الاتفاق بين دمشق والأكراد.. هل يغير التحالفات الإقليمية؟
١٤ مارس ٢٠٢٥التغيرات السياسية في سوريا مستمرة بوتيرة سريعة. هذا الأسبوع وقّّع الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، اتفاق وقف إطلاق النار مع السلطة التي يقودها الأكراد، قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد. يمثل هذا الاتفاق نهاية للأعمال العدائية بين القوات السورية المدعومة من تركيا والقوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة. كما ينصّ على دمج القوات الكردية في الجيش السوري، وهو ما كان يشكل عقبة رئيسية منذ إعلان الشرع حلّ جميع القوات المسلحة في سوريا، بما في ذلك الميليشيا الإسلامية "هيئة تحرير الشام"، التي كان يقودها، لصالح قوة سورية موحدة جديدة.
علاوة على ذلك، يضع الاتفاق نحو ثلاثين بالمئة من المناطق التي كانت تحت سيطرة الأكراد، على الحدود مع العراق وتركيا، تحت سلطة الحكومة المركزية. وقال نانارهواش، كبير المحللين المتخصصين في الشأن السوري لدى منظمة "مجموعة الأزمات الدولية المعنية بمنع النزاعات، في تصريح لـ DW : "الاتفاق بين دمشق وقوات سوريا الديمقراطية الكردية يمثل خطوة كبيرة نحو إعادة توحيد سوريا". وأضاف: "توقيت الاتفاق مهم أيضًا، فإسرائيل لم تتدخل فقط في جنوب سوريا، بل حاولت أيضًا إحداث شرخ بين دمشق والأقليات، وخصوصًا الأكراد والدروز".
وتابع هواش: "المجازر الأخيرة (التي ارتكبتها قوات الحكومة ضد الأقلية العلوية في الساحل السوري) دفعت بقوة نحو هذا الاتفاق". ويتفق مع هذا الرأي تشارلز ليستر، الزميل البارز في "معهد الشرق الأوسط" بواشنطن ورئيس مبادرة المعهد الخاصة بسوريا، حيث قال خلال إحاطة إلكترونية يوم الثلاثاء: "الاتفاق كان مطروحًا على الطاولة منذ أسابيع".
دمشق تعزز السلطة والشرعية
ليس لدى كريسي ستينكامب، الأستاذة المشاركة في التغيرات الاجتماعية والسياسية مع تركيز على الشرق الأوسط في جامعة أكسفورد بروكس بالمملكة المتحدة، أي شك في أن دمشق كانت مستثمرة بقوة في إتمام الاتفاق مع الأكراد. وقالت في تصريح لـ DW :"يمثل الاتفاق مكسبين لدمشق". وأضافت: "أولًا، تعزز الحكومة في دمشق سيطرتها الإقليمية والسياسية، بالإضافة إلى الاعتراف بها كحكومة شرعية لسوريا". وتشير إلى أن "الجانب الثاني فهو المكسب الاقتصادي، حيث يمنح الاتفاق دمشق حق الوصول إلى عائدات النفط والغاز في شرق سوريا، وهو أمر بالغ الأهمية في السياق العام".
ويتفق تشارلز ليستر مع هذا الطرح، حيث قال: "الهيكل الأساسي للاتفاق يقوم على تسليم البنية التحتية النفطية والطاقة في الشمال الشرقي إلى الحكومة المؤقتة، لكن بشرط أن يتم تقاسم العائدات بشكل متناسب مع الشمال الشرقي، وتوجيهها نحو الأنشطة المدنية والإنسانية والاستثمارات في تلك المنطقة من سوريا". ولا شك أن تعزيز الاقتصاد السوري يمثل أولوية قصوى للحكومة المؤقتة في دمشق. فالبلاد بحاجة إلى إعادة إعمار واسعة النطاق بعد أربعة عشر عامًا من الحرب الأهلية، التي انتهت في كانون الأول/ ديسمبر من عام ألفين وأربعة وعشرين بإطاحة "هيئة تحرير الشام" بالرئيس السوري بشار الأسد.
الاعتراف بالمزيد من الحكم الذاتي للأكراد
يمثل الاتفاق الجديد نقطة تحول كبيرة لنحو مليونين ونصف المليون من الأكراد في سوريا. فخلال العقود الخمسة الماضية تحت حكم عائلة الأسد، عانى الكرد في البلاد من التهميش والقمع. فقد مُنعت الاحتفالات بالأعياد الكردية، وحُرم العديد من الأكراد من الجنسية السورية، إذ جردوا بموجب قانون الاحصاء الاستثنائي عام 1962 من الجنسية، لكن الرئيس السوري السابق بشار الأسد ألغى القانون في عام 2012.
وقالت كريسي ستينكامب: "بموجب الاتفاق الجديد، يتم الاعتراف بهم كجماعة عرقية في سوريا، كما وُعدوا بمستوى معين من الحكم الذاتي فيما يتعلق بلغتهم وهويتهم". وفي الوقت نفسه، أكدت الحكومة في بيان رسمي أن "المجتمع الكردي يشكل عنصرًا أساسيًا في الدولة السورية، التي تضمن له حق المواطنة وجميع حقوقه الدستورية". وأضافت ستينكامب: "من الواضح أن هذا هو ما كان الأكراد يناضلون من أجله في الشرق الأوسط".
ومع ذلك، يشير المراقبون إلى أن المساعي الكردية للحصول على السلطة والاعتراف بهويتهم لم تُحسم بالكامل بعد، إذ إن الاتفاق الجديد من المقرر تنفيذه بحلول نهاية العام. وقال تشارلز ليستر: "ما لدينا هو اتفاق إطاري، وليس صفقة شاملة". وأضاف: "لا تزال جميع التفاصيل المتعلقة بحلّ القوات العسكرية ودمجها، بالإضافة إلى الترتيبات الخاصة بالحكم المحلي واللامركزي، بحاجة إلى العمل عليها".
تغير التحالفات الأمنية
لكن مستقبل الأكراد لا يعتمد فقط على حسن نية الحكومة السورية. فلطالما استهدفت تركيا قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، في شمال شرق سوريا. وتعتبر أنقرة الأكراد في سوريا مرتبطين بحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي تصنّفه تركيا كمنظمة إرهابية.
في الأول من مارس، أعلن الحزب وقف إطلاق النار، وهو ما يُنظر إليه على نطاق واسع كمؤشر على اقتراب حله. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف سيؤثر ذلك على الأكراد في سوريا. علاوة على ذلك، لعبت القوات الأمريكية دورًا رئيسيًا في تأمين الأكراد لسنوات، حيث قام عدة آلاف من الجنود الأمريكيين بتدريب ودعم القوات الكردية في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وحاليًا، هناك نحو تسعة آلاف من المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة محتجزون في سجون كردية، بينما يُقدّر أن أربعين ألفًا من مقاتلي التنظيم وعائلاتهم يعيشون في مخيمات احتجاز تحت إدارة كردية. ومن الآن فصاعدًا، ستكون كل هذه المنشآت تحت سيطرة دمشق، لكن لا يزال من غير الواضح إلى متى ستبقى القوات الأمريكية في سوريا، خاصة في ظل إعادة ترتيب السياسة الخارجية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويرى نانار هواش أن الاتفاق الجديد بين الأكراد ودمشق قد يمهد الطريق لتعاون أمني أكبر داخل سوريا. وقال لـ DW : "قد تنضم دمشق إلى التحالف لمحاربة داعش". أما بالنسبة للشعب السوري والأقلية الكردية، فالأمل يتغلب على الشكوك بشأن تفاصيل الاتفاق أو طريقة تنفيذه. وأضاف تشارلز ليستر: "حقيقة أن لدينا الآن اتفاقًا إطاريًا معلنًا بشكل رسمي هو أمر مشجع للغاية". وتابع: "يكفي النظر إلى كل زاوية من زوايا سوريا ليلة أمس، والاحتفالات التي جرت، لتدرك مدى توق السوريين لنجاح هذا الاتفاق".
أعده للعربية: عباس الخشالي