بـ"خارطة طريق" عربية مضادة.. هل تجهض مصر خطة ترامب بشأن غزة؟
١٢ فبراير ٢٠٢٥عقب اللقاء الذي جمع العاهل الأردني بترامب، والذي تلى التصريحات المتوعدة بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى أحد بلدان الجوار، صارت كل الأنظار اليوم تتجه نحو مصر، التي قام رئيسها عبد الفتاح السيسي بتأجيل زيارته إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي، وفق ما كشف مصدران أمنيان مصريان لرويترز، لكن لا الرئاسة المصرية ولا وزارة الخارجية ردت حتى الآن على طلبات للتعقيب.
وفي حالة تأكد تأجيل زيارة السيسي لواشنطن يدور حول دلالات ذلك؟ وهل تٌحَضِرُ مصر لنسف أحلام ترامب بـ"ريفييرا" شرق أوسطية على أراضي قطاع غزة؟
وجدد الرئيس الأمريكي خلال اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله في البيت الأبيض، الثلاثاء(11/2/2025)، فكرة تهجير فلسطينيي قطاع غزة نحو أراضي الأردن ومصر، معلنا عن تشبثه بها، في حين قال العاهل الأردني عندما سئل عن استقبال الفلسطينيين، إن بلاده تستطيع استقبال 2000 طفل فلسطيني، وإنه يتعين عليه أن يفعل أفضل شيء لمصلحة بلاده. وقال الملك الأردني إن مصر تعدّ خطة بشأن كيفية "العمل" مع الولايات المتحدة بشأن مقترح ترامب.
تصريحات الملك عبد الله أمام وسائل الإعلام، التي غاب فيها الرفض القطعي لخطة التهجير أثناء وقوفه إلى جانب ترامب وحديثهما إلى الصحافيين جرت عليه انتقادات كثيرة، استدركها البيان الصادر عن الديوان الملكي، والذي أكد فيه "موقف الأردن الثابت تجاه القضية الفلسطينية، وضرورة تحقيق السلام العادل والشامل الذي يلبي جميع حقوق الشعب الفلسطيني على ترابه الوطني ويضمن الأمن والاستقرار للجميع على أساس حل الدولتين".
هل ضغط لقاء الملك بترامب على السيسي؟
تتعدد الأسباب التي قد تكون دفعت السيسي لتأجيل اللقاء بالرئيس الأمريكي، ومنها حسب أحمد محارم، الصحافي والكاتب السياسي المقيم في الولايات المتحدة، إشارات سلبية وانفلات في التعبيرات والمصطلحات الصادرة عن ترامب منها تغيير لهجته تجاه السيسي، ومخاطبته بالجنرال عوض عبارة "صديقي العزيز" التي استعملها في ولايته الأولى لوصف رئيس مصر. وهو ما اعتبره المحلل السياسي "نوعا من الاستهزاء والتقليل من شأنه".
كما أضاف المتحدث في حوار مع DW عربية، أن "الرئيس المصري لا يريد أن يعرض نفسه للمواقف ذاتها التي مرت على الملك عبد الله الثاني بحضور ترامب أمام الصحفيين"، مشددا أيضا على أن "زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي كانت تهدف لتبليغ الرئيس السيسي بالجو العام قبل الزيارة. وبذلك تكون كل هذه المواقف قد أوضحت للسيسي أن الوقت غير مناسب للزيارة".
من جهته، اعتبر أشرف العشري، الكاتب الصحفي ومدير تحرير صحيفة "الأهرام" المصرية، أن تأجيل الزيارة جاء كقرار لتأكيد موقف مصر الرافض لأي ضغوط تمارس باتجاه تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة". وأضاف أن "سلطات مصر مشغولة الآن بالإعداد للقمة العربية المرتقبة يوم 27 من الشهر الجاري، ولديها خارطة عمل لبلورة موقف عربي موحد بشأن رفض التهجير، والعمل على إعادة إعمار غزة بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول العربية والخليجية والمجتمع الدولي والغربي".
من رفض مقابلة الآخر؟.. وهل تُلغى الزيارة؟
لم تعلق مصر رسميا على خبر تأجيل الزيارة، لكن المحللين يرون أن العلاقات مع واشنطن صارت متوترة في أعقاب ردود الفعل السلبية من إدارة ترامب على مخاوف مصر بشأن الاقتراح. ويرى المحلل السياسي، أشرف العشري، أن الزيارة لن تلغى لكنها مؤجلة إلى أجل غير مسمى، أي إلى غاية حصول مصر على ضمانات بأن هناك تجميد لخطاب ترامب الخاص بتهجير الفلسطينيين".
لكن بعض المراقبين يتحدثون عن عدم استعداد ترامب من ناحيته للقاء الرئيس المصري، في ظل إصرار الأخير على رفض فكرة تهجير سكان غزة، ويستبعد الخبراء انفراج الأزمة إلا إن يبعث ترامب إشارات على إمكانية الاتفاق على حلول بديلة.
تمسك مصر بإعادة إعمار غزة "سينسف خطة ترامب"
بالنسبة للمحلل السياسي أحمد محارم، إن "كلا من مصر والأردن يسيران على خط مواجهة واحد، وهو رفض فكرة ترامب، إلا أنه يحتاج لدعم الدول العربية"، مشيرا إلى أن "العالم الغربي أيضا عبر عن استهجانه للفكرة، ومنه دول مثل ألمانيا عبر مستشارها أولاف شولتس ، والرئيس الفرنسي إضافة للصين وروسيا".
وأضاف محارم أن "تصريحات ترامب لا تمت للدبلوماسية بصلة وأن العالم يرفضها، وأن لقاء الدول العربية في القاهرة في 27 فبراير سيفرز مواقف تجعل الإدارة الأمريكية تعيد ترتيب أولوياتها. وإذا كانت تريد أن ترضي إسرائيل، فهذا لن يكون على حساب شعوب المنطقة".
من جهته، اعتبر العشري، أنه في المرحلة المقبلة، "ستتوحد المواقف وستحتم على العرب رفض أي نوع من التطبيع مع إسرائيل ما لم يكن هناك بالفعل تخلي تام وتراجع عن خطة التهجير، على اعتبار أنها تؤثر على الأمن القومي المصري والعربي".
وقال المتحدث إن "الطرح المصري الخاص بإعادة إعمار غزة بدعم الدول العربية، سينسف خطة ترامب الخاصة بريفييرا الشرق الأوسط على أراضي قطاع غزة". وقال أيضا إن "القاهرة ستلعب دورا كبيرا في طرح المبادرة الجديدة التي من شأنها أن تغير قواعد اللعبة مع الجانب الأمريكي، وتقطع الطريق على أي محاولات أمريكية لفرض توجهها".
كما أكد محارم من جهته أن الجانب المصري حريص على التشبث بحل إعادة الإعمار في ظل وجود أصحاب الأرض في وطنهم، مؤكدا أن الفلسطينيون قادرون على أن يعيشوا تحت الظروف الحالية على أرضهم حتى تتم إعادة الإعمار".
"خارطة طريق" عربية مضادة تسقط دعوة ترامب؟
وأردف أن مصر والأردن كلاهما يعولان على هذا الحل الذي يقبل به ويرضى عنه الشعب الفلسطيني أساسا".
وأشار المتحدث إلى أن "محاولات ترامب لحشد الدعم لفكرته عبر وصف غزة حاليا بكونها منطقة غير صالحة للعيش، محاولة فاشلة، لأن ترامب لم يسأل نفسه من أوصل المنطقة إلى تلك الأوضاع".
من جهته، توقع العشري، أنه ستترتب عن القمة العربية مجموعة من المواقف والبيانات واستراتيجية التحرك، وكل هذا الأمر يتم دراسته منذ مدة في الغرف المغلقة بين القاهرة والعواصم العربية والإقليمية والدول الإسلامية، لإنتاج خارطة طريق عربية، سيتم اعتمادها لتكون أساسا لقطع الطريق على محاولات ترامب وإسرائيل للتهجير، وأيضا رفض أي سيطرة إسرائيلية على قطاع غزة".
وكثّفت دول عربية نافذة ومن بينها من هو حليف تاريخي للولايات المتحدة الأمريكية، وبينها مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، جهودها الدبلوماسية خلال الأيام الماضية للتأكيد على رفض طرح ترامب ورفض اقتلاع الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية.
وقال مدير البرنامج الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية مايكل حنا "لا تستطيع مصر أن تفعل ذلك بمفردها، وهي تحتاج بالفعل إلى دعم العرب، وخصوصا دول الخليج، لتبنّي موقف عربي موحّد بشأن مسألة التهجير". وأضاف لوكالة فرانس برس "تفتقر مصر إلى النفوذ الاقتصادي، لكن دعم الخليج يعزز من قدرتها على اتخاذ القرار على الساحة الدولية وأمام ترامب".