كان قد هدد بالفعل بإلغاء تراخيص المحطات التي لا تعجبه.
وقد ألغى ترامب تمويل وسائل الإعلام الأمريكية الدولية "صوت أمريكا" و"راديو ليبرتي" بالكامل وهما على وشك الإغلاق.
كما ألغت إدارة ترامب أيضًا اعتماد وكالة أسوشييتد برس لغرفة الصحافة في البيت الأبيض، لأنها رفضت الإشارة إلى خليج المكسيك باسم "خليج أمريكا"، كما أراد ترامب. ومرة أخرى أعلنت إحدى المحاكم أن هذا الأمر غير قانوني، ومرة أخرى تجاهلت الحكومة الأمريكية هذا الأمر ويجب أن يبقى صحفيو وكالة أسوشييتد برس خارجها.
إعادة تنظيم أجهزة الدولة
عندما أعلن ترامب في خطابه أمام الكونغرس أن "أيام البيروقراطيين غير المنتخبين في السلطة" قد ولّت، قوبل بضحكات ساخرة من الديمقراطيين. ومن بين جميع الأشخاص، فإن المستشار الرئاسي إيلون ماسك الذي لم يحصل على شرعية ديمقراطية قط، هو الذي تم تكليفه منذ يناير/ كانو الثاني الماضي بجعل الإدارات والسلطات الأمريكية أكثر كفاءة ووقف الإنفاق غير الضروري، وفي هذه العملية تم تقليص جهاز الدولة بأكمله بما يتماشى مع رغبة ترامب.
"إنهم لا يذهبون إلى السلطات والوزارات التي تقوم بأشياء يحبونها. إنهم يذهبون إلى المؤسسات العامة التي لا يوافقون عليها"، هذا ما انتقده دوغلاس هولتز-إيكن، المدير السابق لمكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي في فبراير الماضي.
لقد كان هناك تسريح جماعي في هيئات الضرائب والبيئة والصحة والبنتاغون والوزارات الأخرى. كما تم إيقاف برامج التنوع والاندماج التي يُنظر إليها على أنها "إهدار يساري للضرائب" وتم تقليص اللوائح البيئية وخفض الإنفاق الاجتماعي والصحي بشكل كبير. كما تم تفكيك وكالة التنمية الأمريكية وغيرها من السلطات الأخرى، خلافًا للرأي القانوني الشائع بضرورة استشارة الكونغرس الأمريكي أولًا.
كما يُشتبه في استخدام وزارة التعليم العالي للذكاء الاصطناعي للتجسس على الموظفين الحكوميين. وفي وكالة فيدرالية واحدة على الأقل، يُقال إن الاتصالات الداخلية تمت مراقبتها بهذه الطريقة، ويُزعم أن الهدف من ذلك هو التمكن من تصفية وفصل الموظفين الذين أدلوا بتعليقات غير موالية لترامب. حتى أن منتقدي هذا الإجراء يتحدثون عن "تطهير سياسي" لأجهزة الدولة.
أعده للعربية: م.أ.م