إسرائيل والحوثيون .. تصعيد جديد؟
٢٨ أغسطس ٢٠٢٥
شنت يوم الأحد (24 آب/ أغسطس 2025) طائرات حربية إسرائيلية غارة جوية مكثفة على العاصمة اليمنية صنعاء. وبحسب الجيش الإسرائيلي فقد تم قصف عدة أهداف عسكرية: مجمع عسكري يضم القصر الرئاسي، بالإضافة إلى محطتين لتوليد الطاقة ومستودع وقود. وأكدت إسرائيل أنَّ هذه المنشآت يستخدمها الحوثيون عسكريًا - لتزويد مراكز القيادة بالطاقة ولتزويد الطائرات المسيرة بالوقود.
وفي المقابل أعلنت سلطات الحوثيين عن مقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة نحو 90 آخرين، من بينهم العديد من المدنيين. وأظهرت الصور من صنعاء خزانات وقود مشتعلة ومبانٍ سكنية متضررة. وهذا الهجوم لا يعد أول عملية إسرائيلية ضد الحوثيين، ولكنه من أشد الهجمات منذ بدء هذه الجبهة الجديدة.
لماذا ردت إسرائيل الآن بالذات؟
وسبب هذه الضربة العسكرية يعود إلى يومين سابقين: ففي 22 آب/ أغسطس أطلق الحوثيون على إسرائيل صاروخًا، كان مزوّدًا بحسب الجيش الإسرائيلي بذخائر عنقودية، أي برأس حربي يحتوي على قنابل عنقودية. وتعتبر مثل هذه الأسلحة محظورة دوليًا لأنَّها غالبًا ما تتسبب في سقوط ضحايا من المدنيين.
ويبدو أنَّ هذا الهجوم بالصاروخ العنقودي كان تصعيدًا نوعيًا بالنسبة لإسرائيل؛ وأنَّ الحكومة الإسرائيلية أرادت الآن من خلال هذه الضربة أن تظهر أنَّها لم تعد تتصدى لهجمات الحوثيين دفاعيًا فقط، بل ترد بقوة أكبر على مصدر هذه الهجمات.
لقد ازدادت في الأشهر الماضية الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة من اليمن. وترى المحللة المستقلة للشؤون اليمنية، هانا بورتر، أنَّ نوعية هذه الهجمات جديدة. وحول ذلك قالت بورتر في حوار مع DW: "يبدو أنَّ الجديد هو دمج الحوثيين ذخائر عنقودية في صواريخهم. حتى لو تم اعتراض الصواريخ، يمكن أن تسقط الشظايا أو الأجزاء التي تحتوي على ذخائر عنقودية على إسرائيل وتنفجر عند الاصطدام. وهذا على الأمل إحداث تأثير أكبر، وأيضًا بالقرب من مطار بن غوريون في تل أبيب".
منذ متى يهاجم الحوثيون إسرائيل؟
بدأت المواجهة في خريف عام 2023. وفي ذلك الوقت، بعد فترة قصير من هجوم حماس الإرهابي في 7 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن الحوثيون عن "هجمات تضامنية" ضد إسرائيل. وفي 19 تشرين الأول/أكتوبر، أسقطت البحرية الأمريكية لأول مرة صواريخ حوثية فوق البحر الأحمر، من المفترض أنَّها كانت تستهدف إسرائيل. وفي 31 تشرين الأول/أكتوبر، أكد الحوثيون رسميًا إطلاقهم طائرات مسيرة وصواريخ باتجاه إيلات.
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ومنذ ذلك الحين، وقعت هجمات متكررة، أدى بعضها إلى إطلاق إنذارات جوية في إسرائيل. وكان هجوم 19 تموز/يوليو 2024 عنيفًا للغاية، حينما ضربت مسيرة حوثية وسط مدينة تل أبيب وقتل مدنيًا.
وردّت إسرائيل بغارات جوية على أهداف حوثية في مدينة الحديدة الساحلية الواقعة على البحر الأحمر في غرب اليمن، والتي كانت هدفًا متكررًا للغارات الجوية السعودية.
وهجمات الحوثيين تُظهر منطقًا استراتيجيًا، كما تقول محللة الشؤون اليمنية هنا بورتر: "الحوثيين يهاجمون إسرائيل باستمرار منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. وكانت هناك فترات استراحة وتقلبات في وتيرة الهجمات، ولكن الحوثيون أوضحوا مرارًا وتكرارًا: أنَّهم سيواصلون هذه الحملة بصرف النظر عن الغارات الجوية التي يتعرضون لها، سواء من إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية".
ما هي المصالح التي يسعى إليها الحوثيون؟
والحوثيون، الذين يطلقون على أنفسهم اسم "أنصار الله"، يسيطرون منذ عام 2014 على الجزء الأكبر من شمال اليمن. ويقاتلون في حرب أهلية ضد حكومة مدعومة من السعودية والإمارات. والحوثيون المعزولون دوليًا يعتمدون على تحالفهم مع إيران.
وبحسب الأمم المتحدة فإنَّ طهران تقوم منذ سنين بتزويد الحوثيين بالأسلحة وتكنولوجيا الصواريخ والطائرات المسيرة، وتدعمهم بالتدريبات العسكرية. والحوثيون يمثّلون بالنسبة لإيران أداة ضغط مهمة في المنطقة. وبمساعدتهم، تستطيع طهران الضغط على السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
وفي المقابل الحوثيون يستخدمون الحرب في غزة لتقديم أنفسهم كجزء من "محور المقاومة". ويعرضون هجماتهم على إسرائيل كتعبير عن التضامن الإسلامي مع الفلسطينيين، ويكسبون بذلك دعمًا شعبيًا. وفي الوقت نفسه، يأملون في الحصول على اهتمام دولي، يمكن أن ينفعهم في مفاوضات السلام وإنهاء الحرب الأهلية اليمنية.
والوضع الإنساني في اليمن مأساوي. حيث بلغت معدلات الجوع وسوء التغذية ونقص التغذية مستويات قياسية. وبحسب الأمم المتحدة فإنَّ أكثر من نصف سكان اليمن يعتمدون على المساعدات الإنسانية. وكذلك انهارت تقريبًا البنية التحتية والنظام الصحي في اليمن بسبب الحرب الأهلية.
ما هي تداعيات الصراع على المنطقة؟
وهذا التصعيد لا يؤثر على إسرائيل واليمن وحدهما، بل يؤثر أيضًا على التجارة العالمية. ومنذ نهاية عام 2023، يهدّد الحوثيون سفن الشحن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أحد أهم طرق الملاحة في العالم. وكثيرًا ما تضطر شركات الشحن إلى سلك طريق أطول حول رأس الرجاء الصالح، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف بوضوح.
ولذلك فقد بدأت في كانون أول/ديسمبر 2023 الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا عملية بحرية اسمها "حارس الازدهار" لحماية حركة الملاحة البحرية. ومنذ ذلك الحين، وقعت غارات جوية متكررة من القوات الغربية على مواقع الحوثيين. وبالتالي فإنَّ هجوم إسرائيل الحالي يأتي ضمن إطار نمط أوسع من العمليات العسكرية الدولية، التي تهدف إلى الحد من هجمات الحوثيين.
أعده للعربية: رائد الباش