المحادثات الأوروبية الإسرائيلية.. تجديد أم تقييم للعلاقات؟
٢٦ فبراير ٢٠٢٥عوض مناقشة الخطط الرامية إلى تعزيز التعاون، كان الدافع وراء اجتماع يوم الاثنين هو الدفع من جانب دولتين من دول الاتحاد الأوروبي لمراجعة العلاقة التجارية والعلاقات مع إسرائيل في ضوء سلوكها في غزة، بما في ذلك السلوكيات التي اعتبرتها المحكمة الجنائية الدولية قد ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
"ليست محاكمة"
تنفي إسرائيل هذه الاتهامات دائما، لكن الاتحاد الأوروبي كان واضحا قبل الاجتماع في بروكسل. بالنسبة لأحد كبار الدبلوماسيين: "الفكرة هي استمرار الحوار مع إسرائيل، وليس عقد محاكمة لها".
إن الدافع الإسباني والأيرلندي الأصلي لمراجعة اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تحكمها التجارة وتتضمن بنودا بشأن دعم حقوق الإنسان، "لم يكن مطروحًا على الطاولة".
وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي في تصريحات لـ DW إن الأمر استغرق شهورا من المفاوضات الداخلية بين الدول السبع والعشرين، والتي تتباين مواقفها بين المنتقدين الشرسين لإسرائيل، وبين الأصدقاء المقربين، لأجل الوصول إلى التسويات اللازمة لعقد أول محادثات منذ هجمات حماس الإرهابية في 7 أكتوبر 2023.
يبدو أن إسرائيل ترى دعوة الاتحاد الأوروبي علامة إيجابية، إذ قال وزير الخارجية غدعون ساعر إن الاجتماع أظهر "الرغبة في تجديد العلاقة الطبيعية".
وقال في تصريح لـ DW ومنابر إعلامية أخرى في بروكسل: "هذا لا يعني أنه لا توجد اختلافات في الرأي، لكن يجب أن تعرف كيف تتعامل معها".
موقف التكتل من خطة ترامب، والعنف في الضفة
تعامل الاتحاد الأوروبي مع خلافاته الداخلية من خلال صياغة بيان من 57 نقطة مليء باللوم والثناء في الآن ذاته على إسرائيل. وبعد أن اقترح الرئيس دونالد ترامب أن "تسيطر الولايات المتحدة" على غزة، أصر التكتل على "ضمان عودة آمنة وكريمة للنازحين في غزة إلى ديارهم".
وبينما رحب الاتحاد الأوروبي بوقف إطلاق النار الهش في القطاع وطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن، قال إنه "يتأسف بشدة للعدد غير المقبول من المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، الذين فقدوا حياتهم، والوضع الإنساني الكارثي الناجم بشكل خاص عن عدم دخول المساعدات الكافية إلى غزة".
واستمر الاتحاد الأوروبي في التعبير عن "معارضته الشديدة لسياسة الاستيطان الإسرائيلية"، وقال إنه "يدين بشدة التصعيد في الضفة الغربية، في أعقاب زيادة عنف المستوطنين، وتوسيع المستوطنات غير القانونية، والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وزيادة الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل".
كما حث الاتحاد الأوروبي إسرائيل على "السماح بتحسين ملموس لحرية حركة الفلسطينيين"، وأضاف أنه "يعارض جميع الإجراءات التي تقوض حل الدولتين".
إسرائيل: لا ينبغي رهن العلاقات بالصراع
وصل وزير الخارجية الإسرائيلي إلى بروكسل ببيانه المكون من 149 فقرة والذي يغطي كل شيء من السياحة إلى التعاون في مجال النقل، مع تحذيرات من تصاعد معاداة السامية في أوروبا ودعوات دول الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز القوانين لمكافحة الكراهية تجاه اليهود.
وتضمن النص حججا مضادة لانتقادات الاتحاد الأوروبي المتوقعة بشأن غزة، قائلا إن إسرائيل "أُجبرت على خوض الحرب.. لتفكيك القدرات العسكرية والحكومية لحماس، وتحرير الرهائن، وإعادة الأمن لمواطنيها". وأنه "منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل تحت هجمات مستمرة وتهديد وجودي"، كما جاء في البيان.
يذكر أن حركة حماس، هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية.
وأصرت إسرائيل على أنها "بذلت جهودا كبيرة للسماح بتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية إلى غزة"، وألقت باللوم على عمليات النهب التي تقوم بها حماس في صعوبات توزيع المساعدات.
وبعد انتهاء المحادثات، لخص غدعون ساعر عرضه لبروكسل، قائلا للصحافيين إن العلاقات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي "لا ينبغي أن تكون رهينة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".
وفي معرض رده على سؤال لـ DW بشأن ما إذا كانت تحذيرات بروكسل ستؤثر على سلوك إسرائيل في الضفة الغربية، أشار ساعر إلى ما قال إنها قنابل مزروعة في الحافلات الإسرائيلية الأسبوع الماضي، كديل على التهديد الإرهابي الذي تواجهه البلاد.
وقال: "لقد سمعنا مخاوف بعض الدول الأعضاء، وقد أوضحت أنه مهما فعلنا هناك، فإننا نفعل ذلك من أجل حماية أنفسنا. نحن بحاجة إلى القيام بذلك من أجل الدفاع عن مواطنينا، وهذا ما سنستمر في القيام به".
نهج الاتحاد الأوروبي يثير انتقادات النشطاء
لقد كانت الفجوة في المواقف بين الجانبين على ما خُط في الورق واضحا، لكن المزاج بينهما كانت أكثر ودية على أرض الواقع، في ظل تبادل الكثير من الابتسامات والمصافحات.
وبعد المحادثات الرسمية، التي وصفتها مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس بأنها "صريحة"، ذهب ساعر لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي بما في ذلك رئيسة المفوضية أورزولا فون دير لاين، ورئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا، التي وصفها بأنها "صديقة حقيقية لإسرائيل".
أوكسفام تنتقد نهج بروكسل
وأنتقدت خبيرة المساعدات الإنسانية في منظمة أوكسفام الخيرية " أنييس برتراند سانز، قائلة "يدرج الاتحاد الأوروبي بنود حقوق الإنسان في صفقاته الثنائية لسبب وجيه، ولكن مع إسرائيل، تبدو هذه البنود اختيارية". وأضافت "هذه ليست دبلوماسية، هذا تواطؤ".
وكان كلاوديو فرانكافيلا من منظمة هيومن رايتس ووتش قد أنتقد مشيرا إلى أنه يجب ألا تكون هناك "أعمال كالمعتاد" مع دولة "رئيس وزرائها الحالي مطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم وحشية" في إشارة لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو .
المحكمة الجنائية الدولية: دعم أم عدم امتثال؟
تصدرت مذكرة اعتقال نتنياهو الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في عام 2024 عناوين الأخبار في أوروبا مرة أخرى هذا الأسبوع، عندما قال المستشار الألماني المحتمل، فريدريش ميرتس "بأنه يمكنه (نتنياهو) زيارة ألمانيا والمغادرة مرة أخرى دون أن يتم القبض عليه".
وهذه ليست المرة الأولى التي يصرح فيها مسؤول دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بأنه قد يتصرف في ظل انتهاك واضح للالتزامات بموجب القانون الدولي، والتي تتطلب من الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية تسليم أي مشتبه به مطلوب من قبل المحكمة يدخل أراضيها.
ومع تأكيد بيان الاتحاد الأوروبي لإسرائيل على "دعمه الثابت" للمحكمة الجنائية الدولية، سألت DW رئيسة مفوضة الشؤون الخارجية بالاتحاد، عما إذا كانت دعوة ميرتس مناسبة.
وردت كايا كالاس بالقول إن الاتحاد الأوروبي يدعم "حياد المحكمة وفعاليتها"، وذكّرت بأن جميع دول الاتحاد الأوروبي ملتزمة بقواعد المحكمة الجنائية الدولية، لكن تنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية متروك للدول الأعضاء لتقرره".
وانتقدت إسرائيل يوم الاثنين المحكمة بسبب "القرارات المتحيزة" التي "تسعى إلى تقويض" حق البلاد في حماية أراضيها ومواطنيها والوجود في سلام وأمن.
وكرر البيان الإسرائيلي الاتهامات السابقة، التي رفضتها المحكمة الجنائية الدولية بسرعة، بأن مذكرة التوقيف ضد نتنياهو تشكل "معاداة بحتة للسامية".
م.ب