الحكومة السورية الجديدة: حكومة تكنوقراط أم إرضاء للأقليات؟
١ أبريل ٢٠٢٥تغييرات هيكلية عديدة شهدتها الحكومة السورية التي أُعلنَ عن تشكيلتها قبل أيام، تمثلت بثلاثة وعشرين حقيبة وزارية، اثنتان منهما مستحدثتان، مع إلغاء منصب رئيس الوزراء، وبالتالي يُشرف الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع على عمل الوزراء.
رحّبت دول عديدة بالحكومة السورية الجديدة، ولكن ما زالت تثير الأحداث في سوريا عقب سقوط نظام الأسد جدلاً واسعاً، وتتجه الأنظار إلى كل خطوة تقوم بها الإدارة الجديدة.
فعن اختيار الوزراء اعتبر فابريس بالانش الخبير في الشأن السوري أن الحصة الأكبر من الحقائب الوزارية ذهبت للمقربين نت الشرع. وقال بالانش لفرانس برس: "المناصب الأساسية في الحكومة الجديدة يشغلها رفاق السلاح السابقون ممن كانوا ضمن حكومة الإنقاذ التي كانت تدير محافظة إدلب".
وعن كيفية تشكيل الحكومة الجديدة والتحديات التي رافقتها، قال الرئيس أحمد الشرع إن اختيار الوزراء تم بالنظر إلى كفاءاتهم وخبراتهم، دون إيلاء توجهاتهم الفكرية أو السياسية أي أهمية تذكر.
وأضاف: "سعينا قدر المستطاع إلى أن نختار الأكفاء وراعينا التوسع والانتشار والمحافظات وراعينا أيضاً تنوع المجتمع السوري، ولكن لن نستطيع أن نرضي الجميع"، وهو ما يمكن لمسه من خلال تعيينه لوزير درزي، وآخر كردي، ووزير علوي، ووزيرة مسيحية هي المرأة الوحيدة في الحكومة.
إرضاء للداخل والخارج تحدٍّ كبير
من جانبه يرى عمر الحبال، ناشط سياسي دستوري سوري أن تشكيل الحكومة الجديدة الذي استغرق أكثر من شهرين من العمل يدل على ضغوطات داخلية وخارجية تواجهها الحكومة الانتقالية للتوفيق بين معايير تخص الرئاسة ومعايير وضعتها الدول الداعمة.
ولهذا فإن أغلب الوزارات السيادية بقيت من وزراء سابقين أو من ضمن هيئة تحرير الشام التي تم حلها، ولكن هذا لا يمنع من وجود كفاءات ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة لديهم خبرات جيدة تم جمعها من الخارج والداخل على حدّ تعبيره.
وفي مقابلة مع DW عربية قال الحبال: "أتت الحكومة الجديدة لتكون مزيجا يغلب عليه طبيعة سورية التي غالبيتها عربية ومسلمة التي لا تقل عن 80 بالمئة، بالإضافة إلى إن الهوية السورية لا تنص في حيثياتها على العرق أو الدين أو المذهب، ومع ذلك يمكننا ملاحظة أن الحكومة أخذت مكونات المجتمع دون تسمية محاصصة دينية أو عرقيه بعين الاعتبار".
وأضاف أنه لا يمكن لحكومة تتكون من 23 وزيراً أن تغطي التنوّع الكبير الموجود في سوريا وتلبي رغبات الجميع، وهنا تبرز أهمية ضم موظفي الصف الثاني وباقي الإدارات الموزعة على كل المحافظات، وهو ما لا يمكن الحكم عليه إلا بعد مرور شهرين إلى ثلاثة أشهر من بداية عمل الحكومة.
وعن التحدّيات التي تواجه الحكومة الجديدة في الفترة القادمة فهي كبيرة جداً وفق الحبال، أبرزها تحديات اقتصادية وإدارية متزايدة في ظل عجز التمويل الذي يستلزم ضرورة جذب المستثمرين ورجال الأعمال للنهوض بالبلد.
كما أن إرضاء كافة أطياف الشعب السوري قد يكون إحدى أكبر العقبات التي تقف أمام الحكومة الجديدة، ولكن يرى الحبال أنه كان بالإمكان تجاوز هذه العقبة باعتماد الحكومة في الإعلان الدستوري على دستور عام 1950 كمرجعية مؤقتة لتنظيم المرحلة الانتقالية، لكنها ذهبت باتجاه نظام حكم رئاسي تطمح من خلاله إلى تشكيل لجنة لكتابة دستور البلاد.
وهو ما يعتبره الحبال كارثة قد تلحق بالبلاد بسبب الصراع المحتمل بين الشعب الذي يريد أن يكتب الدستور بنفسه عبر مجلس نيابي تأسيسي منتخب بحرية ونزاهة وبين الحاكم الذي يريد أن يكتبه بنفسه لتلبية احتياجاته.
الأكراد غير راضين عن الحكومة الجديدة
بالرغم من تنوّع الحكومة السورية الجديدة بالمقارنة مع حكومة تصريف الأعمال التي سيّرت البلاد في الفترة التي تلت إسقاط نظام الأسد، إلا أن الإدارة الذاتية الكردية ليست تكن راضية عنها، وأعلنت أنها لن تكون معنية بتنفيذ قراراتها وفق وكالة فرانس برس.
وما يثير استياء الأكراد عموماً هو أن الحكومة الحالية وتوجهاتها السياسية لا تتقاطع مع تصور الأكراد لشكل الدولة الجديد والنظام السياسي والإداري الذي يعتبرونه مناسباً لإشراك كافة المجموعات السكانية في سوريا بصورة فعلية لا شكلية وفق فرهاد أحمه، محلل سياسي ومدير منظمة بيل.
وقال أحمه في مقابلة مع DW عربية: "يرى الأكراد أن دمشقتصر على الانفراد في تقرير مصير البلد، ولا تعي ضرورة إشراك كل المجتمعات السورية في عملية تصميم وتشكيل الدولة الجديدة".
وبحسب أحمه فإن الخلاف الجوهري بينهما هو أن الحكومة السورية الجديدة مصرّة على أن الإدارة المركزية التي يغلب عليها الطابع الديني الممزوج بأيديولوجية قومية عربية هي الشكل الأنسب للحكم، في حين يسعى الأكراد ومجتمعات سورية أخرى إلى دولة لا مركزية تتيح مشاركة واسعة لكافة مناطق ومجتمعات سوريا.
وحتى احتواء الحكومة السورية الجديدة على وزير كردي، وهو وزير التربية والتعليم محمد عبد الرحمن تركو، لم يكن حلًا بالنسبة للأكراد، ولا يشكّل مشاركة سياسية عادلة بالنسبة لهم، فالأحزاب الكردية هي الممثل السياسي الوحيد لهم في سوريا، وليس أفراداً من الأكراد بغض النظر عن كفاءاتهم وقدراتهم الشخصية، وهذه التشكيلة الحكومية لم تراعِ المطالب السياسية للأكراد على حدّ تعبير أحمه.
أما الحل الوحيد أمام الحكومة الجديدة من وجهة نظره يكمن في إدارة حوار سياسي مع ممثلي الأكراد للوصول إلى اتفاق بشأن المطالب الكردية التي تتطابق مع مطالب فئات واسعة من المجتمع السوري.
كما أن عدم اعتراف الحكومة الجديدة بوجود مشكلة فيما يتعلق بتنوّع سوريا وإشراك كافة مكونات المجتمع بشكل فعلي سيؤدي إلى إنتاج نظام استبدادي جديد، وأضاف: "سوريا ستزدهر وتنجو من خلال حل سياسي لمشاكلها الداخلية وليس من خلال التملّق للخارج ومحاولة إرضائه باجراءات شكلية".