الانتخابات البرلمانية السورية تضيع فرصة جديدة أمام التحولات الديمقراطية
٢٤ أبريل ٢٠٠٧انتهت يوم أمس الاثنين انتخابات مجلس الشعب السوري في دورته التاسعة بعد يومين كان الإقبال خلالها ضعيفاً على صناديق الاقتراع وفقاً لما تناقلته وسائل الإعلام والمراقبون. ولا تحمل قلة اهتمام السوريين بهذه الانتخابات مفاجآت، لاسيما وأنهم يعرفون بأن نتائجها ستكون مشابهة لنتائج انتخابات المجلس السابق. ومما يعنيه ذلك بأن ما يُسمى بالجبهة الوطنية التقدمية المؤلفة من تسعة أحزاب يقودها حزب البعث ستفوز حتماً بثلثي المقاعد البالغ عددها 250 مقعداً.
وقد خصص من مقاعد الثلثين البالغ عددها 167 مقعداً 132 للبعث و 35 للأحزاب المتحالفة معه. وسيتم انتخاب قوائم الجبهة بشكل يشبه التزكية كما في المرات السابقة، إذ لم يسبق لإحدى قوائمها أن خسرت أية انتخابات منذ تشكليها أوائل سبعينات القرن الماضي على غرار الجبهة التي كانت تحكم جمهورية ألمانيا الديمقراطية سابقاً بقيادة الشيوعيين. أما المقاعد المتبقية وعددها 83 مقعداً فيتنافس عليها مرشحون مستقلون أو مرشحون لا ينتمون إلى أحزاب سياسية غالبيتهم من التجار ورجال الأعمال والأطباء والمهندسين.
غياب معارضة حقيقية
ولا يمكن تصنيف المرشحين المستقلين في فئات المعارضة كونهم من المَرْضي عليهم عموماً في الأوساط السياسية الحاكمة. وهو الأمر الذي يتضح أيضاً من حملاتهم الانتخابية الخالية من رؤى سياسية أو تنموية. فقد كانت هذه الحملات مخصصة لتقديم ضيافة القوة والشاي والحلويات أكثر منها لمناقشة برامج انتخابية تناقش حلولا ممكنة للبطالة والرشوة وغيرها من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها سوريا بشكل متزايد. ويزيد من حدتها ازدياد نسبة المواليد التي تؤدي إلى انضمام ربع مليون سوري إلى سوق العمل سنة بعد أخرى. كما يزيدها انسداد آفاق هجرة الكفاءات السورية إلى الخليج والأمريكتين وأستراليا كما كان عليه الحال سابقاً. يضاف إلى ذلك أن المؤسسات الحكومية غير قادرة على استيعاب نسبة مهمة من العاطلين عن العمل كونها تعاني من الصعوبات ما يكفي.
وبغض النظر عمن سينجح من المرشحين المستقلين فإن المجلس الجديد لن يعبر عن هموم غالبية السوريين وطموحاتهم كونهم لم ينتخبوه على هذا الأساس. وفي هذا السياق فإن صلاحياته ستكون محدودة ومقيدة كسابقيه كذلك. فعلى الصعيد الداخلي سيتمثل دوره الرئيسي في مناقشة مقررات السلطة التنفيذية وفي مقدمتها مؤسسة الرئاسة المتمثلة بالرئيس بشار الأسد وإقرارها. أما على صعيد السياسة الخارجية فلن يكون مناطاً به مناقشة القضايا الحساسة التي تتعلق بعلاقات سوريا مع جيرانها وباقي دول العالم وتكتلاته. ويأتي ذلك في الوقت الذي هي أحوج ما تكون فيه إلى مناقشة هذه القضايا وإيجاد حلول لها في ضوء الحصار والمقاطعة الجزئية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من حلفائها على البلاد.
ومع تشكيل المجلس الجديد تكون قد ضاعت فرصة جديدة نحو التغيير الديمقراطي الذي أمل به السوريون مع مجيء الرئيس بشار الأسد إلى الحكم في عام 2000. فبدلاً من إلغاء قانون الطوارئ والسماح بتشكيل أحزاب سياسة على أساس غير طائفي أو ديني كما وعد بذلك الرئيس نفسه، ما يزال الجمود السياسي يسيطر على الحياة السياسية في سوريا. ولا تكمن مشكلة هذا الجمود فقط في تقنينه تارة ومنعه تارة أخرى للحريات العامة، بل في فرملته كذلك لعجلة التنمية التي دفعتها الإصلاحات الاقتصادية الانتقائية.
وفي هذا السياق لم يعد خافياً أن الجمود المذكور يهدد النتائج الإيجابية التي تأتي بها هذه الإصلاحات على أصعدة تعزيز دور القطاع الخاص وتشكيل نواة لطبقة وسطى يمكن أن تشكل محرك النمو والتنمية لاحقاً. فمثل هذا الدور بحاجة إلى إشراك هذه الفئات في صنع القرار السياسي بشكل فعال وبعيد عن شروط الولاء لحزب أو تكتل سياسي معين.
الديمقراطية تقوي القيادة الحاكمة
تبرر الدوائر الحاكمة في دمشق تأخير عملية الإصلاح السياسي بالحصار والتهديدات التي توجهها واشنطن وحلفائها ضد سوريا. غير أن حجة كهذه مردودة على القائلين بها، لاسيما وأن ظروف الحصار تستدعي حشد الطاقات الوطنية على أساس ديمقراطي يضمن الحريات العامة بدلاً من تقييدها ومنعها. وتبرز في مقدمتها حرية تشكيل أحزاب سياسية لا تحمل طابعاً طائفياً أو دينياً، علاوة على حرية إقامة مؤسسات إعلامية لا تخضع للرقابة الحكومية المباشرة. ولكي تكتمل هذه الحريات لا بد من إلغاء قانون الطوارئ الذي يجعل منها مجرد حبر على ورق. أخيراً فإن الحريات المذكورة لا غنى بها في دولة تنشد التقدم والازدهار والتعايش السلمي مع جيرانها.
ابراهيم محمد